رحلة بريكست تبدأ بمواقف اقتصادية متشددة صعبة التنفيذ

تبدأ اليوم رحلة استكشاف حقول الألغام والأوهام في ورطة البريكست بتحديد السقف المرتفع الذي تريده بريطانيا، والذي يجمع محللون على أنه سيكون صعب التنفيذ في ظل عدم قدرة لندن على الحصول عليه دون ثمن باهظ قد لا تكون قادرة على تسديده.

لندن – كشفت وسائل إعلام بريطانية أمس أن رئيس الوزراء بوريس جونسون سوف يلقي اليوم خطابا متشددا يرفض فيه تقديم تنازلات للاتحاد الأوروبي ويكشف الخطوط العريضة لسياسة لندن في مرحلة ما بعد المرحلة الانتقالية للبريكست، التي تنتهي بنهاية العام الحالي.

ونشرت صحيفة “ذي أوبزرفر” مقالا بعنوان “اليوم الأول من بريكست: جونسون يختار القطيعة عبر صفقة تجارية متشددة” مع الاتحاد الأوروبي. وذكرت أنه “يستعد لإدخال المملكة المتحدة في معركة جديدة لا هوادة فيها مع الدول السبع والعشرين الباقية في الاتحاد الأوروبي”.

وتتوقع مصادر مطلعة أن يوضح جونسون موقفه من ترتيبات الانفصال وأن ينطلق من مواقف حازمة من الاتحاد الأوروبي رغم أن الخبراء يؤكدون استحالة الحصول عليها دون ثمن باهظ يصعب على بريطانيا تسديده.

بوريس جونسون ينطلق من أقصى درجات التشدد بحثا عن تنازلات أوروبية

ويملك الاتحاد الأوروبي أوراقا غير قابلة للمساومة مثل ربط أي اتفاق للتجارة الحرة ودخول الأسواق المالية الأوروبية بحرية حركة الأشخاص، والتي لا يمكن له أن يتنازل فيها لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تفكك التكتل الأوروبي.

ورغم رمزية تاريخ 31 يناير كموعد لخروج بريطانيا، إلا أن الانفصال لن يحدث إلا في نهاية المرحلة الانتقالية الممتدة حتى نهاية العام الحالي. ويرجح محللون ألا تكون كافية للانتهاء من ترتيبات الطلاق وأن يضطر الجانبان إلى تمديدها في نهاية
المطاف.

وجاء التقرير الرئيسي في صحيفة صنداي إكسبرس بعنوان “بوريس للاتحاد الأوروبي: لا مزيد من التنازلات“.

وتوقعت أن يقترح رئيس الوزراء على حلفائه السابقين “عرضا إما يُقبل وإما يُرفض”. وشرحت أنه سوف يخيّر بروكسل بين “اتفاق تبادل حر شبيه بالاتفاق مع كندا أو اتفاق شبيه بالذي وقع مع أستراليا”.

ونسبت وكالة برس أسوسييشن البريطانية إلى مصدر حكومي قوله إن جونسون سيكون مستعدا للمخاطرة بإعادة فرض رقابة على الحدود في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق.

لكن محللين يقولون إن رئيس البرلمان البريطاني لن يتمكن من مواصلة الموقف المتشدد لأنه سيؤدي إلى غليان مطالب اسكتلندا بإجراء استفتاء ثان للانفصال عن المملكة المتحدة، وكذلك هو الحال بالنسبة لإيرلندا الشمالية.

وتقول صحيفة صنداي تلغراف المؤيدة للبريكست إن جونسون غاضب بسبب “محاولات الاتحاد الأوروبي إحباط إبرام اتفاق تجاري” مع المملكة المتحدة وفق الشروط التي فاوض على أساسها جونسون نهاية أكتوبر الماضي.

أما صنداي إكسبرس المتشددة في تأييد البريكست فقد أكدت أن “بروكسل طلبت من بريطانيا السماح لها بالنفاذ إلى منطقة الصيد البحري الخاصة بها، وتبني المعايير الاقتصادية الأوروبية وحرية الحركة عبر الحدود”.

وفي مسعى للتهدئة، قال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب لتلفزيون سكاي نيوز صباح أمس “أنا متأكد أن الاتحاد الأوروبي يريد ضمان إبرام اتفاق تبادل حر شبيه بالاتفاق الذي أبرمه مع كندا”.

ورأى أن ذلك الاتفاق هو “الأفضل من نوعه” ويمثل “فرصة لتحقيق مكسب للطرفين”. وأكد أن بريطانيا سوف تستعيد السيطرة على قوانينها، في إشارة إلى إملاءات بروكسل على الدول الأعضاء.

وذهبت وكالة بلومبرغ الأميركية للأخبار الاقتصادية إلى أن جونسون يعتزم القول إنه على استعداد لترك المباحثات مع الاتحاد الأوروبي بشأن علاقات بريطانيا التجارية مع الاتحاد في حال لم يحصل على ما يريد، أي التلويح بالانفصال الشاق.

وقالت إن جونسون يعتزم اليوم توضيح أهدافه بالنسبة للتفاوض بشأن العلاقات التجارية المستقبلية مع الكتلة الأوروبية، وذلك في أول خطاب له لرجال الأعمال والدبلوماسيين بعد خروج بريطانيا رسميا من الاتحاد الأوروبي.

ونسبت بلومبرغ إلى مسؤول بريطاني قوله إن جونسون سوف يؤكد مجددا أنه في حال التوصل إلى اتفاق تجاري مماثل للاتفاق مع كندا، لن يكون هناك التزام بمعايير الاتحاد الأوروبي، كما أن المحاكم الأوروبية لن تصبح لها سلطة قضائية على بريطانيا.

Thumbnail

وقال رئيس وزراء إيرلندا ليو فارادكار في حوار مع هيئة الإذاعة البريطانية “بي.بي.سي” أمس إن التوصل إلى اتفاق مماثل للاتفاق مع كندا “أمر محتمل”.

لكن محللين يشيرون إلى أن مفاوضات الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي وكندا استغرقت أكثر من 7 سنوات قبل إبرامه في أكتوبر عام 2016 وأن إبرام اتفاق مماثل قد يستغرق وقتا طويلا.

ويعد جواز المرور المالي للمؤسسات المالية في بريطانيا للتعامل داخل الاتحاد الأوروبي من أكبر نقاط ضعف الموقف البريطاني لأن فقدانه يمكن أن يؤدي إلى انهيار أكبر مركز مالي في العالم.

وقد شهدت السنوات الماضية منذ إجراء الاستفتاء نقل أصول مالية تصل إلى تريليون دولار من لندن إلى داخل التكتل الأوروبي. ويمكن أن يتضاعف ذلك إلى فقد بريطانيا جواز المرور المالي.

ويشير مسؤولون أوروبيون إلى أن لندن قد تساوم في ذلك بتقديم تنازلات في حقوق الصيد البحري في مياهها الإقليمية الشاسعة والتي يحتاجها الأوروبيون بشدة.

وقال وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، إن “هذا النقاش سيكون متوازنا، فبينما نحتاج إلى النفاذ إلى المياه البريطانية، يحتاج البريطانيون إلى النفاذ إلى السوق الأوروبية”.

وأضاف أن بريطانيا التي تعتبر من كبار منتجي السمك تحظى “بمياه غنية بالأسماك يصطاد فيها الكثير من الأوروبيين، وخاصة الفرنسيين في وقت تصدر فيه بريطانيا 75 في المئة من منتجاتها السمكية إلى الاتحاد الأوروبي”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: