طفرة الغاز لم تمكن النظام الجزائري من كسر برود علاقاته الأوروبية

حنان الفاتحي

لم يخف حديث الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون عن صداقات بلاده قلقا واضحا بشأن التوتر مع المحيط الإقليمي والأوروبي، وهو يوحي بفشل رهان الجزائر على استثمار أزمة الغاز بين روسيا والغرب لبناء علاقة من موقع قوة مع أوروبا.

يأتي هذا في وقت تظهر فيه إشادة تبون بإيطاليا كصديق وحيد لتكشف أن أوروبا لا تنظر بعين الرضاء للمواقف المتقلبة للجزائر، وخاصة تلك التي تحاول توظيف الغاز لتحصيل مواقف تتناقض مع مصالح دول مثل فرنسا أو إسبانيا.

ويقول مراقبون إن أوروبا وبالرغم من حاجتها للغاز إلا أنها ظلت تراقب مواقف الجزائر تجاه إسبانيا والمغرب وتوظيفها للغاز كورقة ضغط، وكذلك استهدافها لتونس بالضغط والابتزاز، وهو ما زاد من مخاوف الأوروبيين بشأن الرهان على نظام متقلب المواقف ومزاجي لإبرام اتفاقيات بعيدة المدى معه.

◙ تبون لم يبد أيّ انزعاج له من تذبذب الأداء الدبلوماسي المتشنج، الأمر الذي كلف بلاده عدم انسجام مع محيطها الإقليمي والدولي

ولا يرى الأوروبيون ما يضمن لهم عدم تكرار هذه المواقف في المستقبل إذا وثقوا بالجزائر وراهنوا على غازها كأحد البدائل الثابتة عن الغاز الروسي.

وتفادى الرئيس الجزائري، في التصريح الذي أدلى به لوسائل إعلام محلية، التطرق إلى التوتر المفاجئ الذي شاب العلاقات الجزائرية – الفرنسية، في الآونة الأخيرة، بسبب الناشطة السياسية المعارضة أميرة بوراوي.

واكتفى تبون بالتلميح في مرتين لفرنسا، حين ذكر موقف الرئيس فرانسوا ميتران، الداعم للموقف المناهض للسلطة الجزائرية التي أفرزها قرار وقف المسار الانتخابي في مطلع التسعينات، وإلى الاستفزازات التاريخية الفرنسية حول المسائل التاريخية للجزائر، وما عدا ذلك غابت حتى الإشارة (أو الحديث العارض) إلى العلاقات الجزائرية – الفرنسية، ما يؤشر إلى وجود أزمة عميقة بين البلدين، وخاصة فشل الجزائر في فرض مزاجيتها على باريس من خلال سحب السفير أو الحملات الإعلامية.

وركز الرئيس الجزائري في تصريحه على علاقات بلاده المتميزة مع إيطاليا، وسرد خلفيتها التاريخية، بشكل يوحي بأنه يريد تعويض التوتر والفتور الذي يميز العلاقات الجزائرية مع باريس ومدريد بمدح ما بلغته علاقتها مع روما من تعاون وتميز، لاسيما في مجال الطاقة.

وفشل النظام الجزائري في فرض شروطه على باريس ما عطل صفقة الغاز الجزائرية – الفرنسية التي يجري التفاوض بشأنها والتي واجهت تحديا صعبا بسبب لجوء الجزائر إلى ربط المفاوضات بالموقف السياسي.

 

◙ الرئيس الجزائري يشيد بإيطاليا كصديق وحيد
الرئيس الجزائري يشيد بإيطاليا كصديق وحيد

 

وكانت باريس تتطلع إلى إنهاء مباحثات صفقة الغاز الجزائري قبل نهاية العام الماضي، وزيادة وارداتها من الغاز الجزائري بنسبة 50 في المئة ضمن خطط أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي. لكن الجزائر أجّلت المفاوضات رسميا حتى العام الحالي من دون أن يظهر أيّ مؤشر على موعدها.

ويمكن القول إن أحد الأسباب الرئيسية في تأجيل الصفقة هو الضغط الجزائري الداخلي لإجبار فرنسا على دفع تعويضات بالتوازي مع الاعتذار عن فترة الاستعمار، إضافة إلى الحصول على تنازلات من باريس لتتعاطى مع نظام التأشيرات الممنوحة للجزائريين – دون سواهم من مواطني دول شمال أفريقيا- بشكل أكثر مرونة، وهي تنازلات ترفض فرنسا أن تقدّمها.

وكان تبون وقّع من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إعلانا مشتركا من أجل “شراكة متجددة” بين البلدين. إلا أن الشعارات التي يستمر تبون في ترديدها أطاحت بهذه الشراكة في الماء.

وأشاد في حديثه بالموقف الإيطالي بـ” فتح خط قرض بـ13 مليار دولار في مطلع تسعينات القرن الماضي، بينما كانت المفاوضات عسيرة مع صندوق النقد الدولي، الذي كان يركز على رفع السياسة الاجتماعية، دون مراعاة تأثير ذلك على استقرار البلاد”.

وذكر تبون بأن بلاده لا تنسى الموقف الإيطالي في ذروة الأزمة والحصار الذي عاشته خلال العشرية الدموية، وأن إيطاليا هي البلد الوحيد الذي واصل علاقاته وتعاونه فيما أدار الأصدقاء وحتى الأشقاء ظهورهم للجزائر في ذروة أزمتها.

وجدد الرئيس الجزائري “أسفه” لما آلت إليه الأمور بسبب الخطوة الإسبانية التي وصفها بـ “الخاطئة ” و”الفعل غير الودي” الصادر من قبل مسؤولين إسبانيين، في إشارة إلى دعم رئيس الوزراء الاسباني للمقاربة المغربية في موضوع الصحراء المغربية، لكنه في المقابل شدد على ما أسماه، بـ”العلاقات الطيبة مع الشعب الإسباني، وعلى الاحترام التام لملك إسبانيا”.

◙ أوروبا وبالرغم من حاجتها للغاز إلا أنها ظلت تراقب مواقف الجزائر تجاه إسبانيا والمغرب وتوظيفها للغاز كورقة ضغط

وأضاف “بعض الدول الأوروبية تعتقد بكل سذاجة أن الجزائر محمية خاصة، لكن الجزائر حرة، فهي تدرك أن مصلحتها اليوم هي مع إيطاليا”.

ولم يبد الرئيس الجزائري أيّ انزعاج له من تذبذب الأداء الدبلوماسي المتشنج، الأمر الذي كلف الجزائر عدم انسجام مع محيطها الإقليمي والدولي، خاصة مع دول الجنوب الأوروبي، حيث تتراوح علاقاتها بين التوتر والفتور مع البعض، والتميز مع البعض الآخر، عكس الوضع الداخلي، لمّا جدد مبرراته لما بات يعرف بـ”غضب” الرئيس من الحكومة.

ورفض الإدلاء بأيّ شيء عمّا يتردد حول دور جزائري في الأزمة الأوكرانية، حيث لم ينف ولم يؤكد المسألة، مما يوحي بأن الأمر لم يتسرب من فراغ، لاسيما وأنه أكد على أن بلاده ستعيد فتح سفارتها في كييف الأوكرانية خلال الأيام القليلة القادمة، كما ينتظر أن يؤدي زيارة إلى موسكو خلال شهر ماي المقبل.

وجدد الرئيس الجزائري حديثه عن خطاب “المؤامرة ” الذي بات يشكل عصب الأداء الدبلوماسي، في إشارة إلى المخاطر التي تهدد البلاد، بالقول “الجزائر مستهدفة من جميع الجوانب لأنها لا تقبل الانبطاح”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: