تضارب الاراء بين المؤسسات الجزائرية و المخابرات الخارجية حول افتتاح مكتب للجمهورية الريفية بالجزائر

بوشعيب البازي

تعرف المؤسسات الجزائرية تخبطا بسبب الإعلان عن افتتاح مكتب لجمهورية الريف بالجزائر من خلال فيديو بثّه انفصاليين مغاربة اعضاء من المجلس الوطني الريفي ومنخرطون في الحزب الوطني الريفي، مع كلمة بالمناسبة “حول نضال منطقة الريف”، وتضمن “رفع علم جمهورية الريف على أنغام النشيد الوطني الريفي”.

المشروع الفاشل للواء مهنى جبار مدير المخابرات الخارجية الجزائرية الذي يقود حملته ضد الوحدة المغربية مستغلا أوباش انفصاليين مقيمين في دول أوروبية، المشروع الذي لا يستسيغ للحكومة الجزائرية و لا للبرلمان الجزائري و تقوده فقط المخابرات الخارجية الجزائرية ، حيث ان الجزائر تعيش أزمة مؤسساتية على أعتاب انتخابات الرئاسة.

و ما حدث أخيرا كان بمثابة سقوط قناع عن أسطورة الجيش، بعدما كان يحلو لكل السياسيين في وقت سابق، حتى من هم في المعارضة، القول إنه “إذا كان الفساد عشّش في المؤسسات المدنية فالجيش هو المؤسسة الوحيدة التي بقيت نظيفة”.

هذا وقد عقدت اجهزة اللواء مهني جبار عدة لقاءات مع بعض الانفصاليين من حراك الريف في كل من المانيا و بلجيكا و فرنسا و كان آخرها لقاء داخل الجزائر في تكنة عسكرية غاب عنها ممثلون عن الخارجية الجزائرية و كذا مسؤولين حكوميين ، اللقاء الذي اعطيت من خلاله تعليمات للانفصاليين بالتوغل و السيطرة على مساجد مغربية بأوروبا و العمل على استقطاب معارضين خارج الوطن و داخله لزعزعة استقرار المغرب .

المشروع المخابراتي الذي لقي رفضا واضحا من اغلبية الريفيين و نشطاء حراك الريف بأوروبا استغله بعض الاوباش للاسترزاق بقضية يدفع ثمنها باهضا ناصر الزفزافي و غير من معتقلي حراك الريف في السجون المغربية ، و هذا ما تؤكده بعض الأبحاث التي قامت بها اخبارنا الجالية و التي تؤكد تسلم يوبا الغديوي و كل من معه مبلغ 300 ألف اورو خلال زيارتهم الأخيرة للعاصمة الجزائرية عند افتتاح مكتب لجمهورية الريف بالجزائر، ناهيك عن المبالغ المالية الأخرى التي يتوصلون بها شهريا لمواصلة أعمالهم الانفصالية عبر مواقع التواصل الاجتماعي .

هذا و قد اعتبر الصحفي بوشعيب البازي، أن إعلان مكتب لجمهورية الريف في الجزائر تصعيد خطير في استهداف المغرب لا مبرر له.

وقال البازي في تصريح له  “هذه خطوة تصعيدية ومتهورة ولم يعد أمام النظام الجزائري سوى إعلان الحرب ضد المغرب، إذ ما الذي يعنيه هذا الإعلان في وقت العالم العربي في أمس الحاجة إلى التوحد نصرة للفلسطينيين؟”.

وأضاف: “هل ننتظر من الرباط أن تقدم على خطوة موازية للاعتراف بجمهورية القبائل؟ ما جرى في الجزائر تطور خطير وغير مبرر وغير محسوب فعلا”، على حد تعبيره.

وأضاف: “أعتقد أن إقدام عصابة مهني جبار على اتخاذ هذه الخطوة تنم عن تشنج غير طبيعي داخل النظام، وتوهم أنه في خطر شديد”.

وأشار البازي إلى أن “هذه الخطوة لا تؤكد ضعف وعزلة عصابة الحكم في الجزائر فقط، وإنما تشهد على فشل الاعتماد على سياسة الاستئصال الأمني التي تستخدمه العصابة مع كل مخالفيها في الرأي داخل الجزائر، وهي اليوم تكرر استعمالها في علاقتها الدولية، فهي لا تبحث عن حل خصومات الخارجية بالتوافق”.

ولفت بوشعيب البازي الانتباه إلى أن “خطوة اعتراف عصابة الحكم في الجزائر بمكتب لجمهورية الريف الانفصالية بالمغرب، يأتي في سياق إقليمي تواجه فيه سياسات نظام الحكم في الجزائر فشلا متزايدا، فقد خسر فعليا دعم الحليف الروسي، الذي يسعى لتفكيك أوروبا وترى موسكو أن فوضى في المنطقة المغاربية تحقق هدف الإضرار الشديد بأوروبا عبر فتح الباب أمام الهجرة غير القانونية، وفي هذا الإطار تدعم موسكو فاغنر في دول الساحل والسودان وليبيا، وكذلك الإمارات التي أصبحت طرفا فاعلا في كل هذه الدول إضافة إلى المغرب وتونس”.

وأضاف: “كما تأتي خطوة الإعلان عن مكتب لجمهورية الريف مع الإعلان عن القمة الثلاثية بين الجزائر وتونس وليبيا كل ثلاثة أشهر، وهي قمة لا تستبعد المغرب فقط وإنما أيضا موريتانيا، وهي خطوة غير محسوبة أيضا تضر بالمنطقة المغاربية، فسعيّد في تونس عمليا هو بيد الإمارات، كما أن رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي دوره شكلي في حكم ليبيا المجزأة أصلا”.

و هذا كان متوقعا من دولة تم تأسيسها سنة 1962، دخلت  في مخرجات الدولة القطرية التي كانت منتوجا فرنسيا خالصا؛ فانحازت للتوجه الاشتراكي والحزب الواحد الذي عزز من قابلية الاستبداد فأصبح نظام الحكم ينطوي على نواة صلبة هي سلطة الجيش، تقوم على سياسة فوق الأحزاب ومؤسسات الدولة، وتعمل على تحريك خيوط اللعبة السياسية وتفريخ رؤساء يمثلون دولة العسكر مع أنهم مجرد واجهة مدنية لنظام استبدادي تسهر على تمرير الأوامر العسكرية والقرارات التي يتخذها الجنرالات.

من هذا المنطلق، أصبحت المؤسسة العسكرية هي الوصية السياسية على الشعب الجزائري؛ في التفاف على روح الثورة ودستور 1963؛ والميثاق الوطني سنة 1976.

فمنذ أن احتل جيش الحدود البلد بقوة السلاح، بعدما انقلب على “حكومة الجمهورية الجزائرية المؤقتة” الشرعية، والجزائر تعيش تحت نظام مغلق رافض لمسألة التداول على الحكم؛ وتشكل فيه الفئة المدنية زاوية لاستغلالها كواجهة لإخفاء بشاعة الحكم العسكري.

ومنذ ذلك العهد فُرض مفهوم الشرعية الثورية؛ بنهج قادة جبهة التحرير أسلوبا سلطويا عنيفا في علاقتهم بالشعب الجزائري، وذلك من خلال فرض الإنتماء المشخصن والزبونية السياسية وعدم معارضة أو مناقشة القرارات العسكرية التي يصوغها تنظيم شمولي TOTALITAIRE.

أمام هذا التنظيم العسكري الصلب، لا مكان لشرعية سياسية خارج رموز تلك الشرعية الثورية، في تقلّد المسؤوليات السياسية وتعاقبها على السلطة بادعائها المزعوم أنها تجسّد مطامح الشعب، مع مواصلة إقصاءها لجميع أشكال المعارضة حتى وإن كانوا من داخلها؛ لتبقى السلطة لدى الفئة الحاكمة الفعلية باسم الجيش.

إن هذه اللعبة المُحْكمة والقذرة تَوَاتَر عليها النظام، وصارت عنده قاعدة للطبيعة الديكتاتورية للنظام الذي يحكم البلاد وفق جدلية الصراع التي حكمت السنوات الأولى لاندلاع ثورة التحرير سنة 1954. حيث شهدت صراعات بين قاداتها؛ كالصراع الذي نشب بين جماعة الداخل والخارج في قيادة الثورة وبين جيش الحدود والثوار؛ كمؤتمر طرابلس لجبهة التحرير في 27 يونيو 1962؛ وصراع “صائفة 1962” بين جيش الحدود بقيادة احمد بن بلة وهواري بومدين بوخروبة، من جهة، وجيش الداخل بقيادة يوسف الخطيب وصالح بوبنيدر وفرحات عباس أول رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة، من جهة أخرى.

وبعد انقلاب بوخروبة على بن بلة سنة 1965، عمل على تثبيت أركان الحكم العسكري المطلق مستغلا فرصة الانقلاب الفاشل الذي قاده رئيس الأركان الأسبق الطاهر الزبيري سنة 1967، فتم ترسيخ قاعدة الإيقاع بين قادة الثورة والتنكيل بالأصوات المعارضة لسياسة السلطة العسكرية.

لقد لجأ الكثير منهم إلى انتحال صفة الثورية للوصول إلى مناصب ورتب عليا في الدولة والجيش. فأحمد بن بلة كان رقيبا في الجيش الفرنسي هو الذي نصّبه هواري بومدين / بوخروبة وجماعته ليطيح به ويأخذ الحكم منه بالقوة باسم التصحيح الثوري في العام 1965، مرورا بتنصيب عسكري آخر هو الشاذلي بن جديد، على رأس الدولة من طرف العسكر إثر وفاة بوخروبة سنة 1978.

وفي 1992 دفع العسكر بن جديد إلى الاستقالة مرغما. ثم جاء الدور على محمد بوضياف الذي كان منفيا في المغرب، والذي تم اغتياله بعد مرور 6 أشهر فقط على مقامه في قصر المرادية؛ حيث طالته أيدي الخيانة والغدر من داخل دار الثقافة في عنابة.

وفي 1994 جاء الدور على جنرال آخر هو الرئيس ليامين زروال والذي استقال هروبا من ضغط عسكر نادي الصنوبر وتدخلاتهم في مهامه فوقع اختيارهم على عبد العزيز بوتفليقة سنة 1999، الذي مكث في الحكم 20 سنة؛ والذي عرفت نهايته حراكا شعبيا رافضا لعهدة خامسة في ظل وضع صحي متأزم دفعه للانسحاب/الإستقالة. وعين الجيش عبد القادر بن صالح كرئيس مؤقت للدولة، وبعده جاء الرئيس المعين عبد المجيد تبون في 2019.
وبقيت الجزائر تعيش لعنة عدم استكمال رؤسائها لعهدتهم؛ نتيجة الإنقلاب أو التصفية او التنحية من قبل قادة عسكرها المتسلط.

فنظام الكازيرنات وباستيلائه على مقدرات الشعب الجزائري لخدمة أحنداته الضيقة أصبح الفساد فيه ذو طبيعة مؤسساتية؛ تغذيه الرغبة في حماية “نخب الريع” لاستدامة بقائها في السلطة وتعزيز تحالفات الطغمة العسكرية الضيقة كروتين سياسي لتبرير اختياراته عبر سياسة تبادل الأدوار؛ تحت حماية القوة وليس القانون؛ كأسلوب أحادي، استبدادي وغير ديمقراطي. هذا الوضع لخصه مؤرخ الثورة الجزائرية؛ محمد حربي بالقول “الجزائر ليس بلد يملك جيشا، وإنما الجيش هو الذي يحتل الدولة”.

وعلى هذا الأساس من الصعب الانتقال إلى نظام مدني في الجزائر؛ في ظل طغمة الثكنات إلا من خلال “حراك” يقلب علاقات الإنتاج داخل الدولة ويعيد السلطة إلى صاحبها الشرعي “الشعب”.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: