الجزائر تطوي أطماعها في منفذ نحو الأطلسي

زادت سياسات المغرب التنموية في أقاليمه الجنوبية وانفتاحه على شراكات إقليمية مع دول المنطقة عزلة النظام الجزائري وطويا أطماعه في منفذ بحري نحو الأطلسي عبر الصحراء المغربية.

أثارت زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى ولاية تندوف، جنوب غربي البلاد، الكثير من الأسئلة حول الرسائل التي سعى الى إطلاقها سواء ضمن الحملة الانتخابية الرئاسية السابقة لأوانها أو في سياق التحولات الإقليمية المهمة التي تشهدها المنطقة، ومنها نجاح المغرب في تأكيد سيادته على أقاليمه الجنوبية عبر خارطة علاقات دولية متوازنة.

وأدت دبلوماسية الرباط الى تفاقم عزلة النظام الجزائري بشكل غير مسبوق، ما أجهض طموحاته التوسعية نحو ساحل الأطلسي عبر الصحراء المغربية التي مازال يرفع شعارات العمل على فصلها عن وطنها الأم.

وخلال زيارته إلى تندوف اعتبر تبون أن الجزائر “استعادت قوتها ومكانتها المحورية والريادية إقليميا ودوليا بفضل الجيش الوطني الشعبي وإخلاص الرجال”. وقال إن ولاية تندوف ستصبح قطبا حقيقيا في مجال الصناعة، معتبرا أن منجم غار جبيلات وخط السكة الحديد من المشاريع الحيوية التي من شأنها المساهمة في القضاء على البطالة وتوفير مناصب الشغل لفائدة شباب المنطقة.

على مدى عدة عقود تربط الجزائر مشاريع التنمية في مناطق الجنوب الغربي للبلاد بأطماعها التوسعية في الصحراء المغربية

وتبعد تندوف عن عاصمة البلاد 1750 كلم. وهي قريبة من الحدود الموريتانية والمغربية والصحراء المغربية، ولذلك فهي ذات أهمية إستراتيجية وتضم قواعد عسكرية جزائرية.

وأصبحت منذ العام 1975 تضم مخيمات اللاجئين الصحراويين، وفي يناير 1976 أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (بوليساريو) من تلك المخيمات عن قيام ما يسمى “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية” بدعم مباشر من النظام الجزائري.

وبحسب دراسات متخصصة فإن الجزائر ظلت عاجزة لمدة 58 عاما عن إقامة جرد لثرواتها الباطنية والتربة والمناجم الغنية باليورانيوم والذهب والغاز والحديد والفوسفات وغيرها.

وكشفت دراسة أميركية نشرها مركز البحث الأميركي عام 2019 أن ما تزخر به الصحراء الجزائرية من ثروات يفوق ما قيمته 26 تريليون دولار، هي عبارة عن ثروات مدفونة في الصحراء لم تستغل ولم تستثمر، فيما يصل عدد سكان الجنوب الجزائري إلى أكثر من 2.5 مليون نسمة، أي أقل من 0.5 في المئة من مجموع سكان الجزائر البالغ تعدادهم 42.9 مليون نسمة.

ويقول مراقبون إن الثروات الطبيعية الطائلة جعلت من الجزائر دولة ثرية يسكنها شعب فقير وذلك بسبب السياسات الخاطئة المعتمدة منذ الاستقلال وظاهرة الفساد المتغلغلة في مفاصل الدولة بالإضافة إلى تركيز الدولة على التسلح.

وجاء في تحليل نشره موقع “وورلد كرانش”، في يونيو الماضي، أن ثروة الجزائر الهائلة من الموارد الطبيعية “لم تعد كافية لإخفاء تخلف اقتصاد البلاد عن الجيران المغاربيين، ومن المرجح أن تواجه صعوبات خطيرة في عام 2028”.

وفي خطوة يقول مراقبون إنها يائسة لاختراق جدار المغرب، مضى النظام الجزائري في اتجاه وضع خطة لإنجاز مشروع طريق تربط بين تندوف ومدينة زويرات الموريتانية، وتمتد على مسافة 775 كلم بكلفة 600 مليون يورو.

وينتظر أن تكون طريق تندوف – الزويرات مرحلة أولى نحو ساحل الأطلسي عبر الأراضي الموريتانية، سواء بواسطة طريق سيارة جديدة أو بالاعتماد على سكة الحديد التي تربط بين الزويرات ومدينة نواذيبو الساحلية لمسافة تصل إلى 650 كلم تقريبا والتي كانت فرنسا أنشأتها خصيصا لنقل خامات الحديد من وسط شمال موريتانيا إلى ميناء التصدير نحو الأسواق الخارجية في نواذيبو عبر قطار يزيد طول عرباته عن 2500 متر.

 

زيارة مشفرة تحمل العديد من التساؤلات

وبحسب تقارير صحفية فإن الحركة على مسار طريق تندوف – الزويرات ذي التضاريس الوعرة تحتاج إلى جهود أمنية كثيفة من الجزائر ونواكشوط بسبب نشاط الجماعات المسلحة التي تتاجر بالسلاح والمخدرات وتقوم بعمليات تهريب، كما لا يستبعد وجود جماعات إرهابية، وهو ما يضطر الأفراد والمركبات إلى سلوك طريق داخل الصحراء.

وتعتقد الجزائر أن الموانئ الموريتانية يمكن أن تمنحها فرصة تعزيز المبادلات مع دول أميركا الجنوبية وتصدير موادها المنجمية على غرار إنتاج منجم غار جبيلات بولاية تندوف الذي تم اكتشافه عام 1952 في فترة الاستعمار الفرنسي وجرى تقدير احتياطات الحديد المتوقعة فيه بـ1.7 مليار طن بنسبة مادة من خام الحديد تصل إلى 57 في المئة.

وفي عام 1972 وقعت الجزائر والرباط على اتفاق بخصوص الاستغلال المشترك لهذا المنجم مدته 60 عاما، نشرته الجريدة الرسمية الجزائرية سنة 1973، وإنشاء شركة مشتركة بين البلدين لاستغلال المنجم، وذلك بسبب وجوده بالقرب من الحدود المغربية، لأن المملكة تتوفر على إمكانية تصريف معدن غار جبيلات وشحنه عن طريق ميناء يقع على شاطئ المحيط الأطلسي.

وفي 30 نوفمبر الماضي وضع الرئيس الجزائري حجر الأساس لمشروع إنجاز خط السكة الحديد بشار – تندوف – غار جبيلات على مسافة 950 كلم، وقال إن هذا المشروع من شأنه تحقيق تنمية اقتصادية في المنطقة وتوفير مناصب شغل لشبابها، ويفتح آفاقا تنموية في المنطقة، كما يؤكد الشراكة المتينة بين الجزائر والصين.

ومن المنتظر أن يكتمل مشروع سكة الحديد سنة 2026، بحيث سيسمح بالانتقال من استغلال 3 ملايين إلى 50 مليون طن سنويا من خام الحديد، مما سيسمح بإنتاج 12 مليون طن من الحديد السائل.

في 30 نوفمبر الماضي وضع الرئيس الجزائري حجر الأساس لمشروع إنجاز خط السكة الحديد بشار – تندوف – غار جبيلات وقال إن هذا المشروع من شأنه تحقيق تنمية اقتصادية في المنطقة

وتسعى الجزائر من وراء استغلال منجم غار جبيلات إلى توفير المادة الأولية لخام الحديد بعد أن كانت تستوردها سنويا بنحو مليار دولار. ويتوفر المنجم على احتياطي يصل إلى 3.5 مليار طن من خام الحديد، ويجري حاليا استغلاله بالتعاون مع شركات صينية.

ولعقود متتالية ربط النظام الجزائري مشاريع التنمية في مناطق الجنوب الغربي للبلاد بأطماعه التوسعية على حساب سيادة المغرب على صحرائه، فمنذ منتصف السبعينات من القرن الماضي راهن حكام الجزائر، الذين تداولوا على السلطة، على فتح منفذ على ساحل المحيط الأطلسي لتكريس نزعة التوسع والهيمنة والظهور في صورة الدولة الكبرى المفتوحة على البحر والمحيط بثروات طائلة وامتدادات جغرافية واسعة.

وذكرت وثيقة لوكالة المخابرات المركزية، تعود إلى شهر ديسمبر 1977، رفعت عنها السرية في نوفمبر من عام 2012، أن الرئيس الجزائري الأسبق “هواري بومدين استخدم الجزائر ذريعة دعم الشعب الصحراوي لتقرير مصيره من أجل تبرير تبنيها لأطروحة جبهة البوليساريو ودعمها بالمال والسلاح، محاولة بذلك إخفاء هدفها الرئيسي من وراء ذلك، والمتمثل في إضعاف المغرب، لأخذ زمام المبادرة في منطقة المغرب العربي، وأيضا الوصول إلى المحيط الأطلسي”.

وأضافت الوثيقة أنه “على الرغم من أن السبب الظاهري للجزائر لدعم البوليساريو هو مبدأ تقرير المصير، فإن تنافسها التاريخي مع المغرب على الهيمنة في شمال غرب أفريقيا هو الدافع الأساسي لها”.

وتابعت “هدف الجزائر في النزاع هو إقامة جمهورية صحراوية مستقلة، يكون لديها تأثير مهيمن عليها. وهذا من شأنه أن يحرم المغرب من الموارد الاقتصادية الكبيرة للإقليم ويعرقل الجهود المغربية لتقييد وصول الجزائر في المستقبل إلى المحيط الأطلسي”.

وتعتبر أقرب مسافة بين الجزائر والمحيط هي التي تربط بين أم العشار من ولاية تندوف وساحل الأطلسي من الأراضي المغربية وتبلغ 165 كلم، تليها المسافة بين مدينة تندوف نفسها والأطلسي وتبلغ 275 كلم، وذلك عبر أراض صحراوية منبسطة لا عوائق طبيعية ولا تضاريس صعبة تميزها.

وفي 13 نوفمبر 2020 حصل تطور ميداني أنهى أطماع النظام الجزائري في الوصول إلى الأطلسي عبر الصحراء المغربية، عندما تمكن الجيش المغربي من تطويق المجموعات المحسوبة على بوليساريو ودورياتها العسكرية المتواجدة بمعبر الكركرات، ثم إرغامها على الانسحاب دون التسبب في استهداف أي من عناصرها، لتعمد فرقه الهندسية تمديد الجدار على محورين وعلى بعد عشرات الكيلومترات، وتنهي أي إمكانية لوصول عناصر بوليساريو المسلحة أو أي مخاطر أمنية أخرى إلى المنطقة الحدودية القريبة من ساحل الأطلسي والمشرفة على منطقة الكويرة الإستراتيجية.

Thumbnail

ويرى مراقبون أنّ التدخل المغربي في الكركرات قطع الشك باليقين بأن الحدود المغربية عند الحدود الموريتانية، وأن أيّ تصور للتفاوض تحصل بموجبه الجزائر على منفذ في المحيط الأطلسي غير ممكن لأن في ذلك تحكما في انفتاح المغرب على محيطه الجيوسياسي نحو أفريقيا، وهو ما أدى إلى تحول حاسم في قراءة الواقع وتفسير معطياته الأساسية من قبل جنرالات الجزائر الذين أدركوا أن المغاربة غير مستعدين للتنازل عن حقوقهم التاريخية وللمساومة عليها مهما كانت الظروف.

وكان النظام الجزائري يعتقد أن معبرا نحو الأطلسي عبر الأقاليم الجنوبية المغربية يمكن أن يحقق مكاسب كبرى للبلاد وخاصة من الناحية الاقتصادية، وذلك عبر استكشاف واستخراج وتحويل الثروات المعدنية والطبيعية التي يحتكم عليها الجنوب الحبيس على امتداد الصحراء الشاسعة التي تشكل 87 في المئة من مساحة البلاد، والتي لم يتم الاستفادة سوى من 14 في المئة من مساحتها الكلية.

وفي خطوة مفاجئة فسح العاهل المغربي محمد السادس في خطابه الذي ألقاه أوائل نوفمبر الماضي، بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء الكبرى، المجال أمام دول منطقة الساحل الخمس، للاستفادة من إطلالة بلاده على المحيط، وباستثناء موريتانيا التي تتوفر بالفعل على ساحل ممتد على الأطلسي سيصبح بإمكان مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد الوصول إلى الواجهة التي وصفها الملك بأنها “بوابة المغرب نحو أفريقيا، ونافذة انفتاحه على الفضاء الأميركي”.

وقال العاهل المغربي “نقترح إطلاق مبادرة على المستوى الدولي، تهدف إلى تمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، غير أن نجاح هذه المبادرة يبقى رهينا بتأهيل البنيات التحتية لدول الساحل، والعمل على ربطها بشبكات النقل والتواصل بمحيطها الإقليمي”.

وأردف أن المغرب “مستعد لوضع بنياته التحتية، الطرقية والمينائية والسكك الحديدية، رهن إشارة هذه الدول الشقيقة، إيمانا منا بأن هذه المبادرة ستشكل تحولا جوهريا في اقتصادها، وفي المنطقة كلها”.

وإذا كان هذا المقترح الملكي قد جاء انسجاما مع التحولات الكبرى التي تعرفها دول الساحل، والتي يتميز أغلب قادتها بعلاقات متميزة مع المملكة التي كانت احتضنت جانبا مهما من تكوينهم العسكري، فإنه يمثل رسالة مهمة كان على الجانب الجزائري أن يلتقطها، وهي إمكانية الاستفادة من إطلالة المملكة على المحيط، ولكن في ظل سيادتها الكاملة على صحرائها، واعترافه الكامل بذلك، وانطلاقا من سياسة تعاون مشترك وفق التقاليد والأعراف الدولية بعد طي صفحة الخلافات وتدشين سلام دائم بين البلدين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: