الكل يريد أن يكون سوريّا على حدود أوروبا

تتسارع التطورات في ما يخص الآلاف من اللاجئين الفارين من حرب إدلب السورية إلى الحدود الأوروبية بعدما فتحت تركيا منذ مدة حدودها مع اليونان ما أشعل حربا سياسية بين البلدين. وفيما تتباين مواقف الاتحاد الأوروبي من هذه الخطوة التركية، دخلت أزمة جديدة على هذا الملف بعدما أظهر اللاجئون الحاملون للجنسية السورية امتعاضهم من جنسيات أخرى كالأفغان وبقية النازحين من باكستان وشمال أفريقيا، حيث بات الكل يتسابق للتظاهر بحمل الجنسية لتوسيع فرضيات إمكانية العبور إلى القارة الأوروبية.

تحوّلت أزمة اللاجئين الفارين من معركة محافظة إدلب شمال غرب سوريا من سياسية بحتة بين تركيا واليونان وبقية دول الاتحاد الأوروبي، لتأخذ منحى آخر جعل من الأزمة الراهنة تنحصر في المعركة بين صفوف اللاجئين.

وفيما واصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأحد، ممارسة ضغوطه على أوروبا وخاصة اليونان بدعوته أثينا إلى إلى فتح أبوابها أمام طالبي اللجوء، مؤكدا أنهم مجرد عابرين إلى باقي الدول الأوروبية، يشكك المراقبون من الأوروبيين في خطوات أنقرة إلى درجة اتهامها بالتحيّل بعدما تبيّن أن غالبية النازحين هم من جنسيات مختلفة وأن نسبة السوريين من اللاجئين تعد أقلية.

ودافعت أثينا على لسان نائب وزير الهجرة اليوناني جورجيوس كوموتساكوس عن الإجراءات التي اتخذتها في مواجهة المهاجرين الوافدين على الحدود اليونانية التركية بعد اتهامها بارتكاب انتهاكات منافية لحقوق الإنسان في حق اللاجئين.

وقال كوموتساكوس لصحيفة “فيلت أم زونتاغ” الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر الأحد، “ما نعايشه خطر على أمننا الوطني وأمن الحدود الأوروبية. كان يتعين علينا إيجاد توازن بين القوانين الدولية وحماية حدودنا. إنه خيط رفيع، ولكنني أعتقد أننا نجحنا في إيجاد حل مناسب”. ومع تصاعد هذا الجدل السياسي، ظهرت أزمة أخرى ترجمتها اعتقادات السوريين المتكدسين على حدود تركيا مع اليونان في أن آمالهم في العثور على ملاذ في الاتحاد الأوروبي تقع تحت رحمة الآلاف من المهاجرين الآخرين الواقفين على الحدود ولهم أوطان آمنة نسبيا.

حرب داخلية

استغلال أزمة اللاجئين السوريين

وعلى الحدود تفوق أعداد الأفغان والباكستانيين عدد السوريين الذين نزحوا من بيوتهم هربا من الحرب الأهلية الطويلة. ويقول السوريون إن أغلب رفاقهم من المهاجرين ركبوا موجة الهجرة لأسباب اقتصادية ويدّعون بعد ذلك أنهم سوريون.

وقال يحيى رئيس (20 عاما) القادم من حلب التي شهدت بعضا من أعنف الاشتباكات خلال الحرب “أشعر بالغضب عندما أقابل أشخاصا من المغرب وباكستان وحتى أفغانستان”. وأضاف “لو أن هناك ألفين أو ثلاثة آلاف سوري فقط فربما كانت اليونان توافق على فتح الحدود. فهم يعرفون أننا لاجئون حقيقيون”.

ويحاول الآلاف من المهاجرين الوصول إلى اليونان منذ قالت تركيا في 28 فبراير إنها لن تحاول إبقاءهم في أراضيها تنفيذا للاتفاق الذي توصلت إليه مع الاتحاد الأوروبي في 2016 مقابل مساعدات أوروبية بمليارات اليورو.

جورجيوس كوموتساكوس: ما نعايشه خطر على أمننا الوطني وأمن الحدود الأوروبية»

وقالت تركيا إنه لم يعد بمقدورها احتواء مئات الآلاف من المهاجرين الذي تستضيفهم وخاصة في ضوء احتمال تدفق المزيد من اللاجئين الفارين من اشتباكات عنيفة في شمال غرب سوريا غير أن اليونان تحاول منع المهاجرين من دخول أراضيها.

في المقابل، وصف ممثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للجمعية الألمانية – اليونانية تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في اليونان بأنه “أولوية رقم واحد”. وقال نوربرت بارتله “يعد ذلك هدفا أعلى لجميع الإجراءات. فقط إذا تسنى لنا تأمين الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، سيكون لدينا ضمان بأن عام 2015 لن يتكرر”، مؤكدا أن ذلك يعد مسألة وجودية بالنسبة للاتحاد الأوروبي.

وأضاف بارتله “إذا لم يستطع الاتحاد الأوروبي التعامل مع هذا الوضع الحرج، سيكون هناك خطر تبدد الثقة في قدرتنا على حماية الحدود الخارجية الأوروبية. إذا لم ينجح ذلك، سيتم إغلاق الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي مجددا، ومن ثمّ قد يخفق نظام شنغن بشكل نهائي”.

يذكر أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن قبل أسبوع فتح حدود بلاده مع الاتحاد الأوروبي أمام المهاجرين، مما أدى إلى اندفاع الآلاف منهم إلى هذه الحدود، ولكن اليونان تصدت لهم بقوة، وهو أمر انتقده حقوقيون.

وأضاف بارتله، الذي يشغل أيضا منصب وكيل الوزارة المعني بالشؤون البرلمانية لدى الوزارة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والتنمية، أن الوضع على الحدود التركية اليونانية مثير للقلق، وقال “من الواضح تماما أنه يتم استخدام اللاجئين كأداة من أجل التوصل لتنازل آخر من الاتحاد الأوروبي عن طريق حركة اللاجئين هذه… لن نترك اليونان بمفردها”.

غضب السوريين

اليونان تحاول تفادي التصعيد

من المقرر أن يجتمع ساسة ورجال أعمال في برلين الاثنين، في مؤتمر اقتصادي ألماني – يوناني، يتوقع أن تشارك فيه المستشارة ميركل ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس. ويتوقع أن يركز اللقاء على الوضع المحتدم على الحدود اليونانية التركية.

ويشعر لبيب مرغي صديق رئيس، بنفس العداء الذي يشعر به صديقه تجاه المهاجرين الآخرين. وقال مرغي (16 عاما) “لا توجد حرب في المغرب ولا في الجزائر ولا في باكستان … حتى في أفغانستان الوضع أفضل من سوريا. اضطررنا للرحيل لأن حكومتنا تريد أن تقتلنا أو تخرجنا من بيوتنا”.

وخرج رئيس ومرغي من المخيم الحدودي لشحن هاتفيهما وتناول الإفطار في مقهى بسيط في قرية كاراجاج حيث يلعب بعض كبار السن الورق.

وفي كشك مجاور، قال مهاجرون من شمال أفريقيا إنهم جاؤوا إلى الحدود دون وثائق هوية حتى يمكنهم ادعاء أنهم سوريون لتعزيز فرص حصولهم على حق اللجوء إذا استطاعوا الوصول إلى الاتحاد الأوروبي. وقال بدر عباسي المغربي “زعماؤنا فاسدون ولذلك لا توجد لنا فرصة في حياة كريمة. إذا استطعت بإذن الله الوصول إلى الاتحاد الأوروبي فسأقول إنني من سوريا وإلا فإنهم سيعيدونني”. وهز رفاقه رؤوسهم موافقين على كلامه وهم يحتسون الشاي.

وقال وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الأربعاء، إن السوريين يمثلون ما بين 20 و25 في المئة فقط من بين 136 ألف مهاجر وصلوا إلى اليونان ويردون الذهاب إلى أوروبا منذ امتنعت تركيا عن منعهم من الرحيل. وبخلاف الرغبة في مستقبل أفضل، يعتقد المهاجرون من أمثال عباسي أن لديهم سببا وجيها آخر للتظاهر بأنهم سوريون.

تهديدات تركية

تهديدات تركية بمزيد من اللاجئين

في ألمانيا، التي تمثل مع السويد الوجهة المفضلة في أوروبا لدى المهاجرين، يحصل كل السوريين تقريبا على شكل ما من أشكال الحماية ويُسمح لهم بالبقاء. غير أن الرفض مصير أكثر من 20 في المئة من طالبي اللجوء الأفغان.

وقال مرغي القادم من مدينة إدلب في شمال سوريا “الكل هنا على الحدودو الأوروبية يريد مستقبلا أفضل”. وأضاف “لكن الناس الذين لهم بلد يعودون إليه عندهم رفاهية لا نقدر سوى على الحلم بها. سوريا انتهت”.

ورغم توصل الرئيسين، الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، في الأيام الأخيرة إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في المنطقة، خلال لقاء جمعهما الأسبوع الماضي، لا يزال مسار الأزمة الحالية للمهاجرين بين تركيا والدول الأوروبية غير واضح. إلا أن مراقبين يتوقعون استمرار التصعيد لفترة.

وهدد وزير الداخلية التركي سليمان صويلو بأن التدفقات الحالية للمهاجرين “مجرد بداية” وأن العدد سيرتفع بشكل كبير.

وقال صويلو إن عدد المهاجرين الذين دخلوا اليونان تجاوز 143 ألف شخص، غير أنه لا يمكن التحقق بشكل مستقل من الأرقام من مصدر آخر. وعلى الجانب الآخر، تؤكد اليونان أنها لن تسمح لأي مهاجر بدخول البلاد بأي شكل، سواء برا أو بحرا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: