تدخلات جزائرية تعيق عمل مفوضية السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي

سومية العلكي

يواجه السفير النيجيري بانكول أديوي، مفوض السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، تحديا حقيقيا في جعل مفوضيته فاعلة وأساسية في عمل الاتحاد بسبب تدخلات جزائرية مستمرة عبر طاقم إداري تعوّد العمل تحت إمرة منصب احتكرته الجزائر على مدى أعوام طويلة.

ولا يخفي المفوض انزعاجه من التركة الثقيلة لسلفه الجزائري إسماعيل شرقي ومن تعطيل العمل في المفوضية التي لا تزال تحت سيطرة جنوب أفريقيا وناميبيا والجزائر. وقد عبّر عن هذا الانزعاج في رسالة لاذعة وجهها إلى مساعديه في بداية الشهر الجاري متهما إياهم بعدم التعاون.

ونقلت أفريكا أنتليجينس، وهي نشرة استخبارية خاصة، عن الرسالة التي تمكنت من الاطلاع عليها اتهاما من أديوي لمساعديه بـ”عدم تعاونهم في الإعداد لجلسات مجلس السلم والأمن”.

ويعزو متابعون الخلاف بين أديوي ومساعديه إلى عدم تقبل ممثل الجزائري شرقي إلى الآن الإطاحة به من منصبه بعد أن قضى فيه فترتين متتاليتين (من 2013 إلى 2021)، مشيرين إلى أن الجزائر كانت تتعامل مع مفوض مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي على أنه منصب حكر عليها، وهي التي ترأسته لمدة 13 سنة بدءا من 2008، وشغله وزير الخارجية الجزائري الحالي رمطان لعمامرة ثم خلفه شرقي.

◙ التوتر بين المفوض النيجيري وسلفه الجزائري هو واجهة لتوتر بين نيجيريا والجزائر بشأن الملفات الأفريقية

وسعى المفوض الجزائري في 2020 وقبل انتهاء مدته إلى طرح موضوع الصحراء على أنظار المجلس، في محاولة لاستصدار موقف ضد المغرب من أجل الحصول على دعم لجبهة بوليساريو الانفصالية، لكنه قوبل بالرفض ونجح المغرب في تحشيد أصدقائه لمنع عقد جلسة وفق الأجندة الجزائرية.

وتزامن هذا مع تزايد الحضور المغربي في القارة الأفريقية ونجاح الرباط في تطويق بوليساريو ومن ورائها الجزائر وكسب أصوات داعمة للمقاربة المغربية لحل قضية الصحراء والتي تقوم على الحكم الذاتي الموسع.

ورفض المغرب المناورة الجزائرية في مجلس السلم والأمن الأفريقي. وأعرب الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية محسن الجزولي عن استنكاره لتصرفات شرقي.

وقال في كلمة ألقاها خلال القمة الاستثنائية الرابعة عشرة لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في ديسمبر 2020 إن “المفوض شرقي أعطى لنفسه الحرية في طرح قضية الصحراء المغربية في حين أن النظر في هذه القضية مؤطر بالقرار 693 الذي يحفظ هذه المهمة لآلية الترويكا”، واصفا ما قام به المفوض الجزائري بأنه “محاولة لإخراج مجلسنا الموقر عن هدفه من أجل تحقيق مخططات لا تليق بمسؤول رفيع في المفوضية ملزم بواجب الحياد”.

ولتبرير عرض الملف على أنظار مجلس السلم والأمن، قال وزير الخارجية الجزائري السابق صبري بوقادوم إنه “بالنظر إلى الإخفاق الكامل لآلية الترويكا (التي تم إنشاؤها في يوليو 2018)، على مجلس السلم والأمن الأفريقي، أن يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه، عملا بنص بروتوكول إنشائه”. وهو الموقف الذي تم إفشاله، وكان أحد العناصر التي قادت إلى هزيمة شرقي في انتخابات المجلس وصعود المفوض النيجيري.

ويرى المتابعون أن التوتر بين المفوض النيجيري وسلفه الجزائري هو واجهة لتوتر بين نيجيريا والجزائر بشأن الملفات الأفريقية، وأن الأخيرة بدأت تفقد أصدقاءها القدامى في الاتحاد الأفريقي في ضوء تغييرات تشهدها القارة تقوم على التخلص من ميراث حقبة الحرب الباردة والبحث عن علاقات جديدة داخل القارة عمادها تبادل المصالح.

ونجح المغرب في استثمار هذا التحول وتوظيف قدراته وشبكة علاقاته في بناء تعاون جديد شمل أغلب دول القارة بما في ذلك نيجيريا؛ إذ يجري التحضير المشترك لإنجاز خط غاز عابر للصحراء من نيجيريا إلى المغرب لتصدير الغاز النيجيري إلى أوروبا.

◙ الجزائر كانت تتعامل مع مفوض مجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي على أنه منصب حكر عليها

ولا يستبعد المتابعون أن يخرج التوتر بين المفوض النيجيري والمفوض السابق الجزائري شرقي إلى العلن، خاصة أن أديوي يلمّح في كلامه إلى وجود مؤامرة تتحرك في الظل ضد عمله، وفق ما كشفته الرسالة.

وتحمل الرسالة المكونة من ثلاث صفحات، والتي وجهها أديوي إلى مساعديه، عنوان “وثائق عمل لمجلس السلم والأمن”، وهي تشير إلى “عواقب إدارية” خطيرة إذا استمر مسؤولو الإدارة في تجاهل القواعد ولم يكونوا أكثر حضورا في العمل التحضيري.

وكُرّست الصفحة الثانية بالكامل أيضا للعناصر التي يريد المفوض توفّرها من الآن فصاعدا بشكل منهجي في جميع مذكرات المقترحات والاجتماعات والتقارير الموجهة له شخصيا، وكذلك لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، التشادي موسى فقيه محمد.

وانتخب أعضاء المؤسسة البالغ عددهم 55 بالإجماع أديوي خلال مؤتمر رؤساء الدول في فبراير 2021 بأديس أبابا عبرنسبة غير مسبوقة تقريبا في تاريخ الاتحاد الأفريقي.

وعمل مفوض السلم والأمن المنتخب سفيرا لبلاده لدى الاتحاد الأفريقي، وإثيوبيا قبل سنة، وعمل أيضا مدير ديوان لدى رئيس الشراكة الجديدة لتنمية أفريقيا (نيباد)، التي تتخذ من جنوب أفريقيا مقرا لها.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: