الجزائر حبيسة هواجس عمق المصالح بين موريتانيا والمغرب

ماموني

التغيرات مستمرة ولا تنتظر أحدا، وما يغيب عن ذهن حكام الجزائر ويغفلون عنه أن قطار العلاقات المغربية – الموريتانية انطلق ووصل إلى محطة أخرى من التعاون تم التأسيس لها ووضعها في سياقاتها الجيوستراتيجية الحقيقية منذ مدة طويلة، وأعطي لها معنى حقيقيا في عمق نوع العلاقات التي يجب أن تكون بين دولتين يجمع بينهما أكثر ممّا يجمع بين أيّ دولتين أخريين.

ما نراه الآن من الارتقاء بالتعاون بين موريتانيا والمغرب إلى مستويات أفضل كان نتيجة عمل متواصل رغم الصعوبات والعقبات التي تم وضعها من طرف خصوم المغرب، الذين يعتبرون أيّ توافق في الرؤى بين البلدين عاملا مهددا لطموحاتهم وأجنداتهم.

في السنة الماضية ارتفع مستوى التبادل التجاري الثنائي بما يتناسب وطموحات البلدين، وهو ما تم التأسيس له مسبقا، فقبل عشر سنوات، أي في عام 2013، بدأت رياح التعاون تهب بلطف على علاقات المغرب وموريتانيا في مجالات التجارة والاقتصاد والنقل البري للأشخاص والبضائع وقطاع الموانئ، وأيضا في قطاع النفط والغاز والماء وميدان البيئة والتنمية المستدامة وتطوير الموارد البشرية والتكوين المهني، وهو ما اعتبره الطرفان واعدا ويتيح فرصا استثمارية هائلة ورهانا مشتركا وتحديا مستقبليا لخلق ثروة جديدة للبلدين، وتم وضع الإطار القانوني والتنظيمي الملائم لإعطاء فرص لشركات من القطاع العام والخاص كي تنمي أنشطتها في مجالات حيوية.

رابح – رابح، هو الإطار الذي يتحرك ضمنه المغرب في علاقاته الخارجية. وهكذا يرى المغرب علاقاته مع نواكشوط، وهذا ما يؤمن به غالبية حكام موريتانيا

المغرب وموريتانيا يعيان بشكل عميق حيوية معالجة القضايا الأفريقية، خصوصا المتعلق منها بالتحديات الأمنية المطروحة في منطقة الساحل والصحراء، ما جعل الطرفين ينهجان نفس المقاربة المبنية على الحوار المستدام والتنسيق المستمر لأجل خلق بيئة من التعاون والتضامن تجمع كل دول الساحل ومنطقة غرب أفريقيا، من أجل تبني حلول غير تقليدية شاملة ومندمجة لمعالجة الإشكالية الأمنية في المنطقة ككل.

التوجه عكس عقارب ساعة التاريخ صفة النظام الجزائري بامتياز. في الوقت الذي أكد فيه المغرب وموريتانيا تمسكهما باتحاد المغرب العربي باعتباره خيارا إستراتيجيا يجسد الروابط التاريخية والتطلعات المشروعة لشعوب المنطقة للارتقاء بهذا الفضاء إلى قطب إقليمي قادر على الاندماج في المنظومة الاقتصادية الإقليمية والدولية، نجد هذا النظام يريد اتحادا على المقاس يجرّب في دوله كل أساليب الأيديولوجيات البائدة، وبالطبع اتحاد مغاربي دون مغرب هو ما يسعى إليه منذ زمن بعيد.

قدر موريتانيا والمغرب أن يتعاونا معا لاستكمال بناء شبكات ربط تهم مختلف البنيات التحتية، وتهيئة ظروف للاستثمار وإقامة مشاريع مندمجة وتوحيد السياسة الجمركية والمالية وتعزيز التعاون المصرفي، وتحقيق حرية تنقل الأشخاص والخدمات والسلع ورؤوس الأموال، وتشجيع التبادل الحر وصولا إلى الوحدة والتكامل في إطار سياسة رابح – رابح، مع الحفاظ على القيم الروحية وصيانة الهوية المشتركة.

رابح – رابح، هو الإطار الذي يتحرك ضمنه المغرب في علاقاته الخارجية. وهكذا يرى المغرب علاقاته مع نواكشوط، وهذا ما يؤمن به غالبية حكام موريتانيا. هؤلاء يعرفون أن المملكة لم يسبق لها وضع بلدهم في خانة العدو، ولم تهدد يوما بالتدخل في شؤونها الداخلية. هذا ما لمسه حكام موريتانيا وهو ما عبر عنه وزير خارجية موريتانيا محمد سالم ولد مرزوق في الرباط الاثنين الماضي عندما قال إن “هناك بحثا دائما عن مصلحة البلدين الشقيقين، وكل الأمور تجد حلا بحكم الروابط الموجودة؛ كالملفات العالقة ومنها الشاحنات المغربية”.

واقع العلاقات الدولية يطرح باستمرار مشاكل وتحديات بين الدول، لكن عندما يكون الوضوح في تلك العلاقات سيد الموقف يتم التغلب على تلك الإشكالات الطارئة. لهذا نجد حرص استمرار نواكشوط والرباط على حلحلة كل المشاكل العالقة بين البلدين، وفي مقدمتها الشاحنات المغربية التي يستمر الحوار حولها، وهو الشيء الذي أكده وزير خارجية موريتانيا؛ أي أن السلطات الموريتانية تدرس قرار الزيادة في الرسوم الجمركية على الخضر والفواكه المستوردة من المملكة المغربية عبر معبر الكركرات الحدودي.

الوضوح السياسي والدبلوماسي في العلاقات والمصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين كفيل أن تنكسر على حاجزه كل تلك المناورات

ما لا يعجب الجانب الجزائري هو سير العلاقات بين المغرب وموريتانيا بسلاسة في منحى جيد. فمن غير المناسب لأجندة حكام الجزائر اعتبار نواكشوط مشاركا أساسيا في المبادرة الاقتصادية الأطلسية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس، لأنها ببساطة ستعزز تعاون البلدين ودول الساحل الأخرى على المستويات التجارية وستفتح الآفاق على أسواق أميركا اللاتينية، لهذا تسعى الجزائر لوضع العراقيل في طريق كافة الدول المشاركة في المبادرة وعلى رأسها مالي وموريتانيا.

الهواجس الكبيرة والخوف من المصالح المتنامية بين نواكشوط والرباط دفعت النظام الجزائري إلى استنباط فكرة تصدير بضعة أطنان من البصل كإغراء تجاري لنواكشوط، دون أن يشكل أيّ فارق تجاري داخل السوق الموريتاني. وحتى المنطقة الحرة بين الجزائر وموريتانيا لن يكون لها أيّ تأثير في ما يخص المبادلات التجارية بين المغرب وموريتانيا، خاصة عندما نقرأ أن المبادلات التجارية بين الرباط ونواكشوط شهدت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الماضية، إذ سجلت ديناميكية غير مسبوقة ناهزت قيمتها 300 مليون دولار في العام 2022، محققة نسبة نمو وصلت إلى 58 في المئة.

حضور موريتانيا في مبادرة ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، باعتبارها جزءا أساسيا، إلى جانب مالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو، كما أكد على ذلك ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية المغربي، يأتي نتيجة مكانتها المهمة باعتبارها فاعلا أساسيا في هذه الورش الاقتصادية الكبيرة التي ستعود بالفائدة على دول الساحل.

النظام الجزائري حاول اللعب بورقة منقبين عن الذهب تجاوزوا جنوب الجدار الرملي المغربي، متهما الرباط باستهداف المدنيين العزل وسيارات التجارة، لكن الحكومة الموريتانية تفطنت للعبة القذرة التي يلعبها هذا النظام، وأكدت أنها غير معنية بما يقع خارج حدودها. وحذر وزير الداخلية واللامركزية الموريتاني محمد أحمد ولد محمد الأمين المنقبين التقليديين عن الذهب من تجاوز حدود البلاد أثناء التنقيب، كون أن الأمر يعرض حياتهم للخطر، وأن “المناطق الحدودية التي يُمارس فيها هؤلاء هذه المهنة حساسة أمنيا”، فموريتانيا تعرف جيدا أن المملكة المغربية ومنذ تحرير معبر الكركرات أصبحت تعتبر أيّ تحرك مشبوه بالمنطقة العازلة معرضا للاستهداف.

وبالتالي، الوضوح السياسي والدبلوماسي في العلاقات والمصالح المشتركة التي تجمع بين البلدين كفيل أن تنكسر على حاجزه كل تلك المناورات.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: