التاريخ تصنعه المؤامرات وكورونا ليس استثناء

البشرية ستخرج منتصرة ضد وباء كورونا؛ سبق لها أن نجت من أوبئة مماثلة. ولسبب أو لآخر، حدثت أربعة من تلك الأوبئة على فترات متباعدة تفصل بين الواحدة والأخرى منها مئة عام تقريبا.

في عام 1720، انتشر الطاعون المضاعف على نطاق واسع، وسُمِّيَ حينها “طاعون مرسيليا العظيم”، وتشير الأرقام إلى أن أكبر عدد من ضحاياه وقع في مدينة مرسيليا، حيث قتل الوباء أكثر من مئة ألف شخص.

ثاني تلك الأوبئة هو الكوليرا، انطلق من بلدان شرق آسيا، تايلاند وإندونيسيا والفلبين، ومنها انتقل إلى دول أخرى، ليتم في عام 1820 تسجيل أكثر من مئة ألف حالة وفاة في آسيا وحدها، وتشير السجلات العلمية إلى أن الكوليرا بدأت من أشخاص شربوا ماء ملوّثا.

آخر وباء سبق كورونا، كان الأنفلونزا الإسبانية عام 1918، التي أصابت أكثر من 500 مليون شخص؛ فقد ما يقارب 100 مليون منهم حياته في جميع أنحاء العالم. وكانت تلك الجائحة الأكثر دموية في التاريخ المسجل.

في كل مرة كانت البشرية تخرج منتصرة، ولكن بعد أن تدفع الثمن غاليا، وهي ستخرج هذه المرة منتصرة، ولكن بأي ثمن؟

الأهم من ذلك، هل كان بالإمكان تلافي هذه الجائحة؟ وما هي الاستعدادات التي اتخذتها الحكومات والدول لمجابهة مثل هذا السيناريو؟

واضح من الارتباك الذي حصل، إثر انتشار كورونا، أن العالم لم يستعد مطلقا لمجابهة مثل هذه الأوبئة، رغم تحذيرات ظهرت على فترات، تحدثت عن كارثة سيتسبب بها انتشار فايروس، صدرت عن  هيئات علمية مرموقة.

نفس الحكومات التي تجاهلت مخاطر، قد تنجم عن تفشي الأوبئة، أقنعت شعوبها بضرورة صرف آلاف المليارات في التسابق على امتلاك أسلحة نووية وأنظمة دفاعية، مروجة لمخاطر حرب نووية كونية.

بأي ثمن ستخرج البشرية منتصرة من وباء كورونا؟

آخر تلك التحذيرات جاء على لسان رئيس منظمة الصحة العالمية السابق، جروهارليم براندتلاند، الذي حذر من أن مرضا، قد يكون نوعا من الأنفلونزا، سينتشر ليعم العالم بسرعة قياسية لا تتجاوز 36 ساعة، ويقتل 80 مليون إنسان، ويدمر ما يقارب 5 في المئة من الاقتصاد العالمي، وفقا لتقرير نشر بتاريخ 18 سبتمبر 2019.

وأصدر مجلس رصد الاستعداد العالمي (GPMB)، وهو فريق من خبراء الصحة، التقرير في محاولة لحث قادة العالم على العمل.

حسب التقرير، لن تقتصر الخسائر على الأرواح البشرية؛ وباء عالمي بمثل هذا الانتشار، سينجم عنه فساد على نطاق واسع، ويهدد الاستقرار والأمن، بينما العالم مرتبك، غير مستعد لمجابهة النتائج المترتبة عليه.

وقال التقرير الذي حمل اسم “عالم في خطر”، إن الجهود الحالية للتحضير لتفشي المرض غير كافية على الإطلاق. ومن بين الفايروسات التي حذر منها التقرير فايروسات الإيبولا، وزيكا، ونيباه وخمسة أنواع من الأنفلونزا.

واختتم التقرير بعبارة قوية جدا: إن “انتشار وباء في جميع أنحاء العالم خطر حقيقي”.

الملياردير الأميركي بيل غيتس، مؤسس شركة “مايكروسوفت”، لفت في مؤتمر، عقد عام 2015، إلى فشل الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، في التعامل مع الأوبئة.

عندما كنت صغيرا، يقول غيتس، كانت الكوارث التي شكلت مصدر قلق لنا، أكثر من غيرها، هي الحروب النووية، لنكتشف الآن أن أكبر خطر يواجهه العالم ليس خطرا نوويا.

“إن كان هناك شيء سيتسبب في قتل أكثر من 10 ملايين شخص، في العقود القليلة القادمة، فهو حتما ليس صواريخ، بل الفايروسات، لقد استثمرنا مبالغ كبيرة فى مجال التسلح النووي، واستثمرنا القليل فى نظام يساعد على منع الوباء، ونحن لسنا مستعدين للوباء القادم”.

وكان غيتس قد أعلن مؤخرا عن اتخاذ قرار للانسحاب من مجلس إدارة “مايكروسوفت” ومجلس مدراء شركة “بيركشاير هاثاواي” الاستثمارية، موضحا أنه يريد التركيز على مشاريع خيرية تتعلق بالصحة العالمية والتنمية والتعليم ومحاربة التغيرات المناخية.

 “انتشار وباء في جميع أنحاء العالم خطر حقيقي”

لا نعلم إن كانت مجرد صدفة، ولكن عاد الرقم عشرون للظهور مجددا، مع وباء كورونا. وقبل ثلاثة أشهر من تفشي المرض في الصين، تنبأ علماء أميركيون، في تحذير تقشعر له الأبدان، بأن فايروس كورونا قد يقتل عشرات الملايين من البشر.

يجب أن نأخذ التحذير على محمل الجد، فهو صادر عن علماء في مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي، قاموا بتطبيق نموذج وبائي افتراضي، كجزء من الأبحاث في أكتوبر الماضي، وتوقعت المحاكاة أن الوباء سيقتل 65 مليون شخص خلال 18 شهرا من تفشيه في العالم عام 2020.

وحتى يوم الاثنين، تسببت جائحة كورونا في مقتل أكثر من 36 ألف شخص، وإصابة أكثر من 768 ألفا.

وقال الدكتور إريك تونر، وهو باحث في جونز هوبكنز، إنه لم يشعر بالصدمة عندما ظهرت أنباء عن انتشار فايروس كورونا في ووهان أواخر ديسمبر الماضي.

واقترحت المحاكاة، التي أجراها الدكتور تونر، أن دول العالم كلها ستشهد بعد ستة أشهر حالات من فايروس كورونا.

وحدد التقرير سلسلة من الإجراءات التي يجب على المجتمع الدولي اتخاذها لحماية الناس، في حال انتشر المرض وخرج عن نطاق السيطرة، ومن بينها التزام الحكومات بتخصيص الأموال الضرورية لوضع الاستعدادات في مكانها والقيام بتجارب محاكاة روتينية.

الرقم الذي وافق عليه مجلس النواب الأميركي مؤخرا، وهو 2.2 تريليون، لمواجهة الأزمة يبدو كبيرا جدا، وهو رغم ذلك رقم مضلل، لأنه مخصص لإنقاذ الاقتصاد الأميركي وليس لمواجهة الفايروس.

لنكتشف معا، كم أن حياة البشر لا تساوي شيئا، مقارنة بالمغامرات العسكرية، الوهمية غالبا.

في الوقت الذي أقر فيه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ميزانية بقيمة 8.3 مليار دولار فقط، لمكافحة فايروس كورونا، وصفها بالعاجلة، ترتفع إلى 50 مليار دولار في حالة إعلان الطوارئ، بلغت ميزانية وزارة الدفاع الأميركية 738 مليار دولار، أي ثمانية أضعاف ما هو مخصص لمكافحة كورونا.

ومع ذلك، عندما نتحدث عن مؤامرة، نوصف بالسذاجة. سيداتي سادتي: أعترف وأقر أني ساذج، وأن في الأمر مؤامرة. التاريخ كله حاصل مجموعة مؤامرات

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: