العيش بوجود الخطر

لست خبيرا صحيا. لكني أعتقد أن الكثير من الحكومات تتصرف بمسؤولية تجاه مواطنيها. الدول المركزية القوية، الدول الديمقراطية الرخوة، والدول شبه الفاشلة، صارت تفعل ما بوسعها لمنع انتشار كورونا. الأوبئة غادرتنا منذ عقود، وصار أطباؤنا وعلماؤنا منشغلين بتفاصيل التفاصيل لأمراض العصر، من سرطان والزهايمر، بعد أن صارت قائمة الأدوية الأساسية التي تعالج أو تشفي الأمراض التقليدية تمتد إلى عشرات الصفحات. لا أحد يفكر بضغط الدم والكوليسترول والسكري والالتهابات العادية. الحبوب جاهزة للعلاج. التعامل مع الأوبئة هو الشيء الجديد والمربك.

من ضمن الإرباك أن لا استراتيجية واضحة للخروج من الأزمة. ففيما عدا العثور على تطعيم وقائي يمنع المرض -بصيغته الفايروسية الحالية وقبل أن يبدأ بالتحول أسوة بكل الفايروسات- لا يبدو أن أحدا لديه حل واضح. مقدّما نعرف أن العلاج لدى الإصابة بعدوى فايروسية شيء محدود. تصاب بالأنفلونزا وتذهب للطبيب، فيقول لك هذا فايروس لا يفيد معه شيء إلا الانتظار. لا توجد مضادات حيوية للفايروس كتلك التي تواجه العدوى البكتيرية. إذا نحن بانتظار اللقاح الواقي.

ما هو المقلق في الأمر؟ أعتقد أن الحجر والعزلة وعزل المصابين وتعقيم الشوارع والأيدي إجراءات فعالة، لكنها وقتية.

لنأخذ مثلا البلد “س”. بلد بزعامة مسؤولة ودولة قوية وفاعلة وبإمكانيات متوفرة وبقطاع صحي متين. أوقف الرحلات وعزل المرضى وحث الناس على العمل عن بعد وأغلق المطاعم وكل أماكن التجمع. رصد الحالات المصابة وبدأ برعايتها، وشن أكبر حملة توعية في تاريخه وعقم كل ركن في المدن. اطمأن الناس ماليا ونفسيا. وبعد شهر أو شهرين، أعلنت السلطات أن البلد خال من الوباء. وبدأت الإشارات تتجمع من العالم بأن الوباء في تراجع وأن الإجراءات بدأت تعطي نتائج ملموسة. النتائج بالطبع هي أرقام استقرائية وإحصائية، وتهمل بالمحصلة الكثير من الحالات التي تتواجد فيها كورونا، لكنها مختفية في جسد إنسان يعتقد أن ما هي إلا رشح بسيط.

يبادر البلد “س” بتخفيف الحظر وتبدأ الحياة تدب في أوصاله، اجتماعيا أولا، ثم اقتصاديا، ثم يعود التواصل مع العالم. بعد شهر أو شهرين من العودة إلى الحياة الطبيعية، يمرّ مسافر يحمل الفايروس من كاميرات رصد ارتفاع حرارة الجسم في المطار، ويدخل البلد. بعد أيام تدق أجراس الإنذار: عودة كورونا.

الآن نطرح تساؤلات مشروعة. هل يعود البلد إلى الإغلاق؟ كم مرة يحتمل الناس الأمر نفسيا وماليا وكم مرة يحتمل البلد تدبير الطوارئ حكوميا واقتصاديا؟ هذه أسئلة تفترض أن الإغلاق الأول لم يستجلب زلازل اقتصادية وأن البلد يمتلك ما يكفي من الأرصدة لتحمل ضغوط توقف الحياة فيه. سنقول أن القماشة الاجتماعية لم تتمزق لبروز حالات تهز التماسك الاجتماعي. لا نريد أن نشير هنا إلى بلاد كثيرة تعيش “من اليد إلى الفم”. بلاد بشعوب تقوم مشاريعها اليومية على الوصول إلى البحر للسباحة إلى الضفة الأخرى بحثا عن أي شيء أفضل.

لا أمتلك الأجوبة بالطبع. ولكن اعتقد أن “الواقع الجديد” يجب أن يؤخذ بالحسبان. كما تتعود المدن على العيش تحت رصاصات القنص والقصف، وربما لسنوات كما شهدنا مؤخرا في سوريا أو قبل سنوات في سراييفو، يجب أن نهيّئ أنفسنا لقبول “العيش بوجود الخطر”. قريبا سيكون الشعار “دع كورونا وعد إلى الحياة”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: