الغاز الطبيعي قنبلة موقوتة في البحر المتوسط

تشير كل التطورات، بدءا بالاتفاق الذي وقع بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبية فايز السراج، وصولا إلى الاتفاق الثلاثي الذي سيعقد بين قبرص واليونان وإسرائيل والذي ينص على إيصال الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا، إلى أن البحر المتوسط بات مجالا خصبا لاندلاع صراعات وحروب ستكون عنوانا للمرحلة القادمة.

عندما اكتشفت أولى احتياطات الغاز الطبيعي شرق البحر المتوسط، قبالة إسرائيل وقبرص ومصر قبل بضع سنوات، كان هناك أمل وتحذير في الوقت ذاته، حيث رأى المحللون المتفائلون إزاء هذا الكشف أن الرخاء المزعوم يمكن أن يحقق السلام في المنطقة.

أما التحذير فيتمثل في أنه من الممكن أن تكون احتياطات النفط والغاز الطبيعي سببا إضافيا للمزيد من الخلافات والأزمات.

ولكن يبدو أن الرؤية المتشائمة هي التي تتحقق في الوقت الحالي، “حيث لا توجد حالة واحدة ساعدت فيها الطاقة على تحسين العلاقات (بين الدول) بدلا من توتير هذه العلاقات”، حسب رأي هاري تسيميتراس من معهد أوسلو لأبحاث السلام “Prio”.

وأصبح الغاز الطبيعي الذي سيظل وفقا للخبراء، مصدرا للطاقة على مدى 20 أو 30 سنة مقبلة، مادة سياسية، حاله حال النفط، “فالمنطق الذي يدعمهما هو نفسه تماما”، حسب تسيميتراس.

لكن خبراء آخرين لا يرون في الغاز مادة متفجرة سياسيا، بل يعتبرونه فرصة لدعم العلاقات الدبلوماسية؛ إذ يعتبر أوديد اِران، من معهد الدراسات القومية الأمنية في تل أبيب، أن “موضوع الغاز مهم جدا جدا بالنسبة إلى التعاون الإقليمي”، موضحا أن حقل غاز صغيرا للفلسطينيين قبالة سواحل غزة يعتبر “منطلقا صغيرا لتعاون بيننا وبين الأردنيين والفلسطينيين”.

مع بدء الإنتاج في حقل ليفياثان الإسرائيلي، تدخل الدول المطلة على الحقل مرحلة جديدة بالنسبة إلى الغاز، حيث بدأ إنتاج الغاز في ديسمبر، وذلك بعد قرابة عقد من اكتشاف أكبر حقل إسرائيلي للغاز الطبيعي.

وأعلن وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس أن إسرائيل بدأت تصدير الغاز الطبيعي للأردن، وفقا لما نقلته صحيفة “يديعوت أحرونوت” على موقعها الإلكتروني.

ومن المقرر أن يتدفق هذا الغاز إلى مصر أيضا في المدى القريب.

وهناك على بعد نحو 130 كيلومترا غرب ميناء حيفا الإسرائيلي احتياطات غاز تقدر بنحو 605 مليارات متر مكعب، تقع على عمق نحو 1700 متر في قاع البحر. وتم تمويل أكبر مشروع طاقة في تاريخ إسرائيل بأموال خاصة.

لكن يبدو أن الأمر لا يسير بلا مشاكل، حيث أن هناك داخل الأردن مقاومة شديدة من قبل “العناصر المناهضة لإسرائيل في البرلمان، وفي الشارع”، حسب توضيح اران، مضيفا أن الشعب يمارس ضغطا قويا على ملك الأردن لإنهاء التعاون مع إسرائيل. كما تظل المساعي الإسرائيلية لضم الضفة الغربية، بما فيها وادي الأردن، مصدر إشكال.

وتمتلك إسرائيل المزيد من حقول الغاز الطبيعي، حيث بدأ إنتاج الغاز من حقل تمار عام 2013. ويسعى هذا البلد الصغير الذي له أعداء كثر في المنطقة، لتأمين استقلاله في مجال الطاقة. كما يراد لهذا الحقل أيضا أن يمكّن إسرائيل من التخلي عن الفحم في توليد الطاقة، وأن يجعل إسرائيل مصدرا للطاقة. وتأمل الدولة العبرية من وراء ذلك أيضا في تحسين علاقاتها مع جيرانها.

وتعتزم إسرائيل نقل غازها إلى أوروبا عبر خط أنابيب هائل، اعتبارا من عام 2025.

كما تحلم مصر هي الأخرى بالتصدير، وتريد أن تصبح محطة لنقل الغاز في المنطقة، حيث تعتبر بفضل بنيتها التحتية “حجر زاوية في تجارة الغاز”، وفقا لما تراه زيمونه تاجليابيترا، من مركز أبحاث بروجل، في بروكسل.

انضمت مصر بالفعل إلى منتدى غاز البحر المتوسط الذي يضم أيضا إسرائيل وممثلين عن المناطق الفلسطينية والأردن وإيطاليا واليونان وقبرص.

تعتبر أنقرة نفسها مظلومة، وأصبحت نبرتها معاندة وتصل إلى مستوى النبرة المريرة. ويؤكد الجانب التركي أنه ألح دون جدوى على ضرورة التزام العدالة في توزيع احتياطات الطاقة.

التصعيد التركي يؤجج الصراع 

لكن تركيا خرجت حتى الآن صفر اليدين من ثروات الطاقة التي تم اكتشافها في البحر المتوسط، ولكنها تصر كدولة مطلة على البحر بسواحل طويلة على أن يكون لها نصيب.

إضافة إلى ذلك فإن تركيا متعطشة إلى الطاقة بشكل مزمن، ولكنها تضطر حتى الآن إلى استيراد كل الاحتياجات تقريبا، حسب توضيح الخبير التركي في شؤون الطاقة، نجدت بامير، مضيفا أن تركيا تستورد نحو 99 بالمئة من حاجتها إلى الغاز و94 بالمئة من حاجتها إلى النفط.

وقد فرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حقائق على الأرض بالفعل حول قبرص، حيث تبحث سفن تركية هناك منذ أشهر عن غاز طبيعي دون الحصول على موافقة قبرص، العضو في الاتحاد الأوروبي.

وتؤكد تركيا على ضرورة أن ترافق سفن تابعة لسلاح البحرية التركية السفن التركية التي تقوم بالتنقيب، وذلك على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان قد فرض عقوبات على تركيا لهذا السبب بالفعل في يوليو الماضي.

وهناك عقوبات أخرى يخطط لها الاتحاد الأوروبي ضد تركيا للسبب ذاته مثل تجميد ممتلكات مسؤولين أتراك أو منعهم من دخول دول الاتحاد. في هذه الأثناء تمخض بحث تركيا عن حلفاء، عن توقيع اتفاقية مع الحكومة الليبية في طرابلس، تم في إطارها أيضا ترسيم حدود الجرف القاري بين البلدين، وهو ما تسبب في حالة استنفار في أثينا منذ ذلك الحين، حيث ترى اليونان أن هذه الاتفاقية المثيرة لجدل هائل، تنتهك القانون البحري الدولي.

ومن غير المستبعد أن يؤدي النزاع جنوب جزيرة كريت اليونانية إلى ردود فعل لا يمكن توقعها من جانب السفن الحربية التابعة لسلاح البحرية اليونانية، والذي يعتبر من أقوى الأسلحة في البحر المتوسط. وتراقب روسيا التي تحكم قبضتها على أسواق الغاز الأوروبية، كل هذه الأحداث بهدوء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: