لا تقطعوا رأس العالم لأنه مصاب بالصداع

افتراضات خاطئة

علينا تثبيت بعض الحقائق، التي منها أن إحصاء حالات الإصابة يستحيل التحقق منه لا في الصين ولا إيطاليا ولا إيران ولا أيّ بلد في العالم، لأن عدد من حملوا الفايروس، دائما أكبر بكثير من الذين تم فحصهم بالفعل.

لذلك حين نقيس نسبة الوفيات إلى حالات الإصابة المسجلة ونقول إنها من 2 إلى 3.5 في المئة أو أكثر، فإنها في الواقع أقل بكثير من تلك النسب، لأننا لم نفحص جميع السكان.

أما حين نقول إن عدد الوفيات في إيطاليا مثلا بلغ 3500 مقابل تسجيل إصابات بنحو 42 ألفا، فإن النسبة تبدو مرعبة وتزيد على 8 في المئة، لكننا نغفل أن الفحوصات قليلة قياسا بعدد المصابين، الذين لم يظهر المرض عليهم.

ويؤكد ذلك العدد الضئيل للفحوصات حتى في الدول المتقدمة، ناهيك عن دول العالم الثالث. وحين تعلن دولة عن رصد مئة إصابة، فعلينا أن نتوقع وجود آلاف الإصابات.

ولو كانت الإصابات المسجلة دقيقة لأمكن احتواء الوباء بسهولة من خلال حجرهم.

إيقاف حالة الهلع

حالة الهلع والحجر لن تمنع الاختلاط

ينبغي أن نقول للجميع: إذا كنت تعتقد أنك من نسبة 2 في المئة أو حتى العشرة في المئة، الأضعف صحيا من سكان العالم، فينبغي عليك عدم الاختلاط بأحد حرصا على حياتك.

أما إذا لم تكن من تلك النسبة فينبغي أن تمارس حياتك بشكل طبيعي مع الحرص فقط على عدم الاقتراب من أيّ شخص ضعيف صحيا، وبذلك نقلل مخاطر انتشار الفايروس دون الحاجة إلى تدمير الاقتصاد وحياة جميع سكان العالم.

هناك حقيقة أخرى، هي أن جميع ضحايا فايروس كورونا المستجد في كل بلدان العالم، كانوا حتى الآن من الضعفاء جدا صحيا، والذين كانت حياتهم مهددة أصلا بأيّ عارض صحي أو أنفلونزا عادية.

تعطيل الحياة مثلما حدث في الصين وشمال إيطاليا والآن في فرنسا وعشرات الدول والمدن، لن يقدم حلاّ. بل العكس، لأن شلل الحياة سوف يدمر حياة عدد أكبر بكثير من عدد أولئك المهددين بالإصابة بفايروس كورونا.

لن تفعل إجراءات الحجر التعسفي الشامل شيئا، سوى تأجيل المعركة. وبعد تدمير الاقتصاد سوف تضطر الحكومات إلى رفع الحجز وإيقاف إجراءات الوقاية القمعية، وسوف يستأنف الفايروس انتشاره، وكأننا لم نفعل شيئا سوى إطلاق النار على قلب الاقتصاد العالمي.

على العالم أن يرضخ ويعترف أولا بحقيقة لا جدال فيها، وهي أن الفايروس سوف يصل حتما إلى كل بقاع العالم مهما كانت إجراءات تعطيل جميع مظاهر الحياة!

حتى من يسكن على جبل في منطقة نائية سوف يصله الوباء عاجلا أم آجلا، إلا إذا انقطع تماما عن العالم وتوقف عن شراء المستلزمات الحياتية من المتاجر.

ليس في ذلك أيّ قدر من التشاؤم، وهو رأي منظمة الصحة العالمية وكبار الخبراء. في المقابل هناك حل بسيط لمواجهة الوباء وتقليص الخسائر، لكنه للأسف ضائع بين أرجل المصابين بالهلع وخاصة مسؤولي الحكومات.

سيناريوهات مخيفة

ضرورة إيجاد حلول جريئة لتقليل الخسائر

الاقتصاد العالمي ومصادر دخل مليارات الأشخاص مهددة بالانهيار، الأمر الذي يطرح سيناريوهات مخيفة إذا لم نصل إلى الحلول الجريئة، التي تركز أولا وأخيرا على حماية سفينة العالم من الغرق.

لا أريد إثارة الهلع، لكن ينبغي أن نذكر أن أسوأ السيناريوهات يمكن أن يقود إلى انهيار ملايين الشركات وانتقال الأعباء المالية إلى شركات التأمين والمصارف، وسوف يؤدي ذلك إلى انهيار النظام المالي العالمي وشيوع الفوضى الشاملة.

لن تنفع الحلول الترقيعية والهروب إلى الأمام في هذه المواجهة، التي هناك إجماع على أنها حرب عالمية شاملة وغير مسبوقة مع عدوّ خفي، لا يمكن رصد سوى جزء ضئيل من تحركاته.

ينبغي أن نركز على الحقائق الأساسية، وهي أن الوباء لا يهدد حياة سوى أقل من 2 بالمئة من سكان العالم، وهي طبعا نسبة مرعبة، لأنها تعني أكثر من 140 مليون إنسان.

علينا أيضا أن ندرك سريعا بأن جميع سيناريوهات الحجر الشامل الحالية لن تنقذ تلك النسبة، بل ستقتلهم وتدمّر أيضا حياة بقية العالم.

في المقابل هناك سيناريو آخر يقلل المخاطر، التي تهدد كبار السن والذين يعانون من أمراض ونقص المناعة، دون تعطيل حياة جميع سكان الكوكب وقتل الاقتصاد العالمي.

الحل الوحيد المثير للجدل

ينبغي على الحكومات فرض عزل 20 في المئة من السكان الأضعف صحيا وترك البقية يمارسون حياتهم بشكل طبيعي لتقليل الخسائر

الحل الراديكالي والوحيد، لإنقاذ سفينة العالم من الغرق، هو اتخاذ القرار الصعب بعزل ما يصل إلى 20 في المئة من السكان، حتى لو تطلب ذلك فرضه بالقوة، لأنه يهدف لإنقاذ حياتهم وهو لن يتجاوز أسابيع قليلة.

لن يكون عليهم سوى الحذر التام وتجنب الاختلاط بالآخرين.

وينبغي في ذات الوقت ترك بقية سكان الدولة أو العالم بأسره، يواصلون الحياة بشكل طبيعي لأن نصفهم لن يشعروا بالإصابة والنصف الآخر ستكون إصابته مثل أيّ إصابة بالإنفلونزا وسوف يتعافى خلال فترة محدودة لا تتجاوز أسبوعين.

في هذه الحالة، إذا وقعت إصابات شديدة بالفايروس لأشخاص من كلا الفريقين، فإن المؤسسات الطبية ستكون قادرة على التعامل معها، وسوف تترك المصابين بأعراض طفيفة يواصلون حياتهم كالمعتاد.

ربما تتطلب المصلحة العامة أكثر من ذلك لتقصير عمر الوباء، وقد تصل إلى تشجيع الغالبية العظمى من الأطفال والشباب والأصحاء على الإصابة بالفايروس، لأنه أمر لا هروب منه، ولأنه سوف يعني ذلك حصولهم على مناعة وعدم نقلهم للفايروس.

كل العلماء شبه متأكدين أن من يصاب بالفايروس يكتسب مناعة، ويعتقدون أن الحديث عن الإصابة به مرتين، ربما يعود إلى أن الفايروس لم يختف نهائيا من الإصابة الأولى.

مناعة القطيع

العلاج المر

حين يكون مصير العالم مهددا، ينبغي تجرع العلاج المر.

حين يتم عزل ما يصل إلى 20 في المئة من السكان ويترك الآخرون للإصابة بالفايروس واكتساب المناعة ستنحسر قنوات انتشاره، وستتم بذلك حماية كبار السن والمرضى، حين تنتشر المناعة بين معظم السكان وهو ما يعرف بـ”مناعة القطيع”.

في هذا السيناريو سوف نتجنب إرهاق المؤسسات الصحية، التي ستكون قادرة على العناية بهم لحين التوصل إلى لقاح فعال وإنتاجه على نطاق واسع، لكن ذلك قد يستغرق ما يصل إلى سنة.

هذا السيناريو مثير للجدل طبعا، لكننا يجب أن ندرك عدم وجود حل آخر وأن ندرك أننا أمام معركة غير مسبوقة يمكن أن تدمر حياة كل سكان العالم، وهي تحتاج إلى قرارات حازمة لتقليل الخسائر.

انتشار الفايروس بين الأصحاء سوف يعني أن قنوات انتشار الفايروس ستنغلق خلال أسابيع. وسيجد الذين أصيبوا بالفايروس، من ذوي البنية الصحية المتينة، أنهم كانوا محظوظين بالإصابة به مبكرا.

متابعة الآراء العلمية تؤكد أن هذا هو الحل الوحيد، الذي ينقذ العالم من الفوضى الشاملة، التي يمكن أن تدمر حياة الجميع، لكن اتخاذ القرارات الحازمة يبدو صعبا بسبب الجدل الأخلاقي الذي تثيره لدى الرأي العام.

خسائر العالم تتضاعف، لكن الحكومات للأسف، قد لا تجد القدرة على فرض هذا الحل، إلا بعد فوات الأوان.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: