واشنطن تغادر منطقة الحياد السلبي في قضية الصحراء المغربية

ماموني

يعطي الموقف الأميركي في قضية الصحراء المغربية علامة واضحة على أن الولايات المتحدة وضعت قدما خارج منطقة الحياد السلبي في هذا الملف، وهو ما يشير إلى أن التحول اللافت في السياسة الأميركية تجاه الرباط سوف يرسخ العلاقات الإستراتيجية وينقلها إلى مرحلة أكثر واقعية، وذلك خدمة لمصالح الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والدفع بالمنطقة تدريجيا بعيدا عن مربع الأزمات.

خطت الولايات المتحدة خطوة كبيرة في توثيق علاقتها بالمغرب بعد إعلان الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، أن بلاده تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء وأن اقتراح الرباط الجاد والواقعي بحكم ذاتي هو الأساس الوحيد لحل عادل ودائم من أجل السلام والرخاء.

ووُصف القرار بأنه انتصار دبلوماسي حققه المغرب بعد عقود من التضحيات والنضال لأجل الانتصار لقضية وحدته وسيادته على كافة التراب الوطني.

واعتبرت مصادر دبلوماسية أن واشنطن بهذا القرار تخرج من دائرة الحياد السلبي في ملف الصحراء كونها العضو البارز في مجلس الأمن، والمؤثر في صياغة قراراته في هذا الخصوص. وأشارت إلى أن القرار يعطي المغرب قوة إضافية للذهاب بعيدا في تأمين حدوده دون أي اعتراضات أو مساومات على المستوى الإقليمي والدولي.

وأكد رضا الفلاح، الأستاذ في القانون الدولي، أن قرار ترامب يلزم واشنطن ويندرج ضمن الصلاحيات التي يمنحها الفصل الثاني من الدستور الأميركي للرئيس،  هو أعلى درجات المراسيم الرئاسية ويمتلك قوة القانون الفيدرالي.

وأوضح الفلاح ،أنه وخلافا لما يعتقده البعض، فإن الكونغرس لا يمكنه إلغاء المراسيم الرئاسية، وأقصى ما يمكن أن يقوم به هو سن قانون يصعب من تطبيق المرسوم التنفيذي أو لا يوفر شروط تنفيذه.

نجاح مغربي مستحق

جهود الرباط الدبلوماسية عززت موقفها دوليا وضيقت على جبهة البوليساريو هامش المناورة

قبل توقيع المرسوم، شهدت العلاقات بين الرباط وواشنطن تطورا وثيقا على كافة المستويات في إطار الشراكة الإستراتيجية ومنها التعاون الأمني والعمل المُشترك لمُحاربة الإرهاب، وكانت محط تنويه من ترامب الذي أشاد بجهود العاهل المغربي الملك محمد السادس، حيث قال إن “الشراكة تجد جذورها في قيمنا المتبادلة والتزامنا بمغرب ينعم بالسيادة والاستقرار”.

ويجمع المتابعون على أن اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على صحرائه هو نجاح لدبلوماسية الرباط، وهو ما أكدته البرلمانية ابتسام عزاوي، حيث قالت إن الخطوة تأتي في إطار تراكم دبلوماسي بقيادة الملك محمد السادس والذي يحقق مكاسب كثيرة في قضية الوحدة الترابية توجت بالديناميكية التي تعرفها العيون والداخلة بافتتاح قنصليات لعدة دول بينها الإمارات.

وقالت العزاوي ، إن “القرار دعم كبير لقضيتنا العادلة ويسهم في تعزيز الشراكة الإستراتيجية المغربية – الأميركية المتميزة في مجالات متعددة، وكل الاتفاقيات التي تربطنا بواشنطن تضمن اعترافا بسيادة المغرب على كافة ترابه”.

وعبرت مختلف الفعاليات السياسية والحقوقية والمدنية وممثلو القبائل بالأقاليم الجنوبية عن تثمينهم للقرار التاريخي الذي أعلنته الولايات المتحدة، والذي بموجبه ستفتح واشنطن قنصلية بمدينة الداخلة، وستقوم بمهام اقتصادية لتشجيع الاستثمارات.

واعتبر المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي القرار “تحولا غير مسبوق من أكبر الدول العظمى، وهي مؤثرة في كل القرارات ذات الصلة بموضوع الصحراء”. وقال إن اعتراف واشنطن “قرار سيكون له ما بعده، مما يستدعي تقوية الجبهة الداخلية والاستعداد للتطورات المستقبلية التي قد يفرضها السياق الجديد لقضيتنا الوطنية”.

ويأتي القرار الأميركي بعدما بدت حنكة المغرب الدبلوماسية والعسكرية والسياسية، حيث قام نهاية الشهر الماضي بفتح معبر الكركرات أمام الشاحنات والأفراد في اتجاه موريتانيا ودول غرب أفريقيا بطريقة سلمية ودون أي تداعيات على أمن واستقرار المنطقة، ما جعله محط تنويه من المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس جهة العيون الساقية الحمراء، سيدي حمدي ولد الرشيد، إن الصحراويين يرحبون بالقرار الأميركي الذي يعترف بشكل صريح وكامل بسيادة المغرب وبحقه المشروع على صحرائه، وهو ثمرة العمل الدبلوماسي المتأني والمتبصر الذي يقوده الملك محمد السادس على الأصعدة الأفريقية والعربية والإقليمية.

ابتسام عزاوي: الخطوة الأميركية تتويج دبلوماسي قاده الملك محمد السادس

وبالنسبة إلى الأثر السياسي للقرار على مستوى مواقف القوى الأخرى دوليا وإقليميا، أكد الفلاح أن هذا أمر مؤكد حدوثه بصرف النظر عن حجية هذا القرار قانونيا، فأثره السياسي سيكون حاضرا في سياق زخم ما يحدث الآن، ويؤكد، بما لا يدع مجالا للمراجعة، على مغربية الصحراء في أفق تسوية سياسية للنزاع.

وهنا يشير هشام معتضد، الأكاديمي والمحلل السياسي المقيم بكندا،إلى أن القرار الأميركي، يعتبر دعما سياسيا وتأكيدا شرعيا على مغربية الأقاليم الجنوبية، ويأتي مرفوقا بقرار افتتاح قنصلية أميركية ما سيقوي الدعم القانوني والدبلوماسي على المستوى الدولي لملف الصحراء المغربية.

ردود الفعل

ظهرت ردود فعل محلية ودولية على القرار الأميركي، حيث أن الخطوة تحقق زخما لحملة دبلوماسية من جانب الرباط تزايدت وتيرتها هذا العام ودفعت 17 دولة أفريقية وعربية إلى فتح قنصليات لها في الصحراء المغربية.

وقد جددت كل القوى السياسية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية تشبثها بمغربية الصحراء وبمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد من شأنه وضع حد لهذا النزاع الإقليمي وضمان كرامة سكان المنطقة.

وأشار القيادي بحزب الاستقلال، عادل بنحمزة، إلى أن الاعتراف الأميركي هو استمرار لقناعة كانت عند عدد من السياسيين الأميركيين، وقناعة المغرب أن الأمم المتحدة عاجزة عن حل هذا النزاع المفتعل بعد 45 سنة، معتبرا أن اختراقا بهذا الحجم يعطي المغرب قوة مهمة في تجسيد سيادته على الأرض وستجعل المنطقة بعيدة عن صراعات القوى الدولية.

وكان السفير الأميركي لدى الرباط دافيد فيشر، قد أكد أن “إعلان اليوم يشكل مجرد بداية للعديد من التطورات الهامة القادمة في السنوات المقبلة، ونحن نستمر في تعزيز الشراكة الإستراتيجية بين بلدينا”.

عادل بنحمزة: المغرب حذر جدا في التعامل مع كل مستجدات المنطقة

ومع ذلك، اعتبر ستيفان دوجاريك، الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أن موقف الأمم المتحدة لم يتغير حيال قضية الصحراء بعد قرار واشنطن الاعتراف بالسيادة المغربية عليها، وقال إن أنطونيو غوتيريش “يرى أنه لا يزال بالإمكان التوصل إلى حل على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي”.

ويبدو أن الأمم المتحدة مطالبة الآن وأكثر من أي وقت مضى، وفق معتضد، بالإسراع في طي ملف هذا النزاع داخل إطاره العادل بكل مسؤولية تاريخية، لأن قضية الصحراء باتت تتمتع بشرعية أكبر، كما أن هذا الدعم سترافقه تحولات كبيرة بشأن المقاربة الدولية الشمولية في معالجتها لهذا النزاع المفتعل.

المغرب وإسرائيل

بعد إعلان الديوان الملكي اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، وعزم البلاد إعادة فتح مكتب الاتصال الإسرائيلي، أكد وزير الخارجية ناصر بوريطة، أنه “لطالما كانت بلادنا سباقة في الانخراط في عملية السلام”. وقد كانت سلطنة عمان من بين الدول المرحبة بالخطوة.

وطيلة سنوات، استخدم المغرب علاقاته مع إسرائيل لخدمة السلام في المنطقة، وهو ما يعني، بحسب بوريطة، أن الاتفاق سيدفع تلك العملية خاصة وأن اعتراف ترامب “بسيادة بلادنا على الصحراء المغربية تحول مهم في مسار القضية”.

ويؤكد مراقبون أن تعامل المغرب الرسمي مع إسرائيل واقع، فالزيارات السياحية تتم باستمرار وهناك مبادلات تجارية غير معلنة خاصة في المجال الزراعي، كما أن المغرب سبق له أن فتح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط دون أن يمثل ذلك اختراقا حقيقيا للموقف الرسمي والشعبي المساند لكفاح الشعب الفلسطيني.

ومن خلال ما صدر عن الديوان الملكي من بيانات، يتضح وفق بنحمزة، أن المغرب حذر جدا في التعامل مع المستجدات، وحريص على عدم تقديم الأمر كمقايضة بمواقفه التاريخية تجاه القضية الفلسطينية وأنه قادر على بناء توازن لأن “المغرب كدولة لها تقاليد ولها مسؤولية أخلاقية وسياسية من خلال رئاسة الملك محمد السادس للجنة القدس”، معتقدا أن رد فعل السلطة الفلسطينية لن يكون متشنجا عكس ردود الفعل التي عبرت عنها بخصوص تجارب سابقة.

جددت كل القوى السياسية والاجتماعية بالأقاليم الجنوبية تشبثها بمغربية الصحراء وبمخطط الحكم الذاتي كحل وحيد من شأنه وضع حد لهذا النزاع الإقليمي

ومن وجهة نظر البعض، ومن بينهم الفلاح، فإن الخطوة تضع المغرب في موقع قوة ولا يزيد الموقف التاريخي تجاه القضية الفلسطينية إلا رسوخا انطلاقا من مبدأ عدم المفاضلة بين شرعيتين دافع عنهما المغرب سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا في أحلك الظروف، والحكمة تفرض أن تكون نصرة القضية الفلسطينية وحل الدولتين على أرض الواقع.

وهذا الموقف ذهب إليه الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن، حيث قال ، إن “المغرب حريص على حقوق الشعب الفلسطيني وفقا لقرارات الشرعية الدولية والمحددات الواضحة في موقفه، وبإمكانه استثمار أي تطور ليكون قوة خير ودفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائليين لوضع أسس ومحددات لبناء ثقة تقود إلى الحوار والمساهمة في خلق مناخ مناسب لتحقيق هدف إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية بالتسلسل المطلوب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: