السياحة الأوروبية تخفف القيود تمهيدا لعودة نشاطها

بدأت الحكومات الأوروبية رسميا مراجعة تدابير العزل الصحي على القطاع السياحي مدفوعة بتسجيل خسائر كبيرة في ظل تفاقم المخاوف من تواصل الأزمة وتداعيات ذلك على الاقتصاد، مما سرّع في استئناف نشاط بعض المنتجعات والمرافق السياحية قبل انقضاء الموسم.

اتجهت أوروبا إلى تخفيف تدابير الحظر الصحي وإعادة الحياة إلى القطاع السياحي نظرا إلى جبل الخسائر الاقتصادية التي راكمها الوباء في كل مفاصل الاقتصاد في وقت تشهد فيه السياسات الاقتصادية العالمية مقاربات جديدة تتعايش مع الوضع الوبائي وتضمن المصلحة الاقتصادية.

وفي هذا السياق يسعى كوستاس كوكاس، عمدة جزيرة ميكونوس اليونانية، لإنعاش السياحة التي تمثل شريان الحياة بالنسبة إلى الاقتصاد المحلي.

ونسبت وكالة بلومبرغ إلى عمدة كوكاس قوله “يريد السكان إعادة فتح الجزيرة، ليس فقط لاحتواء الخسائر الاقتصادية، ولكن أيضا لأن السياحة هي حياتنا”، مضيفا “بالتأكيد، لن يكون هذا الموسم طبيعيا، ولكننا نريد إعادة الفتح لأنه سيكون مهما للغاية من أجل المواسم القادمة”.

ويتطلع كوكاس ونظراؤه في الكثير من المدن  في أنحاء أوروبا إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من موسم الصيف بعدما أصاب وباء كورونا مجال السياحة والسفر بالشلل.

وفي ظل تمكن اليونان من السيطرة على الوباء، تتمتع ميكونوس بوضع قوي يسمح لها بالاستفادة من تخفيف القيود التي كانت مفروضة للحد من انتشار الفايروس، على نحو أسرع مما جرى في الدول الأخرى التي كانت أكثر تضررا من الوباء العالمي مثل إيطاليا وإسبانيا.

وأعادت اليونان السبت فتح الشواطئ المنظمة في أنحاء البلاد والتي يبلغ عددها 515، ولكن في ظل شروط صارمة تعطي صورة حول كيفية تغيّر العطلات بعد حقبة كورونا.

وفي أعقاب معركة استمرت شهرين لاحتواء الفايروس، بدأت الحكومات الأوروبية على نحو بطيء تخفيف القيود التي كانت مفروضة على الحياة العامة في إطار مكافحة كورونا، مما أحيا آمال أصحاب الفنادق والمطاعم والحانات. لكنْ تتواصل المخاوف من تفشي الفايروس مجددا.

وتسبب الوباء في ضربة قاسية للسياحة في أوروبا، حيث تراجعت المبيعات بقوة، وصارت الملايين من الوظائف على المحك في قطاع يمثل حوالي 10 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للقارة.

وينتظر أن يتراجع الطلب بنسبة 40 في المئة خلال العام الجاري، وليس من المتوقع أن يعود إلى مستويات ما قبل الأزمة قبل عام 2023، وذلك بحسب ما ذكرته لجنة السياحة الأوروبية، والتي تمثل حوالي 33 منظمة سياحية وطنية.

40 في المئة نسبة توقعات تراجع الطلب على السياحة خلال العام الجاري

وقررت شركات مثل “أي.أي.جي.أس.أي” المالكة للخطوط الجوية البريطانية بريتش أروايز، و”تي.يو.أي.أي جي” الألمانية، التي تعد أكبر شركة عالمية في مجال تنظيم برامج الرحلات السياحية، شطب عشرات الآلاف من الوظائف، في حين أن هناك الكثير من الشركات العائلية الصغيرة التي قد لا تتعافى أبدا.

وقال مدير اللجنة الأوروبية للسياحة إدورادو سانتاندر “إن الأمر كله مسألة وقت حتى تنفد الأموال، وسنشهد حالات إفلاس في أنحاء أوروبا”.

ومن أجل تحفيز إحداث انتعاشة في هذا القطاع نشرت المفوضية الأوروبية، الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، الأسبوع الماضي، مبادئ توجيهية شملت جميع الأمور ذات الصلة، من إزالة القيود الحدودية إلى استخدام تطبيقات التتبع عبر الهواتف المحمولة. ورغم هذا، هناك كثيرون لن يشعروا بأمان كاف للسفر، حتى لو تم تطوير لقاح أو علاج ضد الفايروس، وهو أمر قد يستغرق شهورا، وربما أكثر.

وسيتم تخفيف التداعيات المباشرة للوباء من خلال المساعدات المالية التي تقدمها الحكومات الأوروبية، والتي تشمل دعما لدفع رواتب الموظفين، وضمانات قروض وخفض معدل الضرائب على المبيعات.

ولكن لجنة السياحة تقول إن مستوى الخلل أكثر حدة بكثير مقارنة بتداعيات الأزمة المالية التي شهدتها أوروبا قبل نحو عقد من الزمن، وأنه سيؤدي إلى “تغيرات جذرية” في مجال السياحة.

وعلى ساحل ألمانيا على بحر البلطيق، لا يطيق رينر مالكوس الانتظار إلى حين إعادة فتح أبواب فندقه الفاخر ذي النجوم الخمس، بجزيرة رويجين، ليبدأ في تعويض خسارته التي وصلت إلى مئات الآلاف من اليوروهات.

مساع لتعويض الخسائر الكبيرة للقطاع

أما موظفو الفندق الذي يحمل اسم رومانتيك روفيرز بريفات هوتيل في منتجع مدينة سيلين، فهم منهمكون في الاستعداد لإعادة افتتاحه اليوم الاثنين، حيث يقومون بمسح الدرابزين، وإغلاق ثلاجات الميني بار، وإفراغ 52 غرفة من المواد التي يصعب تطهيرها.

ويقول مالكوس “إنه أمر عظيم أن نستقبل ضيوفنا مجددا، فهذه المنطقة كلها تعتمد على السياحة،” مضيفا أن “الجميع، من المرشدين السياحيين وأصحاب محال الهدايا التذكارية وبائعي الآيس كريم، انتظروا هذه اللحظة طويلا”.

ويتوقع مالكوس أن الألمان الذين عادة ما يسافرون إلى إسبانيا وإيطاليا واليونان خلال الصيف، سيتدفقون على المنتجعات الألمانية في الشمال وعلى بحر البلطيق هذا العام بدلا من ذلك. وفي النمسا، طرح رجال الأعمال مجموعة من الأفكار الجديدة لجذب الزائرين، وبينها تقديم غرف إقامة مجانية وأمسيات لفن الطهي، وجلسات للفلسفة والأدب.

وقال بيتر فيتز، وهو مالك فندق “هيرشين” الذي يعود تاريخه إلى 250 سنة مضت، في مدينة شفارزنبرغ، إن قيمة إلغاء الحجوزات لديه التي تلقاها عبر بريده الإلكتروني منذ منتصف شهر مارس الماضي تراوحت بين 40 و50 ألف يورو يوميا.

وأضاف فيتز “إنه أمر قاس بلا شك، ولكننا شباب ونتسم بالابتكار وسنتجاوز الأزمة، لقد كان العام الماضي جيدا للغاية، ولدينا بعض المدخرات، ولكني مضطر إلى إلغاء التجديدات التي كانت مقررة للغرف”.

أما في سويسرا، فيأمل المسؤولون في أن تعطي صورتها كدولة مسالمة، تتمتع بمناظر جبلية بكر، ميزة تنافسية. وتم إطلاق حملة تسويقية جديدة لزبائن ما بعد الإغلاق، مثل العائلات التي لديها أطفال والتي يتعين عليها الاهتمام بميزانيتها، وأزواج وزوجات فرقت بينهم المسافات، أو آخرين في حاجة إلى استراحة بعد فترة العزل المجهدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: