زحف دبلوماسي أفريقي على الصحراء المغربية

مع كل يوم جديد تتسع دائرة الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ومن أبرز تجليات هذا الاعتراف فتح عدد من الدول الأفريقية قنصليات لها في مدينتي الداخلة والعيون، أكبر مدن الصحراء المغربية، ضمن توجه يصاحبه في المقابل تراجع عدد الدول المعترفة بـ”الجمهورية الصحراوية” المزعومة.

افتتحت، خلال الأشهر الماضية، قنصليات لكل من جمهورية جزر القمر وكوت ديفوار وأفريقيا الوسطى والغابون وبوروندي وساوتومي وبرينسيب، بينما قررت جيبوتي وغامبيا وبوركينا فاسو افتتاح قنصليات لها في مدينة الداخلة لتوفير حماية أفضل لمصالحها ومصالح ومواطنيها في الأقاليم الجنوبية للمغرب.

ويرى المراقبون أن هذا التوجه الأفريقي يمثّل حلقة جديدة من حلقات النجاح الذي يقوده العاهل المغربي الملك محمد السادس منذ عقدين، ضمن رؤية متقدّمة تعتمد على التحرك السياسي العقلاني والمدعوم بركيزتي الاقتصاد والثقافة، والمنطلق من تفاعل مباشر مع دول القارة، سواء عبر جولات الملك محمد السادس، أو من خلال النشاط الدبلوماسي المكثف.

وخلال السنوات الماضية، استطاع المغرب أن يحقق اختراقات مهمة من حيث التأكيد على حقوقه السيادية على أقاليمه الجنوبية، اعتمادا على رؤية الملك محمد السادس للتحركات الدبلوماسية عبر التركيز على إحداث التوازن في العلاقات بين مختلف الأطراف الدولية، وفتح جسور تواصل متينة مع الأفارقة وانفتاح على دول أميركا اللاتينية، وارتباط بعلاقات قوية مع الدول الكبرى والقوى الصاعدة.

وجاء افتتاح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة كفاتحة لمشروع أكبر هدفه تحويل الأقاليم الجنوبية إلى واجهة مغربية كبرى للاقتصاد والاستثمار والتعاون الخارجي واحتضان التظاهرات الكبرى. وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إن ديناميكية افتتاح تمثيليات دبلوماسية في الأقاليم الجنوبية للمملكة تتواصل بوتيرة معززة “رغم الضغوطات، والبيانات واستدعاء السفراء” (من قبل الجارة الجزائر).

وأوضح بوريطة أن افتتاح قنصليات بكل من العيون والداخلة يمثل قرارا سياديا للبلدان الأفريقية المعنية، ويتماشى مع الشرعية الدولية، كما يتناغم مع منطق التاريخ، لافتا إلى أن “مغربية الصحراء تترسّخ يوما عن يوم، من خلال مواقف دبلوماسية وتصرفات قانونية مثل فتح القنصليات”.

افتتاح القنصليات في مدينتي العيون والداخلة فاتحة لمشروع أكبر هدفه تحويل الأقاليم الجنوبية إلى واجهة مغربية كبرى للاقتصاد والاستثمار والتعاون الخارجي واحتضان التظاهرات الكبرى

وكانت الجزائر، التي تعتبر الداعم الرئيسي للبوليساريو، اعتبرت أن قرار فتح قنصليات في الصحراء المغربية “خطوة خطيرة”، فيما هدّدت جبهة البوليساريو الدول الأفريقية التي افتتحت تمثيلياتها الدبلوماسية في مدينتي العيون والداخلة، حيث قال القيادي الانفصالي محمد محمود الشيخ، في حديث لوكالة الأنباء الجزائرية، إن الجبهة الانفصالية ستتخذ “التدابير اللازمة خلال أيام في ما يخص الدول القليلة، التي فتحت قنصليات في الأقاليم الجنوبية“.

وفي يناير الماضي طالب الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي مفوضية الاتحاد الأفريقي باتخاذ الإجراءات اللازمة “ضد بعض الدول الأفريقية التي أقدمت على فتح قنصليات لها في مدن الصحراء المغربية تماشيا مع نص وروح القانون التأسيسي للاتحاد”.

غير أن موقف الجزائر والبوليساريو المتشنج تبيّنت عزلته وتأكّد فشله، وذلك حين شدّد المسؤولون الأفارقة على حقهم في افتتاح قنصليات في أي مكان يرونه مناسبا لمصالحهم. من ذلك، قال وزير الخارجية والاندماج الأفريقي الإيفواري علي كوليبالي، إن قرار فتح تمثيلية دبلوماسية بالأقاليم الجنوبية للمملكة “يندرج في إطار السياسة المقدامة والبرغماتية التي طالما دافعنا عنها في المحافل الدولية، والمتمثلة في مغربية الصحراء”.

وأضاف أن “كوت ديفوار تدعم مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب وتعتبره جديا وذا مصداقية”، معتبرا أن تدشين تمثيلية بلاده الدبلوماسية بالعيون، “أهم حاضرة بالصحراء المغربية” وبوابة أفريقيا، “هو بلا شك لبنة جديدة تضاف إلى صرح العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين الصديقين منذ عقود“.

وردت الجزائر على تلك التصريحات باستدعاء سفيرها بجمهورية كوت ديفوار “للتشاور عقب تصريحات مبطنة لوزير الشؤون الخارجية الإيفواري، إثر فتح هذا البلد لقنصلية مزعومة في مدينة العيون”، وفق بيان الخارجية الجزائرية.

ويتم فتح القنصليات والبعثات الدبلوماسية وفق معايير وممارسات دبلوماسية تخضع للقانون الدولي، وأساسا اتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات القنصلية لسنة 1963، التي تنص على أن إقامة العلاقات القنصلية تكون بين الدول بـ”الاتفاق المتبادل”.

وتختص القنصليات، وفق الاتفاقية ذاتها، بحماية مصالح الدولة الموفدة ومصالح رعاياها، وتنمية العلاقات التجارية والاقتصادية والثقافية والعلمية، وتمتين علاقات الصداقة بين الدولتين، علاوة على وظائف أخرى مثل الاستعلام بكل الطرق المشروعة وغيرها.

وفي الحالة المغربية يعتبر فتح القنصليات والبعثات الدبلوماسية بالأقاليم الجنوبية اعترافا كاملا بحقوقها السيادية على الصحراء المغربية.

ووصف الباحث والمحلل السياسي المغربي كريم عايش موجة الإقبال الدبلوماسي الأفريقي على الأقاليم الجنوبية المغربية بأنها “خطوة متبصرة وتثبت مدى متانة وقوة العلاقات بين المغرب وهذه الدول”، كما أنها “ثمرة العقيدة الدبلوماسية المغربية، الديناميكية والحيوية والمبنية على الوفاء للعلاقات القديمة والتاريخية وبلورتها عبر التضامن والتبادل والتآخي”.

في ذات السياق، دعت صحيفة بوليتيكا مونتيكوريتو الإيطالية الاتحاد الأوروبي إلى فتح قنصليات لهما في مدينة العيون التي تشكل بوابة ولوج نحو أفريقيا. وأضافت أن “مدينة العيون في الأقاليم الجنوبية للمغرب أضحت المحور الرئيسي للعلاقات بين أوروبا والقارة الأفريقية”، مبرزة أن هذه القارة تعتبر من قبل جميع المحللين الاقتصاديين الفضاء الوحيد لمستقبل المبادلات التجارية.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: