كورونا تفرغ الشوارع ورفوف المتاجر والأسواق

أظهر المواطنون في مختلف الدول العربية تباينا في التعامل مع انتشار فايروس كورونا المستجد، فعلى الرغم من تراجع العديد من الأنشطة والفعاليات وخلوّ بعض الشوارع من الأهالي والسياح، اتخذ التفاعل في الشوارع العربية طابع السخرية والاستهزاء، لا الخوف والفزع.

عواصم عربية – لم يعد للعالم سيرة غير الحديث عن فايروس كورونا المستجد الذي أجبرت سرعة انتشاره أغلب الدول على تبني عادات وسلوكيات جديدة توقّيا من الإصابة به.

وأدى الخوف من الفايروس إلى خلوّ الشوارع والساحات من الازدحام ومن السياح في الكثير من الدول، إلى جانب تعليق العديد من التظاهرات الثقافية والرياضية، كما أن تصاعد المخاوف من كورونا دفع إلى شح حاد وغلاء في أسعار المستلزمات الطبية.

شوارع بلا ازدحام ولا سياح

شهدت الحياة اليومية في بعض الدول العربية تحولا جذريا عن مسارها الطبيعي الذي عهده المواطنون، بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتبعتها أغلب السلطات للحد من انتشار الفايروس.

ويحاول الناس التعايش مع مشاهد غير اعتيادية، أملا في أن تمرّ هذه السحابة الصحية العالمية بأقل الخسائر المتوقعة.

سرعة انتشار فايروس كورونا واتساع نطاقه ليشمل عشرات البلدان في حيز زمني قصير جعلا ردود الفعل في بعض الدول تتسم بلامبالاة وسخرية

وخلت المدن السياحية من الزائرين، حيث تحولت بيت لحم، مهد السيد المسيح عليه السلام، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، إلى مدينة فارغة من السياح عقب إعلان إصابة 7 فلسطينيين بالفايروس.

وبدت ساحة كنيسة المهد، التي تعد أهم موقع ديني مسيحي في العالم، ويعتقد أنها شيدت على المغارة التي ولد فيها السيد المسيح عليه السلام، فارغة، وأغلقت أبوابها بقرار من كافة الطوائف المسيحية، استجابة لتوصيات وزارة الصحة الفلسطينية.

وأصبحت شوارع المدينة فارغة، وأغلقت المحال التجارية، وكافة المساجد، ولم تقم صلاة الجمعة فيها، كما أوصدت فنادق المدينة أبوابها أمام السياح، وألغيت كافة الحجوزات.

وأمام فندق الجدار ببيت لحم، الذي شيده فنان الغرافيتي البريطاني بانكسي، ارتدى تمثال لقرد عامل يحمل حقائب، كمامة طبية.

وقال طريف عاشور، الناطق باسم وزارة السياحة الفلسطينية “بدأنا إجراءات مشددة في محافظة بيت لحم، وتبعها إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية للحد من انتشار الفايروس، وتشمل إغلاق المدارس والجامعات والمعاهد”.

وفي السعودية قررت السلطات إبقاء صحن الكعبة مغلقا طوال فترة تعليق العمرة، خشية وصول كورونا لأقدس المواقع لدى المسلمين، في خطوة “احترازية” نادرة تأتي بعد إعلان المملكة تعليق أداء مناسك العمرة.

شوارع خالية

وتداول النشطاء على المواقع الاجتماعية صورا لساحة الكعبة الشريفة وهي خالية، إلا من العمال القائمين على تعقيم المكان، ما أثار موجة من الاستياء.

أما في الكويت فقد طالت الإجراءات الاحترازية ضد كورونا، المقاهي إذ قررت وزارة الصحة منع الشيشة فيها، بالإضافة إلى مطالبتها جميع العاملين في صالونات الحلاقة الرجالية والنسائية والنوادي الصحية والرياضية والاجتماعية بتوفير “بيئة صحية”، وذلك بالالتزام بوسائل الوقاية الشخصية من استخدام القفازات والكمامات، واستخدام المطهرات والمعقمات.

ولم يتوقف تأثير كورونا على المقاهي، بل شمل أيضا المطاعم بجميع أنواعها التي شهدت مبيعاتها نسب تراجع عالية وصلت إلى 35 في المئة.

وتقلص عدد المراجعين للمستوصفات، وسط خشية من أن تنتقل الإصابة بالفايروس إليهم فيها، كما تم تعطيل الدراسة.

ارتفاع الأسعار

هجوم على المواد الغذائية

تسبب الفايروس في تفاقم الأوضاع الاقتصادية، حيث أدى إعلان الكثير من الدول عن تسجيل إصابات بكورونا إلى الرفع في أسعار الكمامات الواقية إلى أكثر من ضعفي السعر الأساسي.

ودفع ذلك وزارة التجارة والصناعة الكويتية إلى التدخل سريعا وإصدار قرار بتحديد سعرها، إضافة إلى شن حملات تفتيشية على الصيدليات والأسواق وإغلاق العشرات من الصيدليات المخالفة.

كل هذه الإجراءات، لم تستطع توفير الكمامات مع زيادة الطلب عليها، ما اضطر الكويت إلى استيراد 3.5 مليون كمامة لتوزيعها على المواطنين، وفق الإعلانات الرسمية.

كما أن ازدياد الطلب على الكمامات، انسحب إلى المواد المعقّمة التي أصبح وجودها نادرا في الجمعيات والأسواق، وسط محاولات توفيرها من الحكومة.

ومع كل يوم جديد بعد ظهور كورونا، أصبح وجود المعقمات في الأسواق والدوائر الحكومية أمرا طبيعيا وضروريا أيضا، إذ وفرت الدوائر الحكومية المعقمات في مداخلها وفرضت على الجميع استخدامها احترازيا.

كما أن قرار الصحة الكويتية منع الشيشة ترجمته بلدية الكويت بتنفيذ حملات سريعة لإغلاق المقاهي المخالفة والتأكد من تنفيذ قرار المنع، الذي رأى فيه أصحاب المقاهي خسارة مؤكدة.

وقال أحمد أبوشام، مواطن سوري مقيم في الكويت، إن أسعار الشيشة ولوازمها من معسل وغيره ارتفعت كثيرا في المحلات التي تبيعها كون معظم من يدخنونها لجأوا لشراء شيشة خاصة بهم لتدخينها في المنزل.

الكعبة بلا طواف

وفي قلب العاصمة الليبية طرابلس وتحديدا في منطقة طريق السكة، حيث تتواجد أكبر شركات استيراد الأدوية والمستلزمات الطبية، تعج المنطقة بالزبائن بشكل غير مسبوق، ومعظم المشتريات خلال الأسابيع الماضية، ترتكز على القناع الواقي والقفازات الطبية والمنتجات الكحولية الطبية والمعقمات.

وبات محمود الغويل، مالك إحدى الصيدليات في طرابلس، يأتي إلى هذا المكان منذ 15 عاما، لشراء الأدوية والمستلزمات الطبية لصيدليته، يشعر بالضيق عند تواجده هنا، بفعل الازدحام غير المبرر للتجار والزبائن والتهافت على شراء معدات طبية مرتبطة بالوقاية من خطر الإصابة بكورونا.

ووفقا لوكالة الأنباء الصينية (شينخوا)، قال الغويل “مستاء من حالة الغلاء التي ترافق عددا كبيرا من الأدوية وخاصة المستلزمات الطبية مثل الأقنعة والقفازات والبدل الطبية”.

وتابع “لقد قفزت أسعار بعض المنتجات إلى 10 أضعاف، حيث يأتي السماسرة لشراء كل ما أمكن من المعدات المرتبطة بكورونا، ليبيا لم تسجل فيها أي حالة رسميا، كيف سيكون الحال إذا سجلت أول إصابة؟ أعتقد أن السوق ستصبح فارغة خلال دقائق”.

ووصف خالد المهني، مدير شركة لاستيراد المعدات الطبية، هذا التهافت بأنه “طبيعي”، نظرا لانتشار رقعة الفايروس في العالم خاصة في دول مجاورة لليبيا.

وأضاف “عندما كان الفايروس في مراحله الأولى في الصين، لم يكن هناك اهتمام من التجار وأصحاب الصيدليات لاقتناء المعدات الطبية من أقنعة وقفازات، لكن بمجرد تسجيل حالات إصابة بكورونا في تونس والجزائر ومصر وهي دول ترتبط ليبيا معها بحدود مشتركة، ساد الخوف والهلع بين الناس، وصار الطلب غير مسبوق”.

ويواصل فايروس كورونا الانتشار في العديد من الدول خارج الصين، وتم تسجيل إصابات في 12 دولة عربية حتى الآن.

إجراءات احترازية

وتابع المهني “يقوم الناس والتجار على حد سواء بشراء الأقنعة المخصصة والقفازات والمعقمات، وعمليات الشراء الضخمة خلال الأسابيع الماضية، تؤكد أن الناس يقومون بتخزينها في منازلهم، استعدادا لانتقال الفايروس إلى ليبيا، وباعتقادهم أن السعر سيرتفع أكثر، وربما ستختفي من السوق تماما”.

ويأتي هذا التهافت مشفوعا بالاتعاظ من دول الجوار، تونس والمغرب والجزائر التي شهدت قبل تسجيل كل منها إصابات بالفايروس، ارتفاعا في أسعار الكمامات وفقدانها في جل الصيدليات والأسواق.

وشهدت الفضاءات التجارية الكبرى تزاحما على المنتجات الغذائية ومواد التعقيم، على الرغم من عدم انتشار الفايروس في دول المغرب العربي الثلاث بعد بكيفية تثير الجزع وتدفع إلى إجراءات احترازية تمنع المواطنين من ممارسة حياتهم بالكيفية المعتادة.

السخرية في مواجهة الخوف

سخرية في مواجهة الفايروس

أوجد المغاربة والتونسيون طريقة لمواجهة الخوف من كورونا، حيث اتخذ الشعب المغربي لغة تعبير تختلف عن ماهية الحدث، كوسيلة للتفاعل، بعد تسجيل المغرب لأول حالة إصابة بالفايروس، الإثنين الماضي، لمواطن عاد من إقامته في إيطاليا.

إذ انتشرت عقب الإعلان عن الحالة المنشورات والتغريدات الساخرة على منصات التواصل الاجتماعي، بل إن الأمر تطور إلى انتقال بعض المواطنين إلى المستشفى الذي استقبل المصاب بالفايروس لمشاهدة “المشهد”، بحسب الإعلام المحلي.

ويعتبر طابع السخرية من الأحداث اليومية، الاجتماعية والسياسية وغيرها، حالة عامة تسود صفحات التواصل الاجتماعي ولا تقتصر فقط على شعب معين، حيث تلقى هذه الطريقة في التعبير قبولا من بعض الناشطين، ورفضا من البعض الآخر.

ففي الوقت الذي اعتبر فيه ناشطون أن الأمر “عادي” بسبب خصوصية الشعب المغربي، انتقد آخرون السخرية من الوباء وعدم احترام أهالي المصاب.

وانتقدت الإعلامية المغربية، إحسان كراوي، في تدوينة لها على صفحتها الرسمية بفيسبوك السخرية من كورونا قائلة “لم أفهم كيف أن فايروس كورونا خلق خوفا ورعبا عند الناس حول العالم وعندما وصل إلى المغرب جعل منه المواطنون مصدرا للضحك والسخرية”.

وقال الباحث المغربي يحيى عالم “حينما تتوجه شريحة من الناس إلى السخرية في زمن الوباء، فإن الأمر جلل وخطير”.

مخاوف من تفشي الفايروس

وأضاف في تدوينة له على صفحته بفيسبوك “هناك حدود ينبغي ألا يتجاوزها المرء، والحقيقة أن بلدنا المغرب عاش زمنا طويلا بعيدا عن القلاقل الاجتماعية والاضطرابات والحروب والأوبئة، برأيي فإن ما حدث يبطن تحولا ثقافيا هو نتيجة لعدة عوامل، والتحول في المنحى الثقافي والقيمي بطبيعته ممتد في الزمن”.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل أطلقت مجموعة كوميدية تدعى “سكيزوفرين”، أغنية حول كورونا بشكل هزلي.

وعبّر مواطنون آخرون عن خوفهم إزاء تطورات الفايروس، خصوصا في ظل ضعف البنية التحتية لقطاع الصحة في البلاد.

وبين الخوف والسخرية، يسود ترقب داخل الرأي العام المغربي، بسبب الإجراءات الحكومية المتسارعة من جهة، ومن سرعة انتشار الوباء على المستوى الدولي من جهة أخرى، خصوصا أن ثالث أكبر جالية مغربية في الخارج توجد في إيطاليا، وأن الإصابتين اللتين سجلتا في البلاد (حتى الخميس) كانتا لمواطنين عادا من إيطاليا.

وأعلنت السلطات المغربية، الخميس، تسجيل ثاني إصابة بالفايروس لمواطنة عائدة من إيطاليا. وفي ظل هذه التطورات، ألغت البلاد عددا من الملتقيات الدولية والوطنية، بالإضافة إلى تنظيم مباريات الكرة بدون جمهور.

ولا تكاد الأوضاع في الجارة تونس تختلف عن نظيرتها في المغرب، إذ اتسمت ردود الأفعال الشعبية بمزيج متضارب من الهلع واللامبالاة والسخرية، منذ إعلان أول إصابة بالوباء بالبلاد.

ردود تباين منسوبها منذ إعلان الصين في ديسمبر الماضي، ظهور الفايروس المستجد لأول مرة، لتبلغ ذروتها عقب الإعلان رسميا، الاثنين، عن تسجيل أول إصابة في تونس وسط تطمينات رسمية بأن الوضع “تحت السيطرة”.

احذروا الحيوانات

سرعة انتشار الوباء واتساع نطاقه ليشمل عشرات البلدان في حيز زمني قصير جعل حالة الخوف في تونس تسبق وصوله، وإن لم تخلُ ردود الفعل أيضا من لامبالاة من قبل البعض، فيما واجه البعض الآخر الوضع بالتهكم والسخرية.

وحفلت الصفحات الفيسبوكية بالصور والتعليقات الساخرة التي حمل بعضها نصائح توعوية اتخذت شكلا هزليا لا ينم عن حالة استنفار أو خوف من الفايروس، بل إن عددا من النشطاء التونسيين قاموا بتشخيص الفايروس بتصوير فيديوهات لأنفسهم مستعينين بخاصيات تطبيق “تيك توك” ظهروا من خلالها في حوارات طريفة مع كورونا.

وتعتبر مصر من أكثر الدول التي تفنن مواطنوها في ركوب الحدث العالمي بتأليف وتلحين أغان تسخر من الفايروس، في الوقت الذي ما تزال سلطات بلادهم تصر فيه على عدم تفشي كورونا بالشكل المثير للقلق.

وفي الوقت الذي تتعامل فيه شعوب الدول العربية بسخرية واستهزاء مع المرض وتحين فرص الربح السريع، تكافح بعض المختبرات الأوروبية والصينية من أجل تطوير لقاح أو علاج لمواجهة كورونا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: