هل يجوز الإنجاب من زوج ميّت

الإنجاب من الزوج المتوفي يؤدي إلى نزاعات بين الزوجة وأهل زوجها بسبب الميراث والنسب، خاصة وأن العلاقة الزوجية تنتهي بالوفاة.

تشهد عمليات التخصيب وعلاج تأخر الإنجاب عند الزوجين تطوّرا ملحوظا، وتجاوزت التقنيات الطبية الحديثة الكثير من العوائق وأصبح هناك بنوك تحتفظ بالحيوانات المنوية للرجل، ويمكن في مرحلة لاحقة تخصيب بويضة الزوجة بعد وفاة الزوج، ليتحقق لها الحمل، وفي حين تلقى هذه الطريقة ترحيبا في الكثير من الدول تواجه جدلا واسعا في الدول العربية.

 قد يُتوفى الزوج ويصبح إنجاب الزوجة منه أمرا مستحيلا، لكن بتقنية بسيطة أصبح الإنجاب من الزوج الميت ممكنا عن طريق حفظ الحيوانات المنوية للزوج في حياته، وتجميدها بطريقه معينة في معامل ومراكز التلقيح الاصطناعي وحفظ الأجنّة لاستخدامها في أي وقت ولمدة أعوام قد تزيد عن الخمس سنوات.

وبيّن الدكتور فتحي عبدالكريم استشاري التلقيح الاصطناعي والحقن المجهري بالقصر العيني، أنه من المشاكل التي تواجهها عمليات التلقيح الاصطناعي في حالة وفاة الزوج أو في حالة وجوده، أن قبول عملية التلقيح من زوج متوفى في المجتمعات الشرقية والإسلامية خاصة تواجه رفضا كبيرا من رجال الدين وذلك خوفا من اختلاط الأنساب.

وأوضح عبدالكريم أن الأمر يحتاج إلى أناس أصحاب ضمائر حيّة، لا يخضعون لأهوائهم وأطماعهم الشخصية في تحقيق المكاسب المالية على حساب تطبيق الشرع والحفاظ على الأنساب، وهذه المخاوف هي التي تدفع رجال الدين إلى رفض تطبيق عمليات الإخصاب من الموتى.

وأكد أن هذه المسألة مردود عليها، لأنه توجد حاليا أجهزة علمية متقدمة للغاية يمكن من خلالها التعرف على بصمة الحامض النووي، ويمكن تحديد مصدر السائل المنوي وما إذا كان للزوج أم لا، وذلك في حالة الشك في نسب الجنين.

وأضاف أنه على سبيل المثال يمكن من خلال الطب الشرعي في الخارج، تحديد شخصية مرتكبي جريمة الاغتصاب، عن طريق تحليل بصمة السائل المنوي الذي يتم الحصول عليه من على جسم الفتاة الضحية، أو من على ملابسها وبهذه الطريقة يمكن تحديد مرتكبي الجريمة من بين عدة أشخاص، ومن خلال هذه الطريقة يمكن مراقبة عمليات التلقيح الاصطناعي حتى لا تختلط الأنساب.

ومن جانبه أفاد الدكتور حسين رمزي  أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية والعقم بالقصر العيني، أن هناك بعض الحالات المرضية التي يصاب فيها المريض بمرض خطير مثل السرطان، والذي يحتاج إلى العلاج بالأشعة والكيمياويات، وهذه العلاجات تؤثر على الخصوبة، ففي مثل هذه الحالات يجوز للمريض أن يطلب الاحتفاظ بعيّنة من السائل المنوي، ليستخدمها إذا أراد الإنجاب في وقت لاحق.

وأشار إلى أنه إذا كان المريض شابا صغيرا ولم يتزوج بعد فيجوز له الاحتفاظ بعيّنة في أحد البنوك الطبية حتى يمكنه استخدامها إذا أراد الإنجاب بعد علاجه، وذلك لأن الأشعة والكيمياويات تؤثر على الحيوانات المنوية تأثيرا بالغا، وقد تؤدي إلى قتلها.

وتابع موضحا “في حالة الاستجابة للمريض تؤخذ عينة من الحيوانات المنوية، وتوضع داخل نيتروجين سائل تبلغ درجة حرارته 120 تحت الصفر، وهي درجة منخفضة جدا يتجمد فيها الحيوان المنوي، وعند محاولة استخدام الحيوانات المنوية مرة أخرى، تتم إعادتها إلى حالتها الطبيعية، ويتم حقنها داخل البويضة، وتتم إعادتها مرة أخرى إلى الرحم، وذلك كما يحدث تماما في عمليات التلقيح الاصطناعي، وعمليات أطفال الأنابيب .

عملية التلقيح من متوف تواجه رفضا كبيرا في المجتمعات الشرقية
عملية التلقيح من متوف تواجه رفضا كبيرا في المجتمعات العربية

وأكد أن الأزواج يلجأون إلى عملية التلقيح الاصطناعي في عدة حالات، من بينها انسداد أنابيب فالوب لدى الزوجة، أو في حالة سرطان الخصية، أو ضعف خلاياها أو نتيجة تعرض الخصية للأشعة. ففي هذه الحالات يصعب التلقيح الطبيعي، لذا قد يلجأ الطبيب إلى التلقيح الاصطناعي، عن طريق الحقن المجهري للحيوان المنوي داخل البويضة، وهذه الطريقة تستخدم تكنولوجيا متقدمة للغاية، وتتم عملية الإخصاب على عدة مراحل، وفي المرحلة الأولى يتم فيها الحصول على الحيوانات المنوية من الزوج لمرة واحدة، ويتم حفظها.

ومن جانبه يقول الدكتور عبدالعزيز عبدالهادي، استشاري الطب الشرعي، إن الوفاة عادة تتم على مرحلتين، المرحلة الأولى وفاة عضوية، وهي تعني توقف أجهزة الجسم عن العمل، مثل توقف القلب والرئتين والجهاز الدوري عن العمل وخلال تلك المرحلة تكون خلايا الجسم حية، ومن ضمنها أيضا الحيوانات المنوية، وفي مرحلة تالية تأتي عملية الموت الخلوي، أي موت خلايا الجسم.

وهذه العملية تستغرق نحو خمس ساعات منذ لحظة الوفاة، وفي حالات نقل الأعضاء من جسم شخص متوفى إلى شخص آخر، لا بد أن تتم عملية نقل العضو المطلوب مثل الكبد أو الطحال وغيرهما من الأعضاء خلال تلك الفترة، أما بالنسبة للحيوانات المنوية فهي تتمتع عن غيرها باستثناء بسيط، لأن الحيوانات المنوية لديها خلية مولدة للحيوان المنوي، وهي تموت خلال أربع ساعات من الوفاة مع باقي خلايا الجسم، ويبقى الحيوان المنوي الكامل التكوين في الحويصلة المنوية مع السائل المنوي، وهذا الحيوان يمكن أن يعيش نحو أربع وعشرين ساعة.

ويقول الدكتور عبدالقادر فهمي أستاذ أمراض النساء والتوليد،  إن “عملية تجميد الحيوانات المنوية تهدف إلى الحفاظ عليها فترة معينة لإعادة استخدامها مرة أخرى، ويهدف التجميد إلى وقف نشاط الحيوان المنوي حتى لا يستهلك طاقته، وبذلك نمنع تحلّله”.

وأشار إلى أنه من الممكن استعادة نشاط الحيوان المنوي مرة أخرى، بتنشيطه كيميائيا واستخدامه في تخصيب البويضة، ولكن نظم التجميد هذه غير موجودة لدينا، حيث لا توجد بنوك للاحتفاظ بالحيوانات المنوية.

ومن جانبه يرى الدكتور عبدالعظيم عبدالله، من علماء الأزهر، أن الحياة  الزوجية تنتهي بوفاة الزوج أو الزوجة، ولكن عند وفاة الزوج تبقى له ذمة اعتبارية إذا دعت الضرورة إلى ذلك، مثل تعلق الديون بالتركة أو الحمل، ولحاق النسب بالزوج المتوفى إذا مات وكانت زوجته حاملا منه، وذلك باعتبار المولود ابنا شرعيا للزوج المتوفى، وذلك بشرط التأكد من عدم الاختلاط وفي حالة الشك في الاختلاط بين سائل الزوج ورجل آخر يكون ذلك حراما حفاظا على الأنساب.

ونبّه معارضو هذه التقنية إلى أنه بوفاة الزوج، يصبح عقد الزواج منتهي الصلاحية أو مفسوخا من تلقاء ذاته، وبالتالي تنتهي العلاقة بين الزوجين بالموت، ومن ثمَّ لا يجوز نسب المولود إلى أبيه الميّت ولا يرث منه في هذه الحالة، حتى لو كانت المدة بين وفاة الزوج وميلاد ابنه أو ابنته شهورا، وبالتالي قصر المدة ليس مبررا للإنجاب من الزوج الميت.

وأوضحوا أنه إذا أنجبت الأرملة من زوجها المتوفى، فإنه لا يتم الاعتراف بنسب المولود إلى أبيه، وإنما ينسب إلى أمه وتتم معاملته على أنه ابن غير شرعي، ومن ثَمَّ لا حقوق له في ميراث الأب ولا يحمل اسمه، رغم أنه يعدّ من الناحية الجينية ابنه، إلا أن وفاة الأب حولت ما كان مباحا في حياته إلى محرّم بسبب انتهاء العلاقة الزوجية، كما لفتوا إلى أن هذا الإنجاب مكروه، وسيؤدي إلى نزاعات بين الزوجة وأهل زوجها المتوفّى بسبب الميراث والنسب، خاصة وأن العلاقة الزوجية تنتهي بالوفاة الحقيقية.

وفي هذا السياق أجاز  الدكتور نصر فريد واصل، مفتي مصر السابق، إنجاب الزوجة من زوجها بعد وفاته عن طريق الاحتفاظ بحيواناته المنوية وإخصابها ببويضة الزوجة، ثم وضعها في رحم الزوجة بعد وفاة الزوج، بشرط أن يكون ذلك خلال العدّة وبموافقة الورثة الشرعيين.

وأشار واصل إلى أنه خلال فترة العدّة تكون الزوجة محرّمة على غيره، وما زالت تابعة لزوجها رغم وفاته، وبالتالي يجوز لها إذا كانت محتفظة بـ”مني” منه أن تخضع لعملية التخصيب والتلقيح الطبي. أما بعد انتهاء فترة العدّة، فإن ما كان مباحا يصبح محرّما، لأن علاقتها بالزوج الميت انتهت، وبالتالي يجوز لها الزواج بغيره. أما خلال فترة العدّة، فمازالت بقايا العلاقة الزوجية قائمة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: