حرائق أستراليا تشرد البشر وتقضي على الحيوانات

دفع الوضع في أستراليا السلطات إلى حث السكان في مناطق واسعة في شمال شرقي فيكتوريا على مغادرة منازلهم، محذرة من خطر محاصرة حرائق الغابات لهم، والتي تسببت حتى الآن في خسائر بشرية وحيوانية فادحة.

حثت أستراليا نحو ربع مليون شخص على مغادرة منازلهم وجهزت دعما عسكريا، حيث قالت السلطات إن الساعات القليلة المقبلة ستكون “في غاية الصعوبة” على الرغم من هطول المطر على بعض المناطق.

وقال رئيس الوزراء سكوت موريسون للصحافيين إن أفراد الجيش متأهبون للتحرك إلى مناطق الحرائق إذا تدهورت الأمور بشدة حيث سبب ارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح وضعا خطيرا.

وأفاد دانييل آندروز، رئيس وزراء ولاية فيكتوريا في إفادة بثها التلفزيون، “حتى على الرغم من هطول أمطار على ملبورن ومع توقعات أفضل للطقس خلال الأسبوع المقبل لا يزال الطريق طويلا.. وبالطبع نعلم أن موسم الحرائق لا يزال مستمرا لعدة أسابيع”. وأضاف “الساعات القليلة المقبلة ستكون في غاية الصعوبة”.

وأرسلت السلطات رسائل طوارئ نصية إلى 240 ألف شخص في فيكتوريا تطالبهم بالمغادرة. كما حثت السكان في المناطق عالية الخطورة في ولايتي نيو ساوث ويلز وجنوب أستراليا على التفكير في المغادرة، لكن المسؤولين لم يذكروا عدد من وجهت لهم هذه المناشدة.

وأكد آندرو كريسب مفوض إدارة الطوارئ بالولاية لهيئة الإذاعة الأسترالية ”أطلقنا تنبيها بوجود حالة طوارئ، وبعثنا رسائل نصية إلى 240 ألف شخص عبر شرق الولاية بشكل أساسي.. إذا كان بالإمكان الخروج، اخرجوا وابتعدوا عن الأجزاء النائية التي تكسوها الغابات من ولايتنا”.

وتنقل العسكريون الخميس من منزل إلى آخر في بلدة بارندانا في جزيرة كانغارو بجنوب أستراليا لحض السكان على الرحيل هربا من الحرائق الهائلة، فيما ارتفعت الحرارة إلى 38 درجة. وكانت الشرطة قامت الأربعاء بإخلاء بلدة فيفون باي السياحية المجاورة المهددة بالنيران.

وقال المسؤول في جهاز الإطفاء في المنطقة، مارك جونز، إن “المخاطر في الظروف الراهنة تبقى كبيرة لرجال الإطفاء الذين يكافحون للسيطرة على الحرائق، ولكل من هو في المحيط”.

معدل انقراض الثدييات في أستراليا يعتبر الأعلى في العالم، وحاليا تتصاعد المخاوف من انقراض أصناف محلّية

وأكد مفوض أجهزة الإطفاء في ولاية فيكتوريا أندرو كريسب “نواجه وضعا خطيرا جدا وناشطا جدا خلال الساعة الـ12 والـ24 والـ36 القادمة”.

ودعا رئيس وزراء فيكتوريا دانيال أندروز السكان إلى أخذ استعداداتهم لمحنة طويلة، محذرا “لسنا سوى في بداية ما سيكون صيفا صعبا جدا جدا”.

وبالرغم من هدنة نسبية في نهاية الأسبوع مع انخفاض في درجات الحرارة وأمطار متفرقة، إلى جانب مشاركة أكبر قوة تطوعية بالعالم في عمليات مكافحة الحرائق، لا تزال حوالي 150 حريقا مشتعلة في فيكتوريا ونيو ساوث ويلز، الولايتان الأكثر تضررا والأكبر عدديا.

ومن بين 160 حريقا في نيو ساوث ويلز يوجد 46 حريقا خارج نطاق السيطرة بينما يستعر 36 حريقا في ولاية فيكتوريا المجاورة منها تسعة في مستوى حالات الطوارئ.

ولقي 27 شخصا حتفهم ونزح الآلاف بسبب الحرائق الهائلة المشتعلة في أكثر من 25.5 مليون فدان، وهي مساحة بحجم كوريا الجنوبية.

وشددت وزيرة الشرطة في فيكتوريا ليزا نيفيل “لا تخطئوا بشأن الأمطار التي هطلت… هذه النيران ستواصل التقدم والاتساع وتمثل خطرا كبيرا على السكان”.

وقال المسؤول في جهاز الإطفاء جون كالن “إن شرارة واحدة تكفي حتى تشتعل النيران، وهذا ما يقلقنا من أجل الغد”.

قدر الأستاذ في جامعة سيدني كريس ديكمان بعد دراسة أجراها، عدد الحيوانات التي نفقت بمليار بين ثدييات وطيور وزواحف، باستثناء الحشرات واللافقريات.

وكشف في بيان صدر الإثنين أن “الدمار الجاري، وهو دمار سريع جدا في مساحة شاسعة جدا، لا يقارن بأي دمار آخر. إنه حدث فظيع على صعيد المساحة وكذلك عدد الحيوانات التي يطاولها”، مشيرا إلى عامل الاحتباس الحراري خلف الحرائق.

وتابع “إننا نشهد على الأرجح في أستراليا ما ستكون نتيجة الاحتباس الحراري في مناطق أخرى من العالم”.

الانقراض بالمرصاد للمخلوقات الضعيفة

وكانت 2019 السنة الأكثر حرارة وجفافا على الإطلاق. وكان 18 ديسمبر اليوم الأعلى حرارة الذي شهدته أستراليا حتى الآن مع وصول المتوسط الوطني لدرجات الحرارة القصوى إلى 41.9 درجة مئوية.

ويعتبر “فرصة” وهو الاسم الذي أطلقته المتطوّعة سارة برايس على حيوان كنغر صغير عثرت عليه مرعوبا في جيب والدته النافقة والمحاطة بالحرائق المستعرة في غابات أستراليا، محظوظا لنجاته من الموت.

ونجت الأم وصغيرها من الحرائق التي اجتاحت غالبية مناطق جنوب شرق آسيا، لكن سرعان ما أصيبت أعضاؤها بضعف شديد نتيجة الإرهاق ما أدى إلى وفاتها إسوة بأكثر من مليار حيوان حتى الآن، بسبب الحرائق.

وتقول برايس التي تعمل مع مجموعة “وايرز” لإنقاذ الحياة البرّية “لم نتلقَ العدد المعتاد من الحيوانات التي تحتاج إلى رعاية، إذ من المتوقّع أن أعدادا كبيرة قضت في الحرائق”.

وتنتشر في أنحاء العالم صور لا تعد ولا تحصى لحيوانات الكوالا الشهيرة بفروها نافقة إلى جانب جيف حيوانات الكنغر المحروقة، وقد باتت ترمز إلى تداعي حيوات وبيئة بكاملها تحت وطأة أزمة يغذيها التغيّر المناخي.

ومن المتوقع أن تواجه مجموعات أخرى من الحيوانات، مثل الضفادع والحشرات والزواحف واللافقريات، مصيرا مماثلا، فيما يحذّر خبراء من أن الحيوانات التي نجت، تواجه الخطر نفسه أيضا وتكافح للبقاء على قيد الحياة.

وأوضح ماثيو كروثير، من جامعة سيدني، “تنفق العديد من الحيوانات بعد اندلاع الحرائق لأنها تعاني من نقص في الطعام ولا تستطيع العثور على مأوى أو ربما تفترسها حيوانات أخرى”.

وفي ولاية فيكتوريا حيث لا يزال موسم الحرائق في مراحله الأولى، يقول البيطريون إنهم عثروا على العديد من حيوانات الكوالا والطيور وحيوانات الكنغر مصابة بحروق وتعاني من مشكلات تنفسية.

وأكدت ناطقة باسم حديقة فيكتوريا للحيوانات أن “الكثير من الحيوانات في حاجة إلى المساعدة البشرية لتتعافى، فيما يمكن إنقاذ البعض الآخر عبر إعادتها إلى ما تبقى من موائلها الأصلية، وهي تخضع حاليا للرعاية”.

لا مأوى بعد هذه الكارثة إلا الشارع

ويعتبر معدل انقراض الثدييات في أستراليا من الأعلى في العالم، وحاليا تتصاعد المخاوف من أن تؤدي حرائق هذا العام إلى انقراض العديد من الأصناف المحلّية.

وأشارت برايس إلى أن “حيوانات الكنغر ستحاول تجميع نفسها والعودة إلى موائلها، لكن عند عودتها، من الواضح أنها لن تجد العشب الأخضر وأوراق الشجر، بل ستجد الشجيرات مختفية والأشجار محترقة”.

فقد دمّر ثلث جزيرة كانغارو، وهي ملاذ للحياة البرية قبالة ولاية ساوث أستراليا، وهناك مخاوف من انقراض بعض أنواع الحيوانات التي لا تعيش إلا في هذه المنطقة.

ولفت جون واينارسكي من مركز استعادة الأنواع المهدّدة بالانقراض لمحطة “إيه.بي.سي” المحلية “لم يعد هناك العديد من الموائل للكثير من الأنواع وهو ما يؤدي إلى انقراض أنواع محلية”، واصفا الحرائق بـ”الهولوكوست التي دمّرت الحياة البرّية”.

وتبرز حاليا مخاوف من موت ما لا يقل عن نصف أعداد الكوالا الموجودة في جزيرة كانغرو والتي تعدّ “الضمانة الرئيسية” لمستقبل بقاء هذه الأنواع.

وتعدّ الجرابيات في الجزيرة أيضا من ضمن عشرة أنواع من الثدييات المهدّدة بالانقراض والتي لديها الأولوية ضمن الاستراتيجية الوطنية الحكومية لحماية الحيوانات المهدّدة.

واعتبر الأستاذ في جامعة سيدني كريس ديكمان أن التقديرات التي تشير إلى نفوق أكثر من مليار حيوان هي “محافظة جدا”، مضيفا “تقدّم أستراليا نموذجا لما يمكن أن يكون عليه التغيّر المناخي في مراحله الأولية في أجزاء أخرى من العالم”.

وقال كروثر “عندما تخمد الحرائق، قد يصبح عدد بعض أنواع الحيوانات قليلا للغاية، ما قد يدفع إلى وضعها في الأسر في محاولة لإنقاذ حياتها”.

وفي النهاية، ستحتاج بعض أجزاء الغابات والأدغال الأسترالية إلى عقود لتعود إلى ما كانت عليه، ويشير الخبراء إلى الحاجة لاستثمارات أساسية لإعادة بناء موائل الحيوانات بهدف إعطاء حيوانات مثل “فرصة”، فرصة أخرى للبقاء على قيد الحياة.

وفي بعض المناطق المنكوبة، باشر بعض السكان عملية إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار التي قد تستغرق سنوات.

وأعلنت سلطات نيو ساوث ويلز تخصيص 1.2 مليار دولار أسترالي (740 مليون يورو) لإصلاح البنى التحتية في المناطق المنكوبة. ويضاف هذا المبلغ إلى ملياري دولار أسترالي وعدت الحكومة الفيدرالية بتقديمها لمساعدة القرى المتضررة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: