الفائزون بجوائز أدب الرحلة يجتمعون تحت مظلة ابن بطوطة

كما السنوات السالفة ما زالت جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة مستمرة في عنايتها بالأدب الجغرافي، منذ دورتها الأولى التي انطلقت مطلع سنة 2003، ويرعاها الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي إلى جانب عدد من المشاريع الفكرية الورقية والإلكترونية تحت مظلة “دارة السويدي الثقافية”، ويشرف على الجائزة مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي الشاعر نوري الجراح.

تم مؤخراً  في الدار البيضاء، تسليم جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة في دورتها الثامنة عشرة التي ينظمها سنويا “المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق” في أبوظبي ولندن، ويقدّمها لأفضل الأعمال المحققة والمكتوبة في أدب الرحلة، في حفل بهيج حضره وزير الثقافة المغربي لحسن عبيابة، والوكيل العام للملك محمد عبد النباوي وحضور لجنة التحكيم والفائزين الثمانية بالجوائز وبينهم أربعة مغاربة، إلى جانب عدد من المثقفين والباحثين المغاربة والعرب، وذلك ضمن الفعاليات الكبرى للمعرض الدولي للنشر والكتاب في الدار البيضاء.

في كلمته الافتتاحية بالمناسبة، ذكر وزير الثقافة المغربي لحسن عبيابة، أن جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة تبصم على استمرارية تمتد حلقاتها عبر سنوات من الشراكة المنتجة والفعّالة بين قطاع الثقافة بوزارة الثقافة والشباب والرياضة و”المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق”، وبين المغرب والإمارات، معتبرا الأمر بمثابة الحرص على العناية بصنف جليل من أصناف الكتابة تتقاسمه حقول شتّى من أدب وتاريخ وجغرافيا وإثنوغرافيا وأنثروبولوجيا.

شخصية كونية

 نوري الجراح: جائزة ابن بطوطة مظلة كبرى تحمل اسم شمس الدين الطنجي أعظم رحالة في العالم عبر كل العصور

وصف الشاعر نوري الجراح الفائزين بالمغامرين في هذا الجنس الأدبي الخطير، مشيرا إلى أنه منذ انطلق مشروع ارتياد الآفاق سنة 2000 وهو تقريبا عمر شراكتنا مع المغرب التي تمتد اليوم إلى عشرين سنة تحققت شراكة رائعة وحرة بين أفق المشرق وأفق المغرب.

وجاء في كلمة الجراح، أن هذه المناسبة هي للاحتفاء بأدب الرحلة والفائزين وبالأعمال التي أنجزت في إطار جائزة ابن بطوطة هم الذين كرموا الجائزة بإنجازاتهم الأدبية والبحثية، مشيرا إلى أن جائزة ابن بطوطة مظلة كبرى تحمل اسم شمس الدين الطنجي أعظم رحالة في العالم عبر كل العصور، مشيرا إلى أنه عاما بعد عام تتأكد القيمة الاستثنائية لهذه الشخصية المغربية ذات البعد الكوني ليس فقط لدى الدارسين العرب مشرقا ومغربا وإنما لدى باحثين في لغات عديدة آسيوية وأوروبية.

وأكد أن الصدقية التي تتمتع بها مرويات هذا الرحالة لم تتمتع بها مرويات ماركو بولو مثلا الذي كتب الإيطاليون فيه مؤلفا تحت عنوان “ماركو بولو صاحب المليون كذبة وكذبة”. لا نجد شيئا من هذا القبيل في العالم قيل أو يقال بابن بطوطة.

أما الناقد الفلسطيني عبدالرحمن بسيسو، عضو لجنة تحكيم هذه الدورة، فأكد أن حفل توزيع جوائز ابن بطوطة لأدب الرحلة بالدار البيضاء، هو مناسبة استثنائية لأنها تحدث في المغرب ولأنها تحملنا على جناحيْ ابن بطوطة لنرتاد معه الآفاق التي ارتادها ولم يزل يطلبنا لنرتادها معه.

وأبرز الناقد الفلسطيني أن الأعمال الفائزة بالجائزة التي يرعاها الشاعر الإماراتي محمد أحمد السويدي إلى جانب عدد من المشاريع الفكرية الورقية والإلكترونية تحت مظلة “دارة السويدي الثقافية”، تمثّل إضافة خلّاقة للمعرفة الإنسانية العربية وللحوار الخلّاق الذي نريده مفتوحا بين الحضارات عوضا عن صراعها أو سعي بعضها إلى إلغاء الآخر.

وأعلن “المركز العربي للأدب الجغرافي – ارتياد الآفاق”، عن تتويج الكاتب والروائي المغربي أحمد المديني بجائزة “ابن بطوطة لأدب الرحلة” في صنف الرحلة المعاصرة “سندباد الجديد”، عن كتابه “مغربي في فلسطين – أشواق الرحلة المغربية”.

ووزّع المركز العربي ارتياد الآفاق أولى جوائزه في العام 2003 في الرباط عندما كانت عاصمة للثقافة العربية، وقد كانت آنذاك أربع ندوات كبرى منها ندوة الرحالة العرب والمسلمين التي عُقدت بالتعاون مع وزارة الثقافة، حسب نوري الجراح، وكانت من أكبر وألمع الندوات وقيمتها تزداد كلما تذكرنا الأشخاص الباحثين والدارسين الذين بلغ عددهم أربعين حضروا هناك ووضعوا بوجودهم الأساس لكثير من المشروعات الرائدة التي أنجزها المركز خلال العقدين الماضيين، وأنجزوا على مراحل عددا من ألمع الأبحاث والتحقيقات التي أغنت خزانة الرحلة في الثقافة العربية.

وتقاسم الجائزة التي تعنى بدراسات الأدب الجغرافي، ثلاثة باحثين مغاربة هم زهير سوكاح عن كتابه “تمثلات الشرق في السرد الرحلي الألماني” وبن مسعود أيوب عن مؤلفه “تداخل الأجناس في أدب الرحلة” ومحمد حاتمي عن كتابه “المعرفي والأدبي في الرحلات المغربية”.

وآلت جائزة “اليوميات” إلى الشاعر والناقد العراقي فاروق يوسف عن كتابه “شاعر عربي في نيويورك – على خطى فدريكو غارسيا لوركا في مانهاتن”، وهذه هي المرة الثانية التي ينال يوسف الجائزة في اليوميات فقد سبق أن فاز بها قبل ثلاثة عشر عاما عن يومياته في السويد.

وفي فرع الترجمة ذهبت الجائزة إلى الشاعر والمترجم السوري أمارجي (رامي يوسف)، عن ترجمته البارعة لكتاب الشاعر الإيطالي غويدو غوتسانو الموسوم “نحو مهد العالم.. رسائل من الهند”.

وفي صنف “النصوص الرحلية المحققة”، ومن أصل 53 مخطوطا، نال الجائزة كل من الباحث المصري محمد فتحي الأعصر، عن تحقيق مخطوط “النحلة النصرية في الرحلة المصرية”، للرحالة والأديب والجغرافي الدمشقي مصطفى البكري الصديقي، والباحث والمحقق التونسي محمد الزاهي، عن كتابه “رحلة محمد أفندي إلى فرنسا”، المعروف بـ”يكرمي سيكيز”. وتشترك هذه الرحلة مع سابقتها للبكري الصديقي بأنهما قامتها في القرن نفسه والعام نفسه 1720 واحدة من القدس إلى القاهرة والأخرى من إسطنبول إلى باريس.

وصدرت الأعمال الفائزة عن دار السويدي في سلاسل “ارتياد الآفاق” للرحلة المحققة، والرحلة المعاصرة واليوميات، بالتعاون مع “المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت”، أما الرحلة المترجمة والأعمال المشار إليها من قبل لجنة التحكيم فتنشر بالتعاون مع “دار المتوسط” في ميلانو.

وصباح الأحد التاسع من فبراير، تم تنظيم ندوة حول أدب الرحلة والأعمال الفائزة، بمشاركة المتوجين بالجائزة وأعضاء لجنة التحكيم، إلى جانب نخبة من الدارسين والباحثين العرب.

وذكر مدير عام المركز العربي للأدب الجغرافي في كلمته أن الأكاديمية المغربية أعطت فرصة كبرى لنص الرحلة وأتاحت فسحة هامة للبحث في متون الرحلات الكلاسيكية والمعاصرة، من خلال الدراسات الأكاديمية وأطروحات الدكتوراه التي اُنتجت في إطار الجامعة المغربية. ونبه إلى أن عدداً منها بدأت ترجمته للغات أخرى. ففي المغرب اُنتجت نصوص تبحث في الرحلة إلى أوروبا، والتي تشغل حيّزا من اهتمام الباحثين المغاربة، كما أنّ رحلة الحج هي أيضا تشمل مجال اهتمامهم.

من المنتظر تنظيم ندوة دولية كبرى تُعنى بترجمات رحلة ابن بطوطة إلى اللغات المختلفة بحضور عدد كبير من المترجمين

ندوة دولية

كانت الوزارة والمركز قد كشفا أن اجتماعا خاصا عقد بينهما يتعلق بتنظيم ندوة دولية كبرى تُعنى بترجمات رحلة ابن بطوطة إلى اللغات المختلفة بحضور عدد كبير من المترجمين، وخصوصا الذين قدموا ترجمات لهذا النص إلى لغاتهم. والندوة ستعقد في طنجة هذا العام، ولهذا الحدث الموعود أهميته، لاسيما أن هناك اليوم العشرات من الترجمات لرحلة الطنجي، وهو اعتراف عملي بقيمة النص الذي احتفى بفكرة السفر إلى الآخر لأجل المعرفة والتعارف، وبفكرة اكتشاف الذات من خلال الآخر، وفكرة وحدة الذات الإنسانية، وهذا النزوع لدى ابن بطوطة يكشف عن شخصية كونية بامتياز.

أخيرا وفي تفصيل الإشارة إلى صدقية مرويات ابن بطوطة الذي لم يكذّبه أحد حتى الآن، رغم الإشارة العابرة قبل عام من أحد الدارسين الفرنسيين الذي أشار إلى أن الرحالة لم يصل إلى الصين، فهذا حسب الجراح كلام لا يرد عليه بخطبة أو تصريح وإنما ببحث أدبي وتاريخي وجغرافي، وبهذه الطريقة فقط يمكن الإجابة عن السؤال: هل وصل ابن بطوطة إلى الصين حقا؟

بلغ عدد المخطوطات المشاركة هذا العام 53 مخطوطة جاءت من 9 بلدان عربية، توزعت على الرحلة المعاصرة، والمخطوطات المحققة، واليوميات، والرحلة المترجمة. وجرت تصفية أولى تم بموجبها استبعاد الأعمال التي لم تستجب للشروط العلمية المنصوص عنها بالنسبة إلى التحقيق، والدراسة، أو ما غاب عنها المستوى بالنسبة إلى الجائزة التي تمنح للأعمال المعاصرة، وفي التصفية الثانية بلغ عدد المخطوطات 19 مخطوطة ليتم اختيار الفائزين من بينها.

ختاما، تميّزت هذه الدورة حسب المنظمين باتساع المشاركات في حقل دراسات أدب الرحلة، على العكس مما حدث في الدورة السابقة حيث حجبت جائزة الدراسات لعدم كفاءة النصوص المشاركة، كما واصلت الجائزة هذا العام، كما في أعوامها السابقة، الكشف عن الجديد في باب اليوميات والرحلة المعاصرة، لتضيف النصوص الفائزة إلى كوكبة الرحالة المعاصرين، مغامرين جددا وأسماء جديدة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: