الإضرابات لا تثني ماكرون عن المضي في تنفيذ إصلاحات نظام التقاعد

يبدو أن النقابات الفرنسية تحاول حشر الرئيس إيمانويل ماكرون في زاوية لا مفر منها بعد أن بدأت ملامح رفضها لما قدمه من مقترحات خلال كلمته بمناسبة نهاية العام 2019 والذي خصصه للحديث عن ضرورة الابتعاد عن المواجهة والدعوة إلى التفاوض بالتوازي مع اقتراب دخول الإضرابات التي تنفذها النقابات العمالية شهرها الأول.

دخل الإضراب ضد الإصلاحات المثيرة للجدل لنظام التقاعد في فرنسا يومه الـ29 الخميس، دون أن يلوح في الأفق احتمال التوصل إلى “تسوية سريعة” أمل الرئيس إيمانويل ماكرون بتحقيقها في خطابه لرأس السنة.

وتؤكد النقابات المشاركة في الإضراب والمعترضة على الإصلاحات أن كلمة ماكرون التي أدلى بها مساء الثلاثاء بمناسبة نهاية العام “لم تقدم أي جديد”.

ودعا ماكرون في كلمته من القصر الرئاسي إلى “التهدئة” بدل “المواجهة”، لكن دون التراجع عن عزمه “إتمام” تطبيق إصلاحات التقاعد، لأنها بالنسبة له “مشروع عدالة وتطور اجتماعي”.

ودافع ماكرون ليلة رأس السنة عن إصلاحاته المثيرة للجدل لنظام التقاعد، مؤكدا أنها “ستتم في وقتها” وداعيا الحكومة إلى أن “تجد تسوية سريعة” مع النقابات.

ونظام التقاعد موضوع شديد الحساسية في فرنسا، حيث لا يزال السكان متعلقون بنظام تقاعد قائم على التوزيع، يعتبر من أكثر الأنظمة التي تؤمن حماية للعاملين في العالم.

ويقوم نظام التقاعد الجديد الذي تريده الحكومة على دمج 42 نظاما منفصلا قائما حالياً، وتضمّ أنظمة خاصة تسمح خصوصا لسائقي القطارات بالتقاعد مبكرا. وتترجم المعارضة لـ”النظام الشامل” للتقاعد، بإضراب يشل القطارات ووسائل النقل الباريسية بشكل رئيسي تسبب بحالة اضطراب في الحركة الثلاثاء وتواصل الأربعاء.

وباتت مدة هذا الإضراب أطول من الذي شهدته البلاد عام 1995 ضد مشروع إصلاح نظام تقاعد الموظفين العموميين، والذي تخلت عنه الحكومة في نهاية المطاف. وأعلن إيمانويل ماكرون مساء الثلاثاء في كلمة لمدة 18 دقيقة “أنتظر أن تجد حكومة إدوار فيليب سبيلاً لتسوية سريعة مع الاتحادات النقابية واتحادات أصحاب العمل، التي تريد الحوار”.

فيليب مارتينيز: ماكرون يعيش في فقاعته ويعتقد أن كل شيء يسير على ما يرام

وشهدت القطاعات السياحية والتجارية، التي تعتمد خصوصاً على فترة الأعياد انخفاضاً في أرقام أعمالها، خصوصاً في المنطقة الباريسية.

وقال الرئيس الفرنسي “أدرك جيداً كم أن القرارات المتخذة يمكن أن تسبب تضاربا وتثير مخاوف واعتراضات”. وأضاف ماكرون “هل يجب مع ذلك التراجع عن تغيير بلدنا وحياتنا اليومية؟ كلا. لأن ذلك يعني التخلي عما تخلى عنه النظام أصلاً، ذلك يعني خيانة لأولادنا، ولأولادهم من بعدهم، الذين سيضطرون حينها إلى دفع ثمن ترددنا. ولذلك فإن إصلاحات التقاعد سوف تتم بوقتها”.

وتسود حالة من الترقب لما ستتخذه النقابات من خطوات جديدة لتكريس ضغوطها على حكومة ماكرون وإرغامها على التخلي عن هذه الإصلاحات.

ولكن الأمين العام للاتحاد العام للعمل فيليب مارتينيز لم يرَ في كلمة ماكرون “أي جديد”.

وندد ماتينيز لقناة “بي.أف.أم.تي.في” الأربعاء بخطاب “سمعناه ألف مرة” و”بالرئيس ماكرون الذي يعيش في فقاعته الخاصة ويعتقد أن كل شيء يسير على ما يرام في البلاد”.

ورأى من جهته إيف فيرييه أمين عام نقابة القوة العاملة، ثالث أكبر نقابة في البلاد، أن الرئيس “لم يفلح” في أن يكون مقنعاً على مدى “عامين ونصف العام”.

ولم يعلق الاتحاد الديمقراطي الفرنسي للعمل، أكبر نقابة في البلاد، على خطاب ماكرون. ولا يعارض الاتحاد بالجوهر مشروع التقاعد الذي يريده ماكرون، إلا أن أمينه العام لوران بيرجيه يعتبر أن تحديد سن “محوري” للتقاعد “خط أحمر”. ولم يتحدث الرئيس ماكرون عن هذه النقطة في خطاب الثلاثاء.

وكان خطاب ماكرون الذي لم يتحدث كثيرا عن هذا الإصلاح منذ بداية الأزمة، مرتقباً بشدة، في ظل سياق اجتماعي متوتر منذ انطلاقة حراك “السترات الصفراء”، الذي تخلله أيضا حالة استياء متزايدة لدى العاملين في المستشفيات والطلاب والشرطة والمزارعين. وشكّلت قضية “تطوير” البلاد أبرز نقاط عهد ماكرون، لذلك فهو غير مستعد للتنازل بسهولة في هذا النزاع.

وفي خطابه، طلب من الحكومة أن تجد “تسوية سريعة” حول الإصلاحات مع النقابات “التي تريد ذلك”.

ومن المنتظر أن تستأنف المشاورات بين رئيس الوزراء إدوار فيليب والنقابات في 7 من يناير الجاري.

وأحدثت هذه الإصلاحات انقسامات كبيرة حيث يطالب البعض حتى داخل الغالبية الرئاسية بإعادة النظر في نقطة سن التقاعد. وطالب 15 نائبا من الجناح اليساري في حزب الجمهورية إلى الأمام بـ”بديل لتحديد سن التقاعد”، الذي يعتبر “غير عادل اجتماعياً”، وذلك من أجل الأخذ بعين الاعتبار “كافة الأوضاع الخاصة”.

ومنذ تقديم المشروع الصيف الماضي، تتزايد التساؤلات حول فحوى الإصلاحات، والأثر الذي ستخلفه على كل عامل، خصوصا في ظل عدم معرفة طريقة تحديد قيمة النقاط التي يقوم عليها النظام المستقبلي.

وارتفعت النبرة في الأيام الأخيرة، خصوصا بعد تبادل حاد للاتهامات خلال عطلة نهاية الأسبوع بين الحكومة والاتحاد العام للعمل النافذ.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: