“الكذب في التقارير” ينضم إلى الفساد لتعطيل دواليب الدولة في الجزائر

بررت الرئاسة الجزائرية قرار عزل مسؤولين محليين في ولاية ( محافظة) غليزان غرب البلاد بالكذب في التقارير المغلوطة، وهو مؤشر جديد ينضم إلى ظاهرة الفساد المستشري في البلاد، والحرب المعلنة عنه من طرف السلطات العليا، ولو أن المسألتين متداخلتين، فلا فساد دون كذب، والكذب هو نوع من أنواع الفساد، إلا أنه لأول مرة يتم الاعتراف بالكذب كظاهرة في تسيير الشأن العام.

وذكر بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية أنه “بعد اكتشاف ما يؤكد وجود تقارير كاذبة تخفي الحقائق، في تنفيذ برامج التنمية بولاية غليزان”، قرر وزير الداخلية والجماعات المحلية إنهاء مهام والي (محافظ) ولاية غليزان، ورئيس دائرة زمورة بغليزان.

وقرر وزير التربية عبدالحكيم بلعابد، كذلك، توقيف ثلاثة مسؤولين في قطاع التربية بالولاية ذاتها. كما أن “التحقيقات لا تزال متواصلة للوقوف على مدى تكفل مختلف المصالح المحلية الموكل إليها تنفيذ برامج التنمية”.

مسؤولو غليزان ما كانوا ليتجرّأوا على الكذب لو لم يكونوا مقتنعين بأنه أحد سُبل الحفاظ على المناصب

ولأول مرة منذ تولي عبدالمجيد تبون رئاسة الجمهورية رغم مرور أربعة أعوام من عمر ولايته الرئاسية، تدخل مفردات مسكوت عنها في الخطاب الرسمي للمؤسسة الرسمية الأولى في البلاد، حيث بات “الكذب في التقارير” مصطلحا جديدا في بيانات الرئاسة، لتضع بذلك يدها على ورم خبيث ينخر جسد الدولة؛ فباسم الدولة يمارَس الكذب أفقيا وعموديا، إذ يتم بث الأراجيف والزور والبهتان في أوساط المواطنين على أنها حقائق، ويُرفع ذلك في شكل تقارير دورية إلى السلطات المباشرة وغير المباشرة.

ورغم التحفظ الذي لازم تصريحات المؤسسة بشأن قرارات إقالة طالت عددا من المسؤولين الكبار في الدولة، كالوزراء والمدراء العامين والمركزيين، يبدو أن دائرتها الإعلامية أرادت هذه المرة توجيه رسائل إنذار إلى باقي الموظفين السامين، بالإفصاح عن الإجراءات التي اتخذت في حق مسؤولين محليين، من المحتمل تحويل ملفاتهم إلى القضاء إذا أثبتت التحقيقات المفتوحة ضدهم آثارا للتقاعس والكذب على ملفات الشأن العام.

ونشرت مواقع مقربة من الرئاسة أن تبون سيمضي قدما في محاربة جميع أشكال الإهمال والتقاعس والكذب، وأنه أشهر “سيف الحجاج” في وجه الفساد، حيث لم يسلم منه وزير كان ضمن حكومته، رغم ما للمسألة من خدش لصورة المؤسسة التي يتحمل مسؤوليتها السياسية والأخلاقية.

ومع ذلك ليست “كذبة” ولاية غليزان هي الأولى ولن تكون الأخيرة؛ فالكذب هو نمط مستشر في إدارة الشأن العام، والأمر ليس سرا لدى الشارع الجزائري، فهو يعلم أن ذلك لا يتعلق بمسؤولين محليين في هذه الولاية أو تلك البلدية، بل يمتد إلى دوائر ومؤسسات مركزية، وربما يطال المحيط القريب من تبون، لذلك كشف الرئيس الجزائري عن أحد أوجه الفساد الذي غمر مفاصل الدولة.

وما كان مسؤولو غليزان ليتجرّأوا على الكذب لو لم يكونوا مقتنعين بأن الكذب هو أحد سبل الحفاظ على المناصب والمكاسب، فمَن دونهم يكذب ومَن فوقهم يكذب، والمحصلة هي اهتزاز متراكم للثقة اللازمة بين الحاكم والمحكوم، والتضحية بقدسية الحقيقة، ولذلك اتسعت الهوة اتساعا مفزعا.

الوالي والمسؤولون المعنيون بالقرار ليست هذه تجربتهم الأولى في إدارة الشأن العام، فكل واحد قضى سنوات في مناصب وأماكن أخرى، ومن كذب اليوم أكيد أنه كذب بالأمس، والأكيد أنهم ليسوا وحدهم الذين يكذبون على الشعب والدولة.

ويقول مراقبون إن ما أعلنته مؤسسة الرئاسة هو رسالة تحذير، لكن لا أعضاء الحكومة ولا الرئيس بإمكانهم وحدهم اجتثاث الظاهرة من إدارة الشأن العام؛ فالمسألة في حاجة إلى تحالف آليات تدافع عن مصالح المجتمع، بدْءًا من المنتخبين المحليين والمركزيين، وليس انتهاء بالمجتمع المدني والنقابات والإعلام. ويمكن حينذاك فقط الحديث عن لجم ألسنة الكذب وبتر أذرع الفساد، فمخطئ من يعتقد أن تلك الآليات هي جدران لحماية السلطة، بل هي أسلحة الدفاع عن المجتمع وعن الدولة، فالإرادة السياسية وحدها لا تكفي.

ويرى المراقبون أنه لا بد أن يأتي يوم على الحرب المعلنة على الفساد لتقدم إلى الرأي العام حصيلتها، وكلما طال أمدها فقدت بريقها، لكن تقليد الشفافية والصرامة يتوجب دخوله في الحياة اليومية للمؤسسات، وهو ربما ما أرادته الرئاسة الجزائرية من رسالة “كذابي غليزان”، وأكده تعليق أذرعها الإعلامية بالقول “كرس الرئيس بشكل مستمر قاعدة عدم التساهل مع الأخطاء والسقطات التي تصدر عن مسؤولين كبار، كانت في وقت سابق تمر مرور الكرام ويُتعامل معها في أحيان أخرى بضبابية وإبقاء مجال التأويلات مفتوحا في غياب الشفافية والبلاغات الواضحة التي تصدر عن الجهات المختصة”.

وفسّر التعليقُ التوضيحات المتعلقة بأسباب إنهاء مهام عدد من المسؤولين بأنها “رغبة شخصية من الرئيس تبون في توجيه رسالة إلى المسؤولين (يفيد مضمونها) بأن لا تسامح مع التجاوزات والتلاعب بمصالح المواطنين ودوس القانون خصوصا من رجال الصف الأول في الجهاز التنفيذي”، مضيفا أنها “تأكيد على متابعة دقيقة من القاضي الأول في البلاد لشؤون التسيير اليومي بتفاصيله وحرصه على التدقيق في كل الملفات واتخاذ القرارات في وقتها”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: