فايروس كورونا.. الغموض سيّد الموقف

الجميع يتحدث عن حجم الخسائر التي ستلحق بالاقتصاد العالمي جراء انتشار فايروس كورونا. كتب حول ذلك الكثير، ولكن ما كتب حتى اليوم، يزيد الفايروس غموضا ترجم إلى مخاوف دفعت بصغار المستثمرين إلى بيع أصولهم، تجنبا لانهيار كبير في أسواق المال.

الإشاعة هي ما ينتظره عادة المستثمرون الكبار، وهي عندما تتحول إلى خبر تفقد جدواها، وبعد مرور أكثر من شهرين على صدور أول خبر يؤكد وجود إصابات بالفايروس، ما زالت الإشاعة سيدة الموقف.

الإشاعة نفسها تتغذى على الغموض، والغموض هو السائد اليوم، غموض في المصدر، ومدى خطورة المرض، ونسبة الذين يفقدون حياتهم نتيجة الإصابة به، والأهم من ذلك كله هو الغموض في العلاج، وماذا تنتظر الشركات لتعلن أين وصلت في أبحاثها للعثور على علاج أو لقاح للفايروس؟

كيف يستثمر الكبار الإشاعات ومخاوف الصغار ويحولونها إلى أرباح؟

لا شيء يثير الريبة في خفض معهد التمويل الدولي لتوقعاته للنمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، وتحذيره من أن النمو العالمي قد يسجل أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية.

وقال المعهد إن التأثير الاقتصادي لتفشي فايروس كورونا، سيطيح بالنمو العالمي في 2020 ليقترب من واحد في المئة، وهو ما يقل كثيرا عن نمو بنسبة 2.6 في المئة في 2019، ويمثل أضعف نمو منذ الأزمة المالية العالمية.

وقال خبراء الاقتصاد لدى المعهد في تقرير “نطاق النتائج المحتملة كبير ويعتمد على انتشار الفايروس والتبعات الاقتصادية الناجمة، وكلها أمور تكتنفها ضبابية مرتفعة في هذه المرحلة”.

بيل غيتس حذّر قبل عام من انتشار وباء ينطلق من الصين، ودعا العالم إلى أن يستعد للأوبئة بنفس الطريقة الخطيرة التي يستعد بها للحرب

الغموض إذاً سيّد الموقف، وهذا يشكل فرصة لازدهار الشائعات، ويدخل الرعب إلى قلوب صغار المستثمرين، فيسارعون إلى بيع ما يمتلكونه قبل أن يمحى رأسمالهم الصغير، والكبار سيبيعون جزءا، ليؤكدوا بذلك المخاوف، ويدفعون المزيد من الصغار للتخلي عن أسهمهم.

تحدث الهزة في أسواق المال، بخروج الأموال منها، ليشتري المستثمرون بها في مثل هذه الظروف المعادن الثمينة، الذهب خصوصا.

لم تكتف وسائل الإعلام، في حديثها عن كورونا، بالنقل عن الجهات الرسمية والمؤسسات الحكومية، بل استعانت أيضا بالمنجمين والعرافين، الأحياء منهم والأموات على حد السواء.

أشهر من استعانت بهم وسائل الإعلام من المنجمين، عرافة بلغارية ضريرة عادت إلى الواجهة؛ رغم رحيلها عن عالمنا منذ 23 عاما.

العرافة، فانجيليا بانديفا جوشتيروفا، الشهيرة بلقب “بابا فانجا”، زعمت وسائل إعلام أنها تنبأت بانتشار الفايروس، وأنها ذكرت قبل وفاتها بفترة قصيرة بعض التنبؤات للعام 2020، وكانت جميعها سيئة، وتنذر بكوارث كبيرة. توقعت فانجا أن تفشي فايروس في بداية 2020، سيؤدي إلى الإصابة بمرض خطير ينتشر في العالم بأكمله، وستدخل جميع مؤسساته (العالم) في تحدٍّ كبير، وخسائر لا تُحصى. وزعم المصدر أن العرافة أكدت أن المرض لن يكون له علاج.

“كذب المنجّمون ولو صدقوا” وليست فانجا سوى عرافة، إن صدقت بعض نبوءاتها، فإن ذلك مجرد صدفة بحتة.

ولكن ماذا عن توقعات عملاق مايكروسوفت بيل غيتس، التي وصلت حد النبوءة، وحذر فيها قبل عام من انتشار وباء ينطلق من الصين، يمكن أن يؤدي إلى مقتل 33 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، في الأشهر الستة الأولى من انتشاره؟

وكان غيتس قد قال خلال حديث في مؤتمر استضافته الجمعية الطبية في ولاية ماساتشوستس، إنه متفائل، لكن هناك مجال واحد لم يحقق فيه العالم الكثير من التقدم، هو “الاستعداد للوباء.. في حالة التهديدات البيولوجية، هذا الإحساس بالإلحاح غير موجود.. وعلى العالم أن يستعد للأوبئة بنفس الطريقة الخطيرة التي يستعد بها للحرب”، وذلك وفقا لتقرير نشرته صحيفة “ذا صن” البريطانية.

وخلال المؤتمر، كشف غيتس عن دراسة شاملة قام بها معهد نمذجة الأمراض، وأوضحت الدراسة مدى سرعة انتشار مرض جديد، وكيف يمكن أن يحدث انتشار محتمل لفايروس في الصين بسرعة فى جميع أنحاء الكوكب.

هل ينتظر العالم يوم القيامة؟

لن نفاجَأ بعد بضعة أشهر من اليوم، أن يتم الإعلان عن اكتشاف علاج لكورونا، وغالبا ما يكون كبار المستثمرين بما يمتلكونه من مصادر للمعلومات على علم مسبق بذلك

300 مليون تلميذ انقطعوا عن الدراسة، والرقم آخذ في الارتفاع. ولاية كاليفورنيا الأميركية تعلن حالة الطوارئ، وتحتجز ركاب سفينة تجارية في عرض البحر، بعد الاشتباه بإصابة عشرين منهم بالفايروس.

اليابان تفرض حجرا صحيا لأسبوعين على جميع المسافرين القادمين من الصين وكوريا الجنوبية بسبب الفايروس. وأعلن رسميا عن تأجيل زيارة الدولة التي كان يفترض أن يقوم بها الرئيس الصيني شي جينبينغ، إلى اليابان في الربيع.

وأجّل مؤتمر أفريقيا للمدراء التنفيذيين الذي كان سيعقد في أبيدجان، عاصمة ساحل العاج، يومي 9 و10 مارس ويجمع 1800 مسؤول اقتصادي وسياسي. وأعلنت روسيا إلغاء المؤتمر الاقتصادي الرئيسي في سان بطرسبرغ.

قطاع النقل الجوي قدّر حجم الخسائر التي ستلحق به نتيجة للفايروس بـ133 مليار دولار هذا العام، وفق الاتحاد الدولي للنقل الجوي (اياتا)، بعد أن علقت شركة “فلاي بي” الجوية البريطانية أنشطتها بعد ارتفاع كلفة تراجع حركة النقل الجوي العالمي بسبب فايروس “كوفيد-19”. وألغت شركة “لوفتهانزا” جزءا من رحلاتها، وألغت شركة “تاب” البرتغالية أكثر من ألف رحلة.

إيطاليا، التي توفي فيها 41 شخصا بسبب الفايروس، في الساعات الأربع والعشرين الماضية، أعلنت خطة بكلفة 7.5 مليار يورو لمواجهة الوباء وتداعياته الاقتصادية. وقررت إلى جانب ذلك منع حضور الجمهور في المسابقات الرياضية، واتخذ المغرب قرارا مماثلا.

على الصعيد العالمي، قد تتسبّب الأنفلونزا في حدوث نحو ثلاثة إلى خمسة ملايين إصابة شديدة ينجم عنها عدد من الوفيات يتراوح بين 250 ألفا و500 ألف وفاة.

وفي البلدان الصناعية تُسجّل معظم الوفيات المرتبطة بالأنفلونزا بين الأشخاص البالغين من العمر 65 سنة فأكثر. وتتسبب الأوبئة في مستويات مرتفعة من الغياب عن العمل والدراسة، وفي خسائر كبيرة في الإنتاجية.

قد يتبادر للذهن فورا أن الكلام السابق يتعلق بوباء كورونا، ولكنه في الحقيقة يتعلق بالأنفلونزا الموسمية، بناء على معطيات منظمة الصحة العالمية، وهي أرقام تبدو متقاربة مع ما نشر حول الإصابة بفايروس كورونا.

كيف تقتل الأنفلونزا؟

يجيب أميش أدالجا، طبيب الأمراض المُعدية بمركز الأمن الصحي بجامعة جونز هوبكنز، على هذا السؤال بطريقة مبسطة، فيقول “الوفاة بسبب الأنفلونزا، ليست كالوفاة بسبب الإصابة بطلق ناري، أو بسبب لدغة عنكبوت؛ وجود الفايروس في حد ذاته داخل الجسم، ليس هو ما يقتل، ولكن تفاعلات الأمراض المُعدية المعقدة مع الجسد المضيف هي ما يقتل”.

فور دخول الفايروس إلى الجسم؛ عبر العينين أو الأنف أو الفم، يستحوذ على الخلايا البشرية ليقوم بنسخ نفسه. وهذا التجمع الفايروسي الهائل يثير رد فعل قويّ من الجهاز المناعي، لتندفع خلايا الدم البيضاء والأجسام المضادة لمواجهة التهديد والقضاء عليه، لاسيما في الجهاز التنفسي والرئتين التي غالبًا ما يستوطنها الفايروس. في بعض الأحيان يكون رد فعل الجهاز المناعي مفرط القوة، فيُتلف الكثير من الأنسجة في الرئتين، حتى إنها تصبح غير قادرة على توصيل كمية كافية من الأكسجين للدم فتحدث الوفاة”.

وتقدِّر كاثلين سوليفان، رئيسة قسم الحساسية والمناعة في مستشفى فيلادلفيا للأطفال، أن حوالي ثلث حالات الوفاة لأسباب مرتبطة بالأنفلونزا سببها أن الفايروس تغلَّب على الجهاز المناعي، والثلث الثاني سببه الاستجابة المناعية لعدوى بكتيرية ثانوية غالبًا في الرئة، والثلث الأخير سببه فشل عضو أو أكثر من أعضاء الجسم.

وتشير بعض الدراسات إلى أن معظم من قضوا نحبهم أثناء وباء الأنفلونزا الذي اجتاح العالم عام 1918، ماتوا بسبب عدوى بكتيرية لاحقة. غير أن السلالات الأكثر فتكًا من الفايروس، لديها وحدها القدرة على التغلُّب على الجهاز المناعي.

ويضيف أدالجا “تقول الفرضية إن السلالات الفتاكة تثير استجابة التهابية أقوى. ويعتمد الأمر أيضًا على الفئة العمرية التي تتعرض للإصابة. ففي عام 2009 كان معظم المصابين من الشباب البالغين، ورأينا حينها العديد من حالات الالتهاب الرئوي الفايروسي الأولي”.

خلال المواسم المعتادة، تكون معظم حالات الوفاة المرتبطة بالأنفلونزا بين الأطفال والمسنين، وبينما يكون الجهاز المناعي للأطفال بسيطًا لا يستجيب على النحو الأمثل، يكون الجهاز المناعي للمسنِّين ضعيفا بفعل عوامل السن والأمراض الأخرى.

ووفق منظمة الصحة العالمية، فإن الفئات الأكثر عرضةً للإصابة بمضاعفات قاتلة، الحوامل والأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و59 شهراً، والمسنون فوق 65 عاما، والأفراد المصابون بأمراض مزمنة معيّنة مثل الإيدز، والربو، والأمراض القلبية أو الرئوية المزمنة، والعاملون في مجال الرعاية الصحية.

ما الذي يجعل كورونا أكثر خطورة من الأنفلونزا الموسمية، وهل هو فعلا أشد خطورة؟

Thumbnail

كشفت دراسة شاملة لأكثر من 72 ألف حالة مؤكدة ومشتبها فيها لفايروس كورونا الجديد من قبل علماء صينيين عن معلومات جديدة حول العدوى القاتلة التي أدت إلى توقف جزء كبير من البلاد.

تُعد الدراسة، التي أجراها فريق من الخبراء في المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، ونُشرت في المجلة الصينية لعلم الأوبئة، أكبر وأشمل فحص لحالات فايروس كورونا يجرى حتى الآن.

وقد وجدت أن فايروس كورونا الجديد أكثر انتشاراً من الفايروسات ذات الصلة التي تسبب فايروس “سارس” ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية “ميرس”.

ومن أصل 44672 حالة مؤكدة، قال مركز السيطرة على الأمراض الصيني إن هناك 1023 حالة وفاة، بمعدل وفيات قدره 2.3 في المئة، وهو ما يتماشى مع الدراسات والتوقعات الأخرى.

وبالمقارنة، كان معدل وفيات “سارس” 9.6 في المئة، خلال تفشي عام 2003، بينما فايروس “ميرس” تسبب في حالات وفاة بلغت 35 في المئة، ويبلغ معدل وفيات الأنفلونزا الموسمية، وهي معدية للغاية وتؤثر على عشرات الملايين من الناس، حوالي 0.1 في المئة، وفقاً لتقديرات صادرة عن المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض.

الأرقام المبكرة قد لا تروي القصة كاملة، حسب الخبراء، وقد تنخفض معدلات الوفيات عندما يكتشف المسؤولون الحالات الأكثر اعتدالاً، والتي لا تتطلب الرعاية الطبية.

وقال الدكتور أنتوني فوشي، مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية “إحساسي وشعور العديد من زملائي، هو أن معدل الوفيات في نهاية المطاف أقل من 2 في المئة. ما لا يحسب على الأرجح هو وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يعانون من أعراض أو لديهم أعراض بسيطة، لذلك من المرجح أن يكون قاسم المعادلة أكبر بكثير”.

وأضاف “لذلك أعتقد أن النسبة القصوى تبلغ 2 في المئة، ومن المرجح أن تنخفض عندما يتم إجراء جميع عمليات العد إلى 1 في المئة، أو أقل”، مشيرا إلى أن “هذا لا يزال كبيرا إذا نظرت إلى احتمال أن تتعامل مع وباء عالمي”.

ونظرا لأن فايروس”كوفيد- 19” قد أصاب أشخاصا أكثر بكثير من الفايروسات التي تسببت في الإصابة بمرض “سارس” و”ميرس”، فقد تجاوز عدد الأشخاص الذين توفوا بسببه، عدد حالات الوفيات التي تسبب بها “ميرس” و”سارس”.

وأودى تفشي “سارس” بحياة 774 شخصا، بينما تسبب “ميرس” بوفاة 828 شخصا منذ عام 2012.

ومع ذلك، تؤدي الأنفلونزا إلى وفاة عدد أكبر بكثير من جميع هذه الفايروسات مجتمعة، فهي تتسبب بوفاة عشرات الآلاف من الناس في الولايات المتحدة سنويا.

وبينما انخفض عدد الحالات الجديدة المبلغ عنها في الصين وبعض البلدان الأخرى، نبهت منظمة الصحة العالمية إلى ضرورة تحليل البيانات الجديدة بحذر.

لن نفاجأ بعد بضعة أشهر من اليوم، بأن يتم الإعلان عن اكتشاف علاج لكورونا، أو تكشف جهات علمية أن كورونا ليس بالخطورة التي وصف بها، وغالبا ما يكون كبار المستثمرين، بما يمتلكونه من مصادر للمعلومات، على علم مسبق بذلك، ليسارعوا بتحريك أموالهم إلى سوق الأسهم التي تباع بسعر منخفض.

يتنفس الجميع الصعداء، وتسترد الأسواق ما خسرته، مع زيادة معتبرة، وتتحول الخسائر الجزئية التي مني بها الكبار إلى أرباح مجزية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: