الجزائر تستثمر قمة الغاز لتجاوز مخلفات الخلط بين السياسي والاقتصادي

تسعى الجزائر إلى توظيف حدث استضافتها القمة السابعة للدول المنتجة للغاز في محاولة بناء الثقة مع الشركاء وتدارك ما فاتها بسبب الخلط بين الحسابات السياسية والمصالح الاقتصادية، ما قاد إلى مخاوف خاصة من جانب أوروبا حيال التعامل مع الجزائر كمورد للغاز موثوق به ودائم يمكن أن تعتمد عليه في تعويض الغاز الروسي.

وهز قرار الجزائر الذي يقضي بتعليق العمل باتفاقية الصداقة مع إسبانيا وتوقيف التجارة معها مصداقيتها كشريك تجاري لدى الأوروبيين، ولم يجدوا في التطمينات الجزائرية المتتالية ما يضمن لهم عدم تكرار الخلط بين التجاري والسياسي في المستقبل إذا وثقوا بالجزائر وراهنوا على غازها كبديل ثابت عن الغاز الروسي.

وتجد الجزائر في قمة الغاز فرصة لتبديد تلك المخاوف وإظهار تغيير جذري في سلوكها خاصة بتأكيد حرصها على استعادة العلاقات مع إسبانيا وتجاوز التوتر بين البلدين بسبب قرار مدريد دعم مقاربة المغرب القائمة على الحكم الذاتي لحل قضية الصحراء، ما دفع الجزائر إلى الضغط على إسبانيا بورقة الغاز، وهو ما أثار مخاوف الأوروبيين.

الجزائر تجد في القمة فرصة لطمأنة المستهلكين وإظهار جديتها في الفصل بين المصالح وحسابات السياسة

وانطلقت الخميس في العاصمة الجزائرية أشغال القمة السابعة للدول المنتجة للغاز، بحضور مسؤولين كبار من وزراء طاقة وخبراء ورؤساء حكومات ودول، وذلك في مناخ متقلب تهيمن عليه التطورات الجيوسياسية في العالم، خاصة الحرب في غزة ومصاعب حركة الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، والحرب في أوكرانيا واستمرار المقاطعة الغربية للغاز الروسي.

ومنذ بدء العقوبات على الغاز الروسي وما تلاها من مخاوف المستهلكين في أوروبا، تعاطت الجزائر مع الأزمة بشكل مرتبك، وحاولت التوفيق بين علاقاتها الإستراتيجية مع الشريك الروسي وبين شراكاتها المتعددة مع الدول الغربية، بضخ كميات إضافية لتلبية الطلب المتزايد، كما أبرمت عدة اتفاقيات وصفت بـ”المهمة” مع إيطاليا عام 2022، ثم مع ألمانيا خلال الأسابيع الأخيرة.

واستطاعت الجزائر النأي بنفسها عن تداخلات الأزمة الأوكرانية. وفيما أبدت نوعا من الانحياز لصالح الطرح الروسي على الصعيد الدبلوماسي والسياسي، فإنها سارت في اتجاه دعم شراكاتها مع دول غربية للاستمرار في اتفاقيات التموين وتعزيزها بكميات إضافية تلبية للطلب المتزايد، لكنها ظلت تبتعد عن طرح إنتاجها كبديل عن الغاز الروسي.

وتسعى الجزائر خلال القمة إلى تحقيق المزيد من المكاسب عبر توسيع شركاتها إلى عموم أوروبا انطلاقا من محطة إيطاليا، وإقناع المنتجين بالمساهمة في الاستثمارات المالية والتكنولوجية الضخمة، بغية ضمان استقرار في التموين والأسعار المناسبة للمنتجين والمستهلكين.

وتراهن الجزائر على الغاز كمصدر بديل عن النفط، ولذلك تطمح إلى إنتاج 150 مليون متر مكعب في غضون السنوات القليلة القادمة، لمواكبة الطلب المحلي المتزايد والتوجه إلى الصناعات البيتروكيماوية، وهو الخيار الذي تبنته كحل بديل عن عائدات النفط المتناقصة تدريجيا بسبب تراجع المخزون، وتحسّبا لفرضية أن تصبح بلدا خارج مجموعة أوبك.

وتراهن الجزائر على الغاز كمصدر بديل عن النفط، ولذلك تطمح إلى إنتاج 150 مليون متر مكعب في غضون السنوات القليلة القادمة، لمواكبة الطلب المحلي المتزايد والتوجه إلى الصناعات البيتروكيماوية، وهو الخيار الذي تبنته كحل بديل عن عائدات النفط المتناقصة تدريجيا بسبب تراجع المخزون، وتحسّبا لفرضية أن تصبح بلدا خارج مجموعة أوبك.

وأكد الرئيس المدير العام لسوناطراك رشيد حشيشي أنه بعد العقد المبرم مع الألمان في الأسابيع الأخيرة تعتزم الشركة الحكومية للمحروقات توسيع نشاطاتها في أوروبا الوسطى مستقبلا.

وقال “نرى أنه يمكن تطوير هذا التعاون أكثر وتوسيعه مستقبلا ليشمل مجالات أخرى، كما يسمح لنا أيضا بالتفكير في توسيع نشاطاتنا في أوروبا الوسطى، لاسيما وأن أولى الإمدادات بالغاز الطبيعي في إطار تنفيذ هذا العقد الأول من نوعه مع الشركة الألمانية (في أن جي) قد انطلقت بالفعل”.

وأوضح أن العقد المبرم مع الشركة الألمانية يندرج في إطار إستراتيجية تنويع زبائن الشركة الوطنية وتعزيز تموقعها في الأسواق الأوروبية، وأن نجاح المناقشات بين الطرفين يعزز الشراكات التجارية مع أوروبا في مجال الطاقة، وهو ما يؤكد “أهمية احتياطاتنا من الغاز الطبيعي، مما يسمح لسوناطراك بضمان إمدادات مستقرة وموثوقة لتلبية الطلب”.

pp

وأكد وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب على أن الدورة السابعة لقمة رؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز ستكون قمة التحديات الكبرى، قياسا بالمناخ الاقتصادي والجيوسياسي الذي يخيم على العالم، وستركز على  ملفات التعاون المشترك بين الدول المنتجة الرئيسية بهدف ضمان استقرار أسواق الغاز العالمية ومواجهة التحديات التي قد تواجه الطلب على الطاقة النظيفة خلال المرحلة المقبلة.

وفي تلميح إلى الخلافات التي تسود بين أعضاء الكارتل المنتج للغاز، صرح الوزير الجزائري بأنه سيتم العمل على تقريب وجهات النظر بين الدول الأعضاء حول التحديات والفرص المختلفة التي تواجه صناعة الغاز، لاسيما في إدارة العرض والطلب، واصفا القمة بـ”قمة التحديات الكبرى” بالنظر إلى الظروف والمتغيرات الهامة على المستويين الإقليمي والدولي.

وأشار عرقاب إلى أن القمة “تمثل حدثا إستراتيجيا ذا أهمية قصوى في مجال الطاقة، حيث ستسعى الجزائر إلى تعزيز الشراكة بين الدول من أجل الحد من انبعاثات الغازات الدفيئة المرتبطة بالغاز، لتعزيز مكانتها والدور الذي يمكن أن تلعبه في إطار الحلول المستدامة للطاقة المستقبلية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: