الصبر الإستراتيجي للمغرب اتجاه الغطرسة الجزائرية

أمام سلوك الجزائر المتغطرس تجاه المملكة المغربية والتهديد الواضح الذي يشكله ذلك على أمنها، تحرص القيادة السياسية المغربية على اعتماد الصبر الإستراتيجي للدفاع عن النفس.

ويقول محمد بوبوش، أستاذ مساعد في العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول في وجدة بالمغرب، في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي “قد يرى البعض أن الصبر والمداولة سلوك سلبي يقوم على الانتظار والاستسلام للقدر، ونعتقد أن الصبر يعني إظهار أقصى درجات ضبط النفس في مواجهة الاستفزازات التي يمارسها الطرف الآخر، مع استثمار الوقت في تغيير المعادلة على الأرض وتعزيز نقاط القوة الذاتية”.

ويضيف بوبوش “بمعنى آخر، فإن سياسة الصبر الإستراتيجي تعني محاولة تجنب خيار الحرب قدر الإمكان، ولكن دون استبعاد هذا الخيار، وهو ما يعني الاستعداد لها كملجأ أخير في إطار ما يعرف بالحرب العادلة وحق الدفاع عن النفس الذي تكفله المواثيق والقوانين والأخلاق الدولية والأديان السماوية”.

مفهوم الصبر الإستراتيجي

المغرب يؤمن بأولوية التسوية السلمية، لكنه قادر على قلب المعادلات في حالات سوء الفهم أو سوء التقدير

يشير مصطلح الصبر الإستراتيجي في السياسة الخارجية إلى النهج الدبلوماسي الذي تمارس فيه الدولة ضبط النفس والمثابرة في التعامل مع التحديات والصراعات الدولية.

وهو ينطوي على تقييم المواقف بعناية، وتجنب الإجراءات المتهورة، والحفاظ على منظور طويل المدى لتحقيق النتائج المرجوة دون التسرع في الاستجابات الفورية أو التصعيد.

ويمكن للدولة أن تمارس الصبر الإستراتيجي في سياستها الخارجية من خلال عدة إستراتيجيات رئيسية:

1 – التقييم والتحليل: إجراء تقييم شامل للأوضاع الدولية، بما في ذلك المخاطر والفرص والتداعيات طويلة المدى وتحليل النتائج المحتملة للإجراءات المختلفة قبل اتخاذ القرارات.

2 – الحوار والدبلوماسية: إعطاء الأولوية للقنوات الدبلوماسية لحل النزاعات ومعالجة القضايا والانخراط في الحوار مع الدول الأخرى لإيجاد أرضية مشتركة والبحث عن حلول سلمية.

3 – بناء التحالفات: تعزيز التحالفات مع الدول ذات التفكير المماثل لدعم الأهداف المشتركة وتقاسم عبء التصدي للتحديات العالمية والتعاون مع الشركاء لتحقيق المصالح المشتركة.

4 – تجنب الأعمال الاستفزازية: الامتناع عن الانخراط في أعمال استفزازية من شأنها تصعيد التوترات أو تؤدي إلى الصراعات، وممارسة ضبط النفس والاعتدال في ردود الفعل على الأحداث الدولية.

5 – التخطيط طويل المدى: تطوير إستراتيجية متماسكة للسياسة الخارجية طويلة المدى تتوافق مع مصالح الدولة وقيمها وتحديد أهداف ومعالم واضحة لتوجيه عملية صنع القرار بمرور الوقت.

6 – الصبر والمثابرة: الحفاظ على نهج صبور ومستمر في تحقيق أهداف السياسة الخارجية إذ أن تحقيق نتائج دبلوماسية مهمة قد يتطلب وقتًا وجهدًا متواصلاً.

 

رقابة مشددة 

7 – القدرة على التكيف: المرونة والتكيف استجابةً للظروف المتغيرة مع البقاء ملتزمًا بالأهداف الإستراتيجية طويلة المدى وتعديل الاستراتيجيات حسب الحاجة لمعالجة الديناميكيات الدولية المتطورة.

ومن خلال دمج هذه العناصر في نهج سياستها الخارجية، يمكن للدولة أن تمارس بشكل فعال الصبر الإستراتيجي وتتنقل في العلاقات الدولية المعقدة مع التركيز على تحقيق نتائج مستدامة ومفيدة.

ويهدف هذا النهج إلى تحقيق أهداف إستراتيجية من خلال اتخاذ قرارات محسوبة ومدروسة في مجال العلاقات الدولية.

وقد صاغ مفهوم الصبر الإستراتيجي لأول مرة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي ذكره في مقدمته لوثيقة إستراتيجية الأمن القومي الأميركي الصادرة في فبراير 2015، والتي أكد فيها أن “التحديات التي نواجهها تتطلب صبراً ومثابرة إستراتيجيين”.

وكان أوباما يشير إلى مجموعة من التحديات والأهداف الخاصة بالولايات المتحدة باعتبارها قوة عظمى: الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأمن الطاقة، والمناخ والاحتباس الحراري، والأمن النووي، والأمن السيبراني، والفقر المدقع، والتنمية المستدامة.

واستخدمت الولايات المتحدة إستراتيجية الصبر الإستراتيجي في تعاملاتها مع كوريا الشمالية، وحافظت على سياسة المشاركة مع إبقاء خيار العمل العسكري مفتوحاً. كما استخدمت الصين هذه الإستراتيجية في تعاملاتها مع تايوان، حيث تنتظر الوقت المناسب لإعادة توحيد الجزيرة مع البر الرئيسي.

مقاربة المغرب

Thumbnail

أثبتت تطورات المواقف والأحداث أن الصراع، في عمقه، هو صراع بين المغرب والجزائر، التي اختارت اعتماد خيار معارضة الوحدة الترابية للمغرب أملا في تحقيق مكاسب إستراتيجية وأيديولوجية، في إطار التنافس على القيادة في منطقة المغرب العربي.

وفي حين تؤكد الجزائر أنه ليس لديها أي مطلب إقليمي في المنطقة، فإنها تفرض نفسها بشكل غير مباشر عبر جبهة بوليساريو الانفصالية التي ساهمت ليبيا في تأسيسها، والتي ستتحول مع تطورات هذا الملف إلى أداة في يد الجزائر لفرضه كطرف مهتم بتداعيات القضية، من خلال تعزيزها خطاب تقرير المصير للشعب الصحراوي.
ولم تقتصر السياسة العدائية التي ينتهجها النظام الجزائري تجاه المغرب على جانب واحد، بل شملت كافة جوانب العلاقات بين الدول.

ورغم أن الجانب السياسي هو الأبرز، إذ أنه يؤثر بالدرجة الأولى على قضية الصحراء المغربية باعتبارها أزمة تجاوزت نصف قرن بسبب دعم النظام الجزائري المستمر لجبهة بوليساريو، ودعمه للمقترح الانفصالي، ورغم مقترحات المغرب الأكثر واقعية، وأبرزها مقترح الحكم الذاتي كأهم وأحدث شكل من أشكال حق تقرير المصير، الذي قدمه إلى الأمم المتحدة في 11 أبريل 2007 لحل الأزمة، والذي بموجبه يمنح المغرب السكان الاستقلالية في إدارة شؤون الأقاليم الجنوبية في ظل السيادة المغربية، فإن العداء الجزائري للمملكة يتخذ أشكالا أخرى شملت الجانب الدعائي الاقتصادي والرياضي والثقافي، ليذهب إلى أبعد من ذلك ويصبح المغرب موضع تساؤلات متكررة واتهامات لا أساس لها من حجة أو دليل، بدءا باتهامه بتسليم “الأمير الجزائري المجاهد عبدالقادر” إلى السلطات الفرنسية، مرورا باتهامه بدعم الحركات الإسلامية العاملة ضد الحكومة الجزائرية في العقد الأخير من القرن الماضي، وانتهى الأمر باتهامه بتهريب المخدرات إلى الجزائر.

ويعني مفهوم الصبر الإستراتيجي في الفكر الإستراتيجي المغربي التعامل مع الأزمات، وعدم التسرع في الموقف الأيديولوجي المبني على توجه أو قرار مسبق، وبناء القرارات وفق تقديرات المصلحة الوطنية (التي تركز على البناء الوطني الداخلي) دون إغفال مصالح الآخرين أيضاً، انطلاقاً من الإيمان بأولوية التسوية السلمية، والثقة بالقدرة على التحرك الذي يقلب المعادلات في الوقت الحاسم وفي حالات سوء الفهم أو سوء التقدير.

وقد اتبعت المملكة المغربية هذا النهج في كل الأزمات التي مرت بها خلال السنوات الماضية، ومنعها من الدخول في مواجهات حادة مع خصومها، في كل من الكركرات والمقاطعة الدبلوماسية للجزائر واستفزازات جنوب أفريقيا وسياساتها المعارضة لوحدة الأراضي المغربية، وذلك تماشياً مع القناعة بأن أي تدخل واسع سيكون مكلفاً أو “معضلة” عسكرية، ويكفيها الصبر الإستراتيجي.

وربما حقق هذا الاتجاه نتائج إيجابية في بعض الأحيان، لكن مكانته كخيار، بغض النظر عن عمق التحديات، تقلل أهميته النسبية، وتمنح القوى المعارضة فرصة توظيفه بما يتماشى مع أهدافها في إحراج الدولة المغربية.

والآن تدرك القيادة السياسية أهمية وقيمة الصبر الإستراتيجي في منهجية التعامل التدريجي مع الأزمات في ظل قراءة دقيقة للأوضاع الدولية والإقليمية المزدحمة بالعديد من القضايا المعقدة والمتشابكة.

وكل ذلك يتطلب إعطاء صانع القرار أوسع مساحة للحركة والمناورة لتحديد نقطة الانطلاق المناسبة للتحرك نحو الهدف المنشود من خلال فهم ودراسة المناخ الإقليمي والعالمي.

 

ناصر بوريطة: المغرب قرر عدم الرد على القرارات الأحادية للدبلوماسية الجزائرية

وأكد وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة على مبدأ الصبر الإستراتيجي، قائلا في حوار مع فرانس 24 الأحد 6 يونيو 2022، إن “المغرب قرر عدم الرد على القرارات الأحادية للدبلوماسية الجزائرية”، وشدد على أنه “توقف عن متابعة تصريحات الدبلوماسية الجزائرية منذ فترة بسبب العديد من التناقضات”.

وأضاف أن توجيهات العاهل المغربي الملك محمد السادس “تذهب في اتجاه عدم التصعيد وحتى عدم التفاعل مع الخطاب الجزائري”.

وأشار إلى أن “المغرب لن يغير الواقع الجغرافي بين البلدين”، لافتا إلى أن “الجزائر قطعت علاقاتها مع المغرب ليس بسبب إسرائيل كما تدعي، لكن هناك 6 نقاط وضحت خطوة قطع العلاقات السياسية، بما فيها حرب 1963، وقضية الصحراء المغربية”.

وأوضح أنه “إذا اتخذت الجزائر أي إجراءات أحادية في هذا الصدد، فهذا حقها، لكن مواقف المغرب كانت واضحة منذ فترة طويلة، لأنه يبحث عن عوامل الوحدة أكثر من الانقسام”.

وأضاف ناصر بوريطة أن “المغرب يؤيد قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الصحراء وهو راض عنها، لكن الجزائر هي التي ترفض نتائجها”.

وحققت الرباط انتصارا معنويا على الجزائر، وبدا أن الصبر الإستراتيجي الذي اعتاد عليه بعض السياسيين في العالم، بدءا بالرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، قد يتحول إلى نظرية مستقلة في الأدبيات السياسية للدبلوماسية المغربية عندما تنقشع السحب عن الساحة وترتفع أدوات الدولة وقوتها تدريجياً، فيما يبدو الوضع المحيط مليئاً بالسيولة ومليئاً بالتحديات.

ويميل المغرب بحكم ثقافته الإستراتيجية إلى رفض الانخراط في الصراعات الخارجية لأسباب تتعلق برفض مبدأ التدخل الخارجي في شؤون الدول المستقلة ونظرة القيادة الملكية إلى الحرب باعتبارها أكثر وسائل تحقيق الضرر للمصالح الوطنية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: