تسوية ملف الذاكرة في صلب صفقة غير معلنة بين ماكرون وتبون

البليدي

تباينت ردود الفعل في الجزائر إزاء اعتراف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باغتيال الجيش الفرنسي للمناضل علي بومنجل، لكن هذا الاعتراف أحدث شبه إجماع على أنه جزء من صفقة غير معلنة بين ماكرون والرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون.

وأكد البرلماني السابق كمال بلعربي، أن “اعتراف ماكرون هو مناورة سياسية من أجل إفراغ المطلب الجزائري الشامل المتمثل في الاعتراف والاعتذار من الجزائر من محتواه”.

وشدد بلعربي، الذي قاد جهودا من أجل إنجاح مبادرة تتعلق بتجريم الاستعمار، على أن “الاعتراف بتصفية المحامي والمناضل بومنجل، بعد عقود من تسويق رواية الانتحار، لا يمثل أي خطوة في مسار تسوية الملف التاريخي العالق بين الطرفين، ما دام الأمر يتعلق بقرن وثلث القرن من السياسة الاستعمارية الوحشية وبالملايين من الضحايا من الجزائريين”.

كمال بلعربي: اعتراف ماكرون مناورة سياسية لإفراغ المطلب الجزائري الشامل من محتواه

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد اعترف باغتيال الجيش الفرنسي للحقوقي والمناضل علي بومنجل، بالقول “باسم فرنسا اعترف بأن بومنجل تعرض للتعذيب والقتل، ولم ينتحر كما حاولت باريس التغطية على الجريمة في حينه” ليصبح بذلك أول رئيس فرنسي يقر بذلك.

وذكر في البيان الصادر مساء الثلاثاء عن قصر الإليزيه، بأن “هذه المبادرة ليست عملاً منعزلاً، وأنه لا يمكن التسامح أو التغطية على أي جريمة أو فظاعة ارتكبها أيا كان خلال الحرب الجزائرية”.

وتعهد ماكرون بالقيام بأعمال  وصفها بـ”الرمزية” بهدف تحقيق مصالحة بين البلدين، لكنه استبعد تقديم أي ”اعتذارات” أو ”توبة”، وكان ذلك خلال لقائه مع أحفاد علي بومنجل الذين استقبلهم في مكتبه بباريس.

وأضاف بيان الرئاسة الفرنسية، بأن “بومنجل اعتقله الجيش الفرنسي في خضمّ معركة الجزائر ووُضع في الحبس الانفرادي وتعرض للتعذيب ثم قُتل في 23 مارس 1957، وأنه خلال العام 2000، اعترف بول أوساريس (الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية في الجزائر العاصمة) بنفسه بأنه أمر أحد مرؤوسيه بقتله وإخفاء الجريمة وإبرازها على أنها انتحار”.

وجاءت خطوة الرئيس الفرنسي، في أعقاب التصريح الذي أدلى به الرئيس الجزائري تبون، لوسائل اعلام محلية، أشاد فيها بتوجهات نظيره الفرنسي، وأعاب على ما أسماه بـ”اللوبيات” النافذة وأنها وراء توتر العلاقات بين البلدين وعدم خروجها من إطار التذبذب.

وشدد الرئيس الجزائري، في رد على سؤال حول موقفه من مضمون التقرير الذي أعده المؤرخ بنجامين ستورا، من أجل تسوية الملف التاريخي بين البلدين، على أن “الجزائريين لن يتنازلوا عن الذاكرة”، لكنه لم يبد أي موقف واضح من مسألة تمسك الفرنسيين بعدم الاعتراف أو التوبة.

ولم يستبعد بلعربي، أن تكون خطوة الرئيس ماكرون جزءا من خطوة للملمة الملف بين القيادة السياسية في البلدين، في ظل السكوت الرسمي في بلاده عن محتوى التقرير الذي ساوى حسب رأيه بين “الضحية والجلاد”.

وأكد  بأن “حل البرلمان أنهى مبادرة مشروع تجريم الاستعمار في الظرف الراهن، لكن الفكرة تبقى مستمرة ببرلمانيين آخرين أو بمبادرات أخرى، وأن مشروع العريضة المليونية الشعبية المفتوحة ستتواصل إلى غاية فرض المطلب الشرعي للجزائريين تجاه ما لحقهم من طرف الاستعمار الفرنسي”.

Thumbnail

ويبدو أن الرئيسين الفرنسي والجزائري يسيران في خط تهدئة سياسية يكون قوامه تسوية لملف الذاكرة المشتركة، ولا يستبعد أن يقدم الطرف الجزائري تنازلات في الملف مقابل دعم الإليزيه للسلطة الجديدة في البلاد، وهو ما تجلى من الرسائل التي وجهها سابقا ماكرون لنظيره الجزائري، حول حرص باريس على الوقوف بجانب الرئيس تبون، في المرحلة الاستثنائية التي تمر بها الجزائر.

وأمام تردد باريس حول الخطوات الفرنسية اللازمة في هذا الاتجاه بداية من تسليم جماجم قادة المقاومة الشعبية التي كانت محتجزة في متحف الإنسان بباريس شهر جويلية الماضي، إلى غاية الاعتراف باغتيال الجيش الفرنسي للمناضل علي بومنجل، يتزايد الغضب الشعبي والأهلي في الجزائر من مماطلة باريس في تسوية ملف الذاكرة.

وحسب بيان قصر الإليزيه، فإن “الرئيس ماكرون، استقبل أربعة من أحفاد علي بومنجل، ليخبرهم باسم فرنسا، بما كانت (أرملة الراحل) مليكة بومنجل، تود أن تسمعه؛ (علي بومنجل لم ينتحر، لقد تعرض للتعذيب ثم قُتل)”.

وأضاف بأن، “ماكرون أبلغ ضيوفه استعداد بلاده لمواصلة العمل الذي بدأ منذ سنوات عديدة، لجمع الشهادات وتشجيع عمل المؤرخين من خلال فتح الأرشيف، من أجل إعطاء عائلات جميع المفقودين على ضفتي البحر المتوسط الوسائل لمعرفة الحقيقة، وأن هذا العمل سيتوسع ويتعمق خلال الأشهر المقبلة، حتى نتمكن من المضي قدما نحو التهدئة والمصالحة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: