الجزائر في حيرة مع إسبانيا: التصعيد ليس من مصلحتها والصمت يحرجها

بليدي

وضع التحول الإسباني تجاه قضية الصحراء الجزائر في موقف حرج، فبقدر ما هي في حاجة إلى هدوء دبلوماسي مع الشريك والجار الأوروبي، هي أيضا لا تستطيع الصمت أمام ما تراه ضررا استراتيجيا قد لحق بمصالحها في المنطقة.

واكتفت الجزائر إلى غاية الآن بالتعبير عما أسمته بـ”الدهشة والاستغراب” من الموقف الإسباني الذي وصفته بـ”المفاجئ” تجاه نزاع الصحراء بين المغرب وجبهة بوليساريو بعدما أعربت مدريد عن دعمها وتأييدها لمقاربة الرباط في حل الأزمة، وباستثناء هذا البيان الذي كشف عن استدعاء السفير الجزائري في مدريد للتشاور، فإنه لم يصدر أيّ تصريح أو موقف رسمي آخر إلى حد الآن.

وفيما يبدو أن الجزائر التي تتفادى أيّ تصعيد دبلوماسي في الظرف الراهن، تفاديا للظهور في ثوب البلد المشاكس، خاصة بعد التجاذبات التي ميزت علاقاتها الدبلوماسية خلال الأشهر الأخيرة مع فرنسا، والأزمة القائمة مع المغرب، فإنها وجدت نفسها في موقع لا يتوجب فيه الصمت، بعد الضرر الذي ألحقه الموقف الإسباني بمصالحها في المنطقة، خاصة في ظل ما ظهر في السنوات الأخيرة أنه تقارب كبير بينها وبين الإسبان.

◙ بيان الحزب يترجم حالة الارتباك التي خلفها الموقف الإسباني الذي وضع شركاءه في السلطة بين مطرقة تفادي التصعيد وسندان عدم الصمت

ومن غير المستبعد أن تكون المهمة قد أوكلت إلى أحد أكبر الأحزاب السياسية الموالية للسلطة، وهو حزب جبهة التحرير الوطني، الذي أصدر الأحد بيانا كسر فيه جدار الصمت الذي عاشه طيلة الأشهر الأخيرة، رغم ثقل الملفات المطروحة داخليا وخارجيا، ولذلك من الراجح أن يكون البيان المذكور من قبيل الإيعاز للتعبير عن الموقف الجزائري خارج القنوات الرسمية.

واستنكر حزب جبهة التحرير الوطني بشدة الموقف الإسباني المفاجئ بشأن قضية الصحراء، ووصفه بـ”المقايضة المشبوهة”، وقال عنه بأنه “يتعارض بصفة مطلقة مع قرارات الشرعية الدولية، ومع المواقف التقليدية للحكومات الإسبانية التي كانت تلتزم الحياد، وتحض على الحل في إطار المؤسسات الدولية”.

ودعا بيان الحزب الحكومة الإسبانية إلى “مراجعة موقفها الجديد، والالتزام بقرارات الشرعية الدولية لإيجاد حل سياسي عادل ودائم يكفل حق تقرير المصير لشعب الصحراء المغربية”.

وأضاف “جبهة التحرير الوطني تدين بشدة التحول في موقف إسبانيا -السلطة الإدارية السابقة بالصحراء- وتجدد دعمها الكامل لقرار الدولة الجزائرية القاضي باستدعاء السفير الجزائري بمدريد للتشاور، وهو القرار الذي يعبر عن المواقف المبدئية الراسخة للجزائر في دعم القضية الصحراوية باعتبارها قضية تصفية استعمار”.

ولفت إلى أن “الانقلاب المفاجئ في موقف الحكومة الإسبانية يؤكد بوضوح وجود صفقة مقايضة بين إسبانيا والنظام المغربي، على حساب قضية شعب يكافح من أجل تحقيق استقلاله، من خلال تنظيم استفتاء لتقرير المصير أقرته الأمم المتحدة، وأن هذا الموقف الغريب لإسبانيا هو خيانة تاريخية وبعيد كل البعد عن الجدية والواقعية والمصداقية، بل إنه مصدر تأزيم جديد ولا يسهم في إنهاء النزاع بين المغرب وجبهة بوليساريو الممثل الشرعي الوحيد لشعب الصحراء”.

واذا كان الحزب الحاكم قد عبّر بهذه المفردات عن موقف يحسب عليه فإنه يعبر بطريقة ضمنية أيضا عن انزعاج في الدوائر الرسمية للسلطة الجزائرية؛ فالتقاليد السياسية التي دأبت عليها البلاد منذ عقود تفيد بأن جبهة التحرير الوطني، أو أيّا من الأحزاب الأخرى الموالية للسلطة، لا يمكن أن تتحرك خارج إرادة السلطة، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا خارجية ومهمة.

◙ الجزائر وجدت نفسها في موقع لا يتوجب فيه الصمت، بعد الضرر الذي ألحقه الموقف الإسباني بمصالحها في المنطقة

ويترجم بيان الحزب حالة الارتباك التي خلفها الموقف الإسباني الذي وضع شركاءه في السلطة بين مطرقة تفادي التصعيد وسندان عدم الصمت، ولذلك يكون أصحاب القرار قد اهتدوا إلى التعاطي الرسمي الهادئ مع المسألة، مع التعبير بغضب بواسطة الحزب الأول في البلاد، ولا يستبعد أن تلتحق به قوى سياسية أخرى لتنخرط في نفس الموقف.

وكانت الجزائر قد قررت استدعاء سفيرها في مدريد للتشاور، وذكر بيان لوزارة الخارجية بأن “الجزائر تفاجأت بشدة من التصريحات الأخيرة لنظيرتها الإسبانية، وأنها تلقت الانقلاب المفاجئ لإسبانيا في ملف الصحراء باستغراب شديد”.

وردا على ما أوردته إسبانيا، حول اطّلاع الجزائر على الموقف الإسباني المذكور قبل الكشف عنه، نفت الجزائر أن تكون قد أخذت علما مسبقا بذلك، وشددت على ما أسمته بـ”الطابع المفاجئ والغريب لموقف إسبانيا التي ظلت تلتزم الحياد”.

وعرفت الجزائر وإسبانيا تقاربا لافتا في الآونة الأخيرة، ترجمه تعاون ثنائي في مجالات عديدة، كان آخرها ضمانات بالتموين بكميات إضافية من الغاز تحسبا لانعكاسات الأزمة الأوكرانية على تدفق الغاز الروسي لدول أوروبا، كما استلمت الجزائر من مدريد مطلوبين لديها من المعارضين السياسيين، وعلى رأسهم الدركي المنشق محمد عبدالله، خلال شهر أغسطس الماضي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: