احترس..نحن “المجانين”

أعترف أني من مرضى العزلة والانزواء… ليس ترفعا أو حبا في العيش ببرج عاجي، ولكن لأن كثيرا مما حولي يدفعني لذلك مللا أو سأما، أو ربما عملا بمقولة عمنا “جُحا” الشهيرة عندما سئل يوما عن إمكانية أن يحصي عدد المجانين في قريته، فابتسم ساخرا وأجاب: هذا أمرٌ يطول… ولكني أستطيع بسهولة أن أعدّ لكم العقلاء!

ما بال جحا، لو بُعث اليوم حيا في منطقتنا شرق الأوسطية، وعاين أوضاعها؟

بالتأكيد فإن ما يحدث في غزة، أو العراق وسوريا وليبيا واليمن، بل حتى تركيا وإيران، كفيل بالتأكيد أن لا عاقل واحدا موجود وراء ما يجري. وكأن المنطقة كلها تحولت إلى “سراية مجانين” مفتوحة في الهواء الطلق، تقفز فيها “القرود” ولا يحتاج التنقل بها أو بممارساتها إلى جواز سفر أو تأشيرة مرور.

ولأنني، بحكم الوظيفة، من النوع الأول، لم أستغرب حينما كان رئيس تحريري الأسبق يصف زميلا بأنه ”مجنون صحافة”، ومع ذلك فقد ظلّ طويلا على قناعة أنه أعقل العقلاء، غير أن ما قرأته مؤخرا عن دراسة أميركية نشر موقع صحيفة “هافنغتون بوست” البريطانية لائحتها عن أهمّ الوظائف التي يختارها المضطربون عقليا، تصدّر قائمتها الإعلاميون والصحافيون، أعادني ليس لمجرد مربّع الاضطراب العقلي فقط، ولكن لتوصيف هذا الاضطراب من حيث أن صاحبه شخص يتميّز بأنّه لا يخاف، لا يضعف تحت الضغط، غير متعاطف، قاس، أناني، غير مسؤول، مندفع وقلّما يشعر بالذنب، ويتميّز سلوكه الاجتماعي بالعدائية، التطفل والإجرام.. فأسقط في يدي.

وسارعت للاستنجاد بصديقي اللدود، أستشيره في مكان هادئ أبتعد فيه عن هذه التهم، فنصحني بـ”سراية المجانين” وسيوصي عليّ مديرها وكان اسمه، يا للمصادفة، الدكتور عقل!

هرشت في عرق “الخيابة” وتذكرت زميلا صحافيا عربيا، هو الآن مقدم لبرنامج تلفزيوني شهير ومثير للجدل في بلده، كثيرا ما كان يشاع بيننا في الوسط الصحافي وفي المنطقة، أنه متلون، انتهازي، يلعب على كل الحبال، وحدث أن صحيفة أشارت في أحد “دبابيسها” إليه، مضيفة أنه خبيث أيضا، وحين قرأت “الدبوس” سارعت بعرضه عليه متهكما، فأخذ يردد الصفات: متلون.. نعم، انتهازي.. صحيح، يلعب على كل الحبال.. لا أنكر، لكن خبيث هذه.. لست أنا. ثم رمى الصحيفة وجرى، سألته إلى أين؟ قال: هذا أمر لا ينبغي السكوت عليه.. هناك متلوّن آخر في المنطقة وفي الوسط ينافسني ولن أسمح له بأن يقطع “عيشي”!

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: