الحزب الحاكم في إسبانيا ينتصر لعلاقاته مع المغرب

ماموني

تبدي إسبانيا كما غيرها من الدول الأوروبية حرصا على إظهار متانة العلاقة مع المغرب، وعدم تأثرها بأي محاولات خارجية لزعزعتها، أو التشكيك فيها، وآخر تلك المواقف رفض الحزب الحاكم في إسبانيا الحضور لمؤتمر جبهة بوليساريو، تماهيا مع قرار رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.

 قرر الحزب الاشتراكي العمالي الحاكم في إسبانيا، رفض دعوة من جبهة بوليساريو الانفصالية لحضور مؤتمرها بمخيمات تندوف جنوب الجزائر الذي انطلق الجمعة، وسيستمر حتى السابع عشر من الشهر الجاري.

ويأتي الموقف في سياق دعم الحزب لإعلان رئيس الوزراء بيدرو سانشيز مساندة مقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، فيما اختار ائتلاف أونيداس بوديموس المشارك في الحكومة الإسبانية، تلبية دعوة الجبهة الانفصالية المدعومة من الجزائر.

ويرى مراقبون أن موقف الحزب الحاكم في إسبانيا يعكس فشل محاولات الجزائر المباشرة أو عبر لوبيات تابعة لها داخل الاتحاد الأوروبي، للتأثير على العلاقة بين الرباط ومدريد.

وتراجعت العلاقة بين الحزب الاشتراكي وجبهة بولساريو ابتداء من 2021، حيث لم تتم دعوة هذه الأخيرة إلى المؤتمر الأربعين للحزب السنة قبل الماضية، والذي جاء أثناء الأزمة مع المغرب التي أفرزها استقبال إسبانيا لزعيم بوليساريو إبراهيم غالي، من أجل العلاج بعد إصابته بكورونا.

 

محمد الطيار: لوبيات تسعى للإضرار بعلاقة المغرب والاتحاد الأوروبي
محمد الطيار: لوبيات تسعى للإضرار بعلاقة المغرب والاتحاد الأوروبي

 

ويرى محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن هذا الرفض من طرف الحزب الحاكم في إسبانيا جاء بعدما اتضح له فشل أطروحة بوليساريو بشكل واضح، وأن مراهنة إسبانيا على الاستمرار في التماهي مع سياسة النظام الجزائري الداعمة للانفصال في الأقاليم الجنوبية المغربية، تهدد مصالحها، خاصة في ظل التطورات التي شهدها ملف قضية الصحراء على المستوى الدولي والتي تصب كلها في مصلحة المغرب.

وأشار الطيار إلى الأزمة الدبلوماسية التي تفجرت مع المغرب إثر استقبال زعيم بوليساريو على الأراضي الإسبانية للعلاج، والذي شكل جرس إنذار على المخاطر المحدقة بالمصالح الإسبانية في حالة استمرارها في دعم بوليساريو.

وأكد الطيار، في تصريحات لـه، أن الامتناع عن حضور مؤتمر التنظيم الانفصالي يبرز استمرار دعم الحزب لإعلان رئيس الوزراء سانشيز ومساندته لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء تحت السيادة المغربية، وتفاديا للتشويش على الاجتماع رفيع المستوى في شهر فبراير من السنة الجارية، والذي من المنتظر أن يعرف تعزيزا لجو الثقة، وتأكيدا للانخراط الكامل لإسبانيا في احترام سيادة المغرب على صحرائه.

وشهدت العلاقة بين المغرب وإسبانيا تحولا جذريا في مارس الماضي، عندما أكدت رسالة من سانشيز إلى العاهل المغربي الملك محمد السادس، أنه “يعترف بأهمية قضية الصحراء بالنسبة للمغرب” معلنا من خلالها عن دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتباره الأكثر جدية ومصداقية وواقعية، وهو ما استفز الجزائر التي أعادت سفيرها من مدريد، في حين أعلنت جبهة بوليساريو قطع علاقاتها مع إسبانيا.

ويرى مراقبون أن التحولات المستجدة في علاقة بالموقف الإسباني والأوروبي عموما من قضية الصحراء المغربية المتفاعلة منذ عقود، دفعت الجزائر إلى التحرك بوتيرة أسرع على أمل ضرب العلاقة بين المملكة والاتحاد الأوروبي.

وتسعى لوبيات تخدم أجندة الجزائر داخل الاتحاد الأوروبي في هذا السياق لإثارة ملفات تستهدف التصويب، لاسيما على صعيد علاقة الرباط بمدريد ومنها مسألة الجمارك التجارية بمعبري سبتة ومليلية، وقضية التأشيرة لدخول المدينتين، إضافة إلى قضية ترسيم الحدود البحرية بين المغرب وإسبانيا، خصوصا بعدما تم تجاوز العديد من النقاط الخلافية بين الطرفين.

وفي هذا الصدد اتهم الناطق باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس، في مؤتمر صحافي عقب اجتماع المجلس الحكومي في العاصمة الرباط الخميس، جهات بالاتحاد الأوروبي (لم يسمّها) باستهداف المملكة، واصفا إياها بأنها “أقلية”، مؤكدا أن العلاقات بين المغرب والاتحاد الأوروبي قوية وقديمة، وتتميز بالثقة، وأن المملكة “حريصة على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، رغم انزعاج تلك الأقلية منها وتحاول استهداف المغرب إما إعلاميا وإما عبر بعض المؤسسات.

وجاء تصريح المسؤول الحكومي المغربي بعد الانتقادات التي تعرض لها منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي الإسباني جوزيب بوريل، إثر زيارته للمغرب يومي الخامس والسادس من يناير الجاري في محاولة من قبل بعض اللوبيات لإقحام الرباط في قضية تتعلق بدفع أموال في البرلمان الأوروبي للتأثير على السياسات الأوروبية، والتي تورطت فيها قطر.

◙ موقف الحزب الحاكم في إسبانيا يعكس فشل محاولات الجزائر المباشرة أو عبر لوبيات تابعة للتأثير على العلاقة بين الرباط ومدريد

وعلّق الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية بأن مجالات الشراكة التي تجمع المغرب مع الاتحاد الأوروبي متعددة، ولا شك أنها ستعرف تطورا في ظل رئاسة أسبانيا الدورية للاتحاد الأوروبي، وهناك لوبيات لا تريد لتلك العلاقات أن تتطور، معتبرا أن استهداف المغرب أصبح مسألة مطروحة بقوة وبشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، خاصة داخل بعض الأوساط الفرنسية والإسبانية، التي تخدم أجندات تستهدف عرقلة تقدم المغرب، متسترة تحت غطاء حقوقي أو اقتصادي.

وبخصوص اجتماع قمة رفيع المستوى بين المغرب وإسبانيا مطلع فبراير المقبل، قال الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية الخميس “إن المغرب وإسبانيا حريصان على العمل معا في ظل أجواء الثقة التي تشهدها العلاقات بين البلدين، مضيفا أن هناك ملفات كثيرة ستتم مناقشتها” خلال الاجتماع رفيع المستوى المرتقب.

فيما أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس أن الاجتماع سيعرف حضور أكثر من 10 وزراء إسبان، يمثّلون مختلف القطاعات، مضيفا في تصريحات صحافية من نيامي عاصمة النيجر، الأربعاء، أن تحديد الوزراء الذين سيحضرون القمة المغربية الإسبانية رهين بالملفّات المطروحة في جدول أعمال الاجتماع، مؤكدا في الوقت ذاته أنه “لا يمكن أن يحضر جميع الوزراء في مثل هذه الاجتماعات”.

وتشي هذه التصريحات بحسب مراقبين، بأن المسؤولين المنتمين إلى تحالف أحزاب اليسار “بوديموس”، الذين لم يحسموا في إنهاء ارتباطهم بانفصاليي بوليساريو، من غير المتوقع مشاركتهم في الوفد الذي سيزور المغرب.

وكان ألباريس أشار بخصوص إمكانية مشاركة يولاندا دياز، وزيرة الشغل الإسبانية المنتسبة لـ”بوديموس”، بقوله “لا علم لي إن كانت لوزارة الشغل قضايا لتناقشها مع نظيرتها في المغرب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: