أكاذيب مفيدة للسياسيين مربحة للصحافيين

قد يعزى جزء من التحولات الواسعة في المشهد السياسي العالمي إلى الأكاذيب المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي شكلت حقبة يصفها الخبراء بـأنها “عصر ما بعد الحقيقة“ ولكن ماذا لو لم تكن الأخبار المزيفة هي المشكلة الحقيقية؟.

يتوقع الخبراء تصاعد النقاش الدائر حول الأخبار المزيفة مرة أخرى، مع الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في السنة الحالية وأن يصبح الأمر موضوع الحوارات التي تجادل في كيفية انتشار النفوذ السياسي عبر الإنترنت.

وأصدر رئيس المحكمة العليا  الأميركية جون روبرتس، الذي سيكون شخصية محورية في مساعي عزل دونالد ترامب بترؤسه محاكمة الرئيس في مجلس الشيوخ تحذيرا الثلاثاء من أخطار المعلومات المضللة في عصر الإنترنت.

وكتب روبرتس في رسالة عشية رأس السنة الميلادية ”في عصرنا، عندما تستطيع وسائل التواصل الاجتماعي نشر الإشاعات والمعلومات الخاطئة على نطاق واسع وعلى الفور، تصبح حاجة الجمهور لفهم حكومتنا والحماية التي توفرها أكثر أهمية”.

ولم يؤكّد روبرتس أن في رسالته إشارة إلى ترامب الذي ينتقده معارضوه لتكراره معلومات مضللة من مصادر يديرها مروجو نظريات المؤامرة والعنصريون.

وفي الأسابيع المقبلة سيصبح روبرتس ثالث رئيس قضاة  يرأس محاكمة رئيس أميركي في منصبه، إذ يتناول مجلس الشيوخ المساءلة التي أقرها مجلس النواب ضد ترامب الشهر الماضي.

وقبل أكثر من سنة، أصدر روبرتس بيانا علنيا اعتبر سابقة ، انتقد فيه ترامب الذي زعم تحيز العديد من القضاة الفيدراليين. واعتبر في بيانه إن المحكمة لا تجمع “قضاة أوباما أو قضاة ترامب أو قضاة بوش أو كلينتون”، بل تشمل “مجموعة استثنائية من القضاة المتفانين الذين يبذلون قصارى جهدهم لتحقيق العدل بين الذين يمثلون أمامهم. يجب أن نكون شاكرين لهذا القضاء المستقل”.

ورد ترامب الغاضب من أوامر المحكمة التي منعت العديد من سياسات الهجرة التي أراد فرضها في نوفمبر الماضي ، وكتب على تويتر “عذرا أيها المستشار جون روبرتس، لكن  لديكم بالفعل ‘قضاة أوباما’، ويحملون وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر المكلفين  أمن بلدنا. يرجى منكم درس الأرقام فهي مفزعة. نحن بحاجة إلى الحماية والأمن. وتجعل هذه القرارات بلادنا مكانا غير آمن! هذا الأمريعدّ خطيرا جدا وغير حكيم”! واستهدف رد ترامب القاضي جون تيجار الذي عرقل أمرا أصدره الرئيس بعدم منح اللجوء للمهاجرين الذين يدخلون الولايات المتحدة  من المكسيك بطريقة غير مشروعة. وكان أوباما عين تيجار.

ومع الاستعداد للانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة أواخر السنة، يتوقع خبراء اتساع النقاش حول الأخبار المزيفة مرة أخرى.

وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت أنها بصدد إطلاق مشروع لمحاربة الأخبار الكاذبة وحملات التشويه على شبكة الإنترنت.

والمشروع يهدف إلى “صد هجمات التضليل المعلوماتي واسعة النطاق”.

واعتبرت الوزارة أن “الأخبار ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي الكاذبة” تهدد أمن الولايات المتحدة.

وأوضحت أن وكالة مشاريع البحوث المتقدمة، التابعة لوزارة الدفاع ترغب في إعداد برمجيات يمكنها أن تكشف الأخبار الكاذبة وكذلك مقاطع الفيديو والصوت والصور المزيفة على شبكة الإنترنت.

وقالت إنه إذا نجح هذا النظام بعد أربع سنوات من التجارب، فقد تتوسع للكشف عن “المحتوى الخبيث” ومنع الأخبار الكاذبة من استقطاب المجتمع.

ولكن، ماذا لو لم تكن الأخبار المزيفة المشكلة الجدية؟

“عواصف المعلومات” كتاب يرى أن الأمور المتصلة بالعالم الرقمي هي نتاج لعمليات اتخاذ قرار جاءت على نحو عقلاني من الأطراف المعنية بها

يسهل أن نعزي التحولات الأوسع في المشهد السياسي إلى الأكاذيب المنتشرة عبر الإنترنت. وهذا يساعد في فهم الحركات الأكثر استقطابا والتي تكتسب زخما واسعا على  رغم الأدلة التي تنفي العديد من ادعاءاتها الرئيسية.

ووجد العديد من البحوث  أن الأخبار المضللة لا تثير مثل هذا التحيز، بل هو عامل متأصل تدعمه القدرة على العثور على آخرين يجتمعون في دعمهم  للرأي  ذاته عبر الإنترنت. وينتشر بعض الادعاءات الكاذبة عبر الجماعات السياسية المتطرفة ، بطريقة تضمن أنها لن تنتهك أي سياسة تعتمدها وسائل التواصل الاجتماعي. ولأنها تؤدي إلى مثل هذه الاستجابة العاطفية، تنتشر هذه البيانات بسرعة وتحشد دعم عناصر معينة من الطيف السياسي. وأظهر العديد من البحوث دور إثارة المشاعر القوية مثل الفرح أو الخوف في تحقيق انتشار أوسع عبر الإنترنت.

وأطلق الباحثان الدنماركيان فينسنت هندريكس وبيلي هينسِن على هذه العمليات الفكرية المحمومة والمضطربة اسم “عاصفة المعلومات”،  نظرا إلى  الطابع المفاجئ والعاصف الذي يتسم به تدفق المعلومات الاجتماعية.

وعارض الباحثان اعتقادا مفاده أن وجود الأخبار الزائفة على شبكة الإنترنت يعود إلى حماقة البشر وتصرفهم على نحو غير منطقي، وطرحا من خلال الدراسات التي أعداها تصورا بديلا مثيرا للاهتمام . فبدلا من أن يقررا بيأس مثلا، أننا نحيا في حقبة قد نصفها بـأنها “عصر ما بعد الحقيقة الذي تحكمه قوى غير عقلانية”، ذهبا إلى القول في كتابهما الذي يحمل اسم “عواصف المعلومات”، إن كثيرا من المواقع أو الأمور المتصلة بالعالم الرقمي، من تلك الأكثر إثارة للانقسامات والنزاعات، هي نتاج لعمليات اتخاذ قرار جاءت على نحو عقلاني تماما من جانب الأطراف المعنية بها، وأن هذه المسائل لم تنشأ بسبب الحماقة البشرية، بمقدار ما نبعت من طبيعة البيئات التي وُلِدّت فيها هذه المعلومات.

ووفقا لبحث آخر أعدّته جامعة السوربون الفرنسية عام 2016 “تميزت مقالات صحيفة نيويورك تايمز التي تلقت معظم التعليقات عام 2015 بتطرقها إلى مواضيع مشحونة عاطفيا، وغالبا ما تكون مثيرة للجدل”.

الأخبار المزيفة ليست المشكلة الجدية التي تعاني منها وسائل التواصل الاجتماعي

وبمرور الوقت، أدركت الوسائل الإخبارية أن بث الانقسام مفيد للأرباح،  ما جعل العالم يشهد زيادة في تحيز الصحافيين وفي نسبة الأخبار التي تتناول قضايا معينة من جانب واحد.

ويتماشى مثل هذه النتائج مع إعلان المدير التنفيذي لفيسبوك مارك زوكربيرغ، تأثير الأخبار المزيفة المنشورة على الموقع الذي أسسه، في التصويت الرئاسي عام  2016 والذي أدى إلى فوز دونالد ترامب .

ووجدت دراسة أكاديمية أخرى أن بيانات تصفح الويب التي جمِعت خلال الانتخابات تشير إلى تلقي المواطن الأميركي بعض المعلومات الخاطئة على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء الحملة.

ورجحت بحوث أعدتها جامعة ميشيغان وجامعة فيينا، أن تكون علاقات مستخدم فيسبوك هي التي تقود وجهات نظره السياسية، إذ لا يتابع معظم الناس النقاد السياسيين أو المؤسسات الإخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي مباشرة.  مع ذلك، تتلقى غالبية المستخدمين  هذه البيانات على المنصات التي ينشطون فيها. وأشار زوكربيرغ إلى أن الناخبين يتخذون قرارات بناء على تجربتهم الحية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: