قمة الفرنكوفونية فرصة لقيس سعيد لالتقاط الأنفاس

حنان الفاتحي

وجد الرئيس التونسي قيس سعيد في انعقاد قمة الفرنكوفونية أكثر من متنفس بالنسبة إليه من أجل إثبات حضوره الإقليمي والدولي، وحصوله على فرصة لتبليغ أفكاره وبرامجه وخطط التعاون التي يسعى لها من أجل الخروج بالاقتصاد التونسي من الوضع الصعب.

ولتحقيق أهدافه من حضور العشرات من المسؤولين الدوليين، يجد الرئيس التونسي أمام عينيه مثالين وتجربتين لقمتين عقدتا مؤخرا واحدة في الجزائر والأخرى في مصر.

الأولى كان الهدف منها استعراضيا ففشلت في أن تحقق شعارها المباشر “قمة لمّ الشمل”، وبدل السعي لجمع مختلف الفرقاء ومدّ يد المصالحة، تحولت قمة الجزائر إلى عنصر للتفرقة بعد المشكلة التي افتعلها الجزائريون مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة والوفدين الدبلوماسي والإعلامي المرافقين في استفزاز كان الهدف منه دفع العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الغياب عن القمة العربية لأن الجزائر لم تكن مستعدة فعليا للمّ الشمل وإحداث المصالحات.

 

فينسان جيسار: انعقاد القمة يعدّ نجاحا لسعيّد لأنه سيخرجه من عزلته مؤقتا على الأقل
فينسان جيسار: انعقاد القمة يعدّ نجاحا لسعيّد لأنه سيخرجه من عزلته مؤقتا على الأقل

 

أما الثانية فهي قمة المناخ في مصر التي لم تهدف من خلالها القاهرة إلى أيّ استعراض ولا تأكيد نجومية الرئيس عبدالفتاح السيسي، بل كان الهدف إظهار قدرة مصر على التنظيم والتجميع، وفي نفس الوقت الوصول إلى اتفاقيات استثمارية مهمة ليس فقط مع دول عربية ولكن مشاريع أوسع جغرافيا وذات قيمة مالية.

وكان واضحا حرص الزعماء العرب والغربيين الذين حضروا إلى القمة على التعامل بودّ وإيجابية مع السيسي رغم كل المؤاخذات على حكمه، على عكس قمة الجزائر التي انعقدت في وضع مشحون بسبب افتعال التصعيد مع المغرب وغياب قادة وزعماء مؤثرين.

وقال مراقبون إن عقد قمة في حجم قمة الفرنكوفونية في تونس يعطي فرصة لقيس سعيد ليس فقط بتأكيد حضوره وشرعية قراراته بما في ذلك إجراءات يوليو 2021 وما تبعها من جدل وردود فعل، بل هي فرصة للبعد الشخصي في العلاقات مع الزعماء بعيدا عن الخطابية والتشنج.

وأولى المؤشرات على هذا البعد الإيجابي يمكن الإشارة إلى كلمة الرئيس التونسي في الافتتاح، حيث خالف عادته في إلقاء كلمته باللغة العربية الفصحى في التجمعات الدبلوماسية، وخاطب ضيوفه من رؤساء ورؤساء حكومات وممثلي المنظمات باللغة الفرنسية في افتتاح القمة 18 لمنظمة الفرنكوفونية بجزيرة جربة.

ولقيت كلمة الرئيس سعيد إشادة من مؤسسة “تي في 5 موند” الفرنسية الشريك لمنظمة الفرنكوفونية.

وقال سعيد في كلمته “ليس لنا أيّ عقدة من اللغات الأجنبية… ابن خلدون والجاحظ وعديد العلماء والفلاسفة العرب تحدثوا عن أهمية الانفتاح على اللغات”.

وسيشكّل انعقاد القمة التي يحضرها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو “نجاحا” دبلوماسيا للرئيس التونسي قيس سعيّد بعد قرابة 16 شهرا على بدء احتكاره للسلطات في بلاده.

وأشار المراقبون إلى أن الرئيس المصري دخل قمة المناخ في وضع غير مريح وسط دعوات للتظاهر وانتقادات واسعة، لكن القمة تعاملت مع الملف الحقوقي كهامش، وأغلب الرؤساء لم يتكلموا عنه وقليل من أشار إليه في لقاءات وتصريحات عرضية، والأمر نفسه بالنسبة إلى الرئيس التونسي الذي ما ينبغي أن يؤثر هذا الأمر في علاقاته ولقاءاته واتصالاته وألا يكون عائقا.

ويرى الخبير السياسي الفرنسي فينسان جيسار أن انعقاد القمة يعدّ نجاحًا لسعيّد لأنه “سيخرجه من عزلته مؤقتا على الأقل”.

 

سمير سعيد: التمويل الفرنسي سيدعم برنامج الإصلاحات ويساعد الدولة على استعادة التوازنات المالية
سمير سعيد: التمويل الفرنسي سيدعم برنامج الإصلاحات ويساعد الدولة على استعادة التوازنات المالية 

 

ويضيف “إنه نوع من التقاط أنفاس وتهدئة في علاقاته مع شركائه الغربيين الرئيسيين”، وأنه سيوظّف هذا الحدث لإضفاء الشرعية على التغييرات التي أجراها والتي قادت إلى مركزة السلطة بيده وإلى انتقادات من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية والأحزاب السياسية المعارضة.

وفي تحرك لاستثمار القمة على المستوى الاقتصادي، قال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد السبت إن بلاده تسعى لشراكة دولية لإقامة مشاريع استثمارية بقيمة عشرة مليارات دينار تونسي (3.2 مليار دولار).

وأعلن الرئيس الفرنسي في لقاء مع نظيره التونسي قيس سعيد أن بلاده ستمنح قرضا قيمته 200 مليون يورو لتونس التي تمر بأزمة اقتصادية عميقة تفاقمت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأفاد بيان صادر عن الإليزيه أن “رئيس الجمهورية جدد دعم فرنسا لتونس والشعب التونسي في مواجهة التحديات التي تواجهها البلاد”.

وقال وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي إن التمويل الفرنسي سيدعم برنامج الإصلاحات ويساعد الدولة على استعادة التوازنات المالية وخلق فرص النمو وتحقيق انتعاشة اقتصادية مستدامة.

وتحتفل منظمة الفرنكوفونية التي تضم 88 عضوا بينهم تونس، بالذكرى الخمسين لتأسيسها. وكانت تونس من الدول المؤسسة للمنظمة في العام 1970 إلى جانب السنغال ونيجيريا وكمبوديا.

كما تشارك دول غير منضوية في الفرنكوفونية في أشغال القمة على غرار مولدافيا والإمارات العربية المتحدة وصربيا.

ومن المتوقع إعادة انتخاب الأمينة العامة للمنظمة الدولية للفرنكوفونية الرواندية لويز موشيكيوابو على رأس المنظمة لأربع سنوات جديدة، وهي المرشحة الوحيدة لهذا المنصب.

ويشمل الفضاء الفرنكوفوني 321 مليون ناطق باللغة الفرنسية، ويتوقع أن يتضاعف عددهم بنهاية العام 2050 بفضل انتشار اللغة الفرنسية في القارة الأفريقية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: