ترامب يفتح الحدود الكورية الشمالية الموصدة

حولت براغماتية الرئيس الأميركي دونالد ترامب في علاقة واشنطن بالملف النووي الكوري الشمالي، أزرار الصواريخ العابرة للقارات إلى لقاء ودي داخل الحدود الكورية الشمالية لأول مرة في التاريخ. وأمام عدم اكتراث رجل الأعمال في البيت الأبيض بالنجاحات الدبلوماسية مقارنة بالانعكاسات الاقتصادية، يشير محللون إلى أن الرئيس ترامب ربما يرى في بيونغ يانغ نافذة له باتجاه الوصول إلى المعادن الثمينة التي تستخدم في الصناعات التكنولوجية، والتي تستحوذ الصين على نسبة كبيرة منها حول العالم، وقد هددت في وقت سابق باستخدامها في حربها التجارية مع واشنطن. ويرى شق أخر أن تحركات ترامب خطوة نحو السلام يريد الاستفادة منها في حملته الانتخابية الداخلية وقد يلجأ إلى استخدام نفس الأسلوب مع إيران أيضا.

أصبح دونالد ترامب أول رئيس أميركي تطأ قدماه أرض كوريا الشمالية الأحد، عندما التقى بزعيمها كيم جونغ أون في المنطقة منزوعة السلاح بين الكوريتين واتفق معه على استئناف المحادثات النووية المتوقفة.

وتصافح الزعيمان بحرارة وعبّر كل منهما عن أمله في السلام عندما التقيا للمرة الثالثة في ما يزيد قليلا عن العام عند خط الحدود الذي يرمز للحرب الباردة، وظل لسنوات رمزا للعداء بين الجارتين الشمالية والجنوبية اللتين تعتبران في حالة حرب رسميا حتى الآن.

وعبر ترامب برفقة كيم خطا عسكريا لترسيم الحدود نحو الشطر الشمالي لفترة وجيزة.

وبعد لحظات، عادا سويا وعبرا إلى كوريا الجنوبية وانضم إليهما الرئيس الكوري الجنوبي مون-جيه إن في حوار قصير ليصبح ذلك أول لقاء على الإطلاق يجمع الزعماء الثلاثة.

وعقد ترامب وكيم اجتماعا مغلقا لما يقرب من ساعة. وقال ترامب بعد اللقاء “الاجتماع كان جيدا للغاية وقويا للغاية، اتفقنا على وضع التفاصيل”، مضيفا “سنرى ما قد يحدث”.

وقال أيضا إن الجانبين اتفقا على تشكيل فرق عمل لدفع المحادثات المتوقفة قدما والتي تهدف إلى حمل كوريا الشمالية على التخلي عن أسلحتها النووية، مشيرا إلى أنه لا يتعجل الوصول إلى اتفاق.

والتقى ترامب وكيم للمرة الأولى في سنغافورة في شهر يونيو من العام الماضي واتفقا على تحسين العلاقات والعمل صوب إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، لكن لم يحدث تقدم يذكر منذ ذلك الحين.

بينما تصر إدارة ترامب على أنها تريد من كوريا الشمالية التخلي عن ترسانتها النووية، لم تعلن بيونغ يانغ أبدا أن لديها نية القيام بذلك

وانهارت قمة ثانية انعقدت في هانوي بفيتنام في فبراير الماضي بعدما فشل الجانبان في تضييق الهوة بين مطلب أميركي لكوريا الشمالية بالتخلي عن أسلحتها النووية وطلب كوري شمالي من الولايات المتحدة بإعفائها من العقوبات.

وكان ترامب قد وصل إلى كوريا الجنوبية في وقت متأخر السبت لإجراء محادثات مع مون بعد حضور قمة لمجموعة العشرين في أوساكا باليابان، والتي قدم خلالها عرضا مفاجئا بلقاء كيم، وهو ما قبله الأخير.

وسعت كوريا الشمالية لامتلاك برامج نووية وصاروخية لسنوات في تحد لقرارات مجلس الأمن الدولي، وأصبح تخفيف التوترات مع كوريا الشمالية إحدى أهم أولويات السياسة الخارجية للرئيس الأميركي.

وكان اللقاء الثالث بين الرئيس الأميركي والزعيم الكوري الشمالي حافلا بالرموز، وينقسم المحللون حول نتائجه: فهل هو مجرد استعراض إعلامي أم خطوة كبيرة نحو السلام؟

وكانت نتائج هذا اللقاء أقوى مما توقعه الكثيرون بعدما دعا ترامب كيم عبر تويتر إلى لقائه، وقوله إن الاجتماع سيكون قصيرا لدقيقتين، فقط “لإلقاء التحية”.

ومع ذلك، يتساءل محللون عما إذا كان هذا اللقاء كافيا من أجل تقدم مستدام في مسار متعثر منذ سنوات.

ورأى الأستاذ في معهد ماساشوسيتس للتكنولوجيا فيبين نارانغ أن “مسرحية” بانمونغوم تستحق العناء إذا كانت ستؤدي إلى محادثات على المستوى العملي.

وأضاف أنها إذا لم تُفض إلى محادثات “فسنجد أنفسنا أمام المشهد عينه لخمسة عشر شهرا مقبلا”.

وبينما تصر إدارة ترامب على أنها تريد من كوريا الشمالية التخلي عن ترسانتها النووية، لم تعلن بيونغ يانغ أبدا أن لديها نية القيام بذلك، وتتحدث في المقابل عن “نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية”، الأمر الذي يحمل معنى أوسع وأكثر غموضا.

وتطالب كوريا الشمالية برفع العقوبات الواسعة المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي والصاروخي المحرم دوليا. وقالت إنها مستعدة لإغلاق أجزاء من مركز يونغبيون النووي، لكن يؤكد مختصون أن لبيونغ يانغ منشآت أخرى تنتج مواد نووية.

واعتبر هونغ مين الباحث في معهد كوريا للوحدة الوطنية التابع للحكومة في كوريا الجنوبية أن لقاء بانمونغوم منح الزعيمين “سببا وجيها للسعي إلى التحاور من جديد”.

وفي المقابل، رأى المسؤول السابق في الخارجية الأميركية في إدارة باراك أوباما، مينتارو أوبا، أن ما تلا اللقاء من حديث عن استئناف المفاوضات هو “حالة مؤقتة ناتجة عن زخم اللحظة”.

وكتب أوبا على تويتر “نحن نتعامل مع كوريا الشمالية استنادا إلى دبلوماسية معالجة الصدمات: نبقي العملية حية من خلال حقنات طاقة عرضية، لكن من دون أن نعالج الوباء الأساسي”.

ورأى الأستاذ في جامعة الدراسات الكورية الشمالية في سيول كو كاب-وو أن عبور ترامب الدراماتيكي إلى كوريا الشمالية سيكون “مفيدا” له في حملته الانتخابية للانتخابات الرئاسية المقررة في العام المقبل بالولايات المتحدة.

ويلائم هذا اللقاء المتعجل خطط بيونغ يانغ، وفق سو كيم، فهو بمثابة رسالة إلى كوريا الشمالية مفادها أن السياسة الأميركية “مليئة بالثغرات” وأن “كيم سيحصل على ما يريد في نهاية المطاف”.

وبالنظر إلى براغماتية الرئيس الأميركي، الذي لا يولي أهمية كبرى للنجاحات الدبلوماسية مقارنة بالانعكاسات الاقتصادية، يرى متابعون أن ترامب ربما يريد من كوريا الشمالية أن تكون نافذة لبلاده نحو معادن ثمينة تزخر بها البلاد وتستخدم في الصناعات التكنولوجية الحساسة، مقابل الحطّ من العقوبات الاقتصادية عليها دون إلغائها تماما.

وكانت الصين في وقت سابق قد هددت الولايات المتحدة بمحاصرتها في مناطق المعادن الثمينة كرد على حظر شركة هواوي.

واعتبرت بكين في تعليقها على دخول ترامب إلى كوريا الشمالية أن السلام في المنطقة لا يمكن أن يتحقق من دون مشاركة أطراف أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: