نتائج الإنتخابات المحلية في إيطاليا يوم الأحد 26 يناير قلبت موازين الحكومة وملفات الهجرة والمهاجرين.

كانت الحكومة الإيطالية مهددة بالإنهيار في حال فوز اليمين المتطرف في انتخابات إقليم إميليا رومانيا قبل يوم الأحد تاريخ إجراء الإنتخابات الإيطالية، هذا الإقليم الذي يقع وسط الشمال المزدهر والمطل شرقا على البحر الأدرياتيكي و هو يمثل حصنا منيعا لليسار.
حيث تمت دعوة نحو 3,5 مليون شخص للتصويت الأحد 26 يناير 2020 لانتخاب مجلسهم التنفيذي المحلي في إميليا رومانيا الإقليم الشمالي الغني في إيطاليا، وسط مخاوف من أن يؤدي فوز اليمين المتطرف في هذا المعقل اليساري إلى سقوط الحكومة.
وسميت هذه الإنتخابات بأم المعارك الإنتخابية وهو اللقب الذي أطلقه الإعلام الإيطالي على الانتخابات الإيطالية الجهوية ليوم 26 يناير 2020، بجهة إيميليا رومانيا، أما جهة كلابريا بالجنوب الإيطالي فكانت أخف حدة، على اعتبار أن جهة إيميليا رومانيا هي القلعة الحمراء لليسار الإيطالي، وبالتالي فالصراع السياسي والحزبي محتد هنالك و انتقل من الجهوية إلى الوطنية. كل ذلك يظهر في التحالفات السياسية والمواكبة الإعلامية الكبيرة والتراشق اليومي بين زعماء اليمين المتطرف، وعلى رأسهم سالفيني من جهة، وزعماء اليسار ووسط اليسار الإيطالي مدعومين بأحزاب البيئة من جهة أخرى.
الأمر الذي سجل القيمة والأهمية الفعلية لهذه الإنتخابات.
فبعد ظهورنتائج الانتخابات الجهوية على المستوى الوطني، أعلن رئيس الحزب الديمقراطي زينغريتي عن حل الحزب الديمقراطي، وهويشكل حزبا آخـرا من شأنه أن يقدم إجابات جديدة، وينفتح على كل تيارات اليسار الإيطالي، حيث تقول الكواليس بضم بعض وجوه من “حركة السردين”، وهي حركة مدنية تزعمها أربعة شباب، وهي ضد مبادئ اليمين المتطرف الـذي يتخذ من ملفات الهجرة والمهاجرين برنامجه الوحيد.
ويُعــول على حركة السردين في تغيير موازين القوة بين سالفيني وأحزاب اليسار، حيث نجحت حركة السردين فيما فشلت فيه أحزاب كبيرة، ومنها مثلا قدرتها على ملء الساحات العمومية، آخـرها هو يوم الأحد الماضي بمدينة بولونيا، حيث حضر 40 ألف مواطن لمهرجان خطابي لحركة السردين.. فيما أعلنت جورجيا ميلومني عن حزب “الإخوة الإيطاليين” اليميني المتطرف، أن نتائج انتخابات إيميليا رومانيا من شأنها أن تطيح بالحكومة ويعلن عن انتخابات جديدة.
وبعيدا عن كل التقارير الإعلامية واستقراءات الرأي بالنسبة لنتائج انتخابات يوم 26 يناير 2020، التي استبعدت مسبقا فوز حزب سالفيني وهو ماتحقق بعد الإنتخابات، لكنه من المنتظر أن يربح مساحة جديدة في البرلمان الجهوي وبالتالي الضغط على اليسار في انتظار تمرين انتخابي جديد..
ولأن البرنامج الحزبي والانتخابي لليمين المتطرف وزعيمه سالفيني، هو ملفات الهجرة واللجوء وربطها بمعدلات الجريمة والمخدرات والدعارة ونزلاء السجون وارتفاع البطالة وسُوء القطاع الصحي وغيرها، فإنه كان من الطبيعي أن تعمل فعاليات مدنية وجمعـوية على حث المغاربة حاملي الجنسية بإيطاليا بأهمية المشاركة السياسية في جانبها الانتخابي، وبأهمية هـذه الانتخابات وتداعيات نتائجها على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وأيضا حمايةغير المجنسين من الجاليات بإيطاليا، وهو ما شكل بالفعل موضوع نقاشات قوية، سواء داخل اجتماعات الجالية مع بعض المرشحين من تحالفات اليسار طبعا، أو من خلال توزيع متطوعين من مغاربة إيطاليا لـمنشورات بكل محلات الجزارة والمساجد والبازارات وأيضا بالأسواق ، ليكون يوم 26 يناير دعوة كل المجنسين المغاربة بإيطاليا للوقوف أمام زحف اليمين المتطرف، لأن المستقبل لن يكون زاهرا إلا بالاستثمار في المجال السياسي والحزبي والنقابي والدفع بالشباب من مغاربة العالم إلى العمل بكثافة في المجال التطوعي والانخراط النقابي والحزبي، حتى نكون جاهزين في الانتخابات القادمة بكفاءات مغربية قادرة على تشكيل قوة سياسية ونقابية حقيقية ، للوقوف في وجه أفكار اليمين المتطرف، وليكون الرقم السري لكل المعادلات السياسية بإيطاليا… وهو ما نعتبره تطبيقا سليما لفكرة المشاركة السياسية لمغاربة العالم انطلاقا من بلدان الإقامة

وبينما يكرر ممثلو الغالبية المتشكلة من الحزب الديمقراطي اليساري ومن حزب حركة خمس نجوم المناهض للمؤسسات أن الاقتراع لن يكون له أي أثر على الحكومة، فإن زعيم حزب الرابطة اليمين المتطرف ماتيو سالفيني حذر من أنه في حال فاز حزبه في إميليا رومانيا، فإنه سيدعو بدءا من الإثنين إلى انتخابات مبكرة

وتقول إيميليانا دي بلاسيو أستاذة العلوم السياسية في جامعة لويس في روما لفرانس برس “التاريخ الإيطالي الحديث لقننا درساً بأنه حين تُحول الانتخابات لاستفتاء على شخصية ما فسوف تنتهي بهزيمتها، كما حصل مع ماتيو رينزي” الزعيم السابق للحزب الديموقراطي أواخر عام 2016.

وتعتبر الباحثة أن الحزب الديموقراطي استفاد خصوصاً من صعود حركة “سردين” المدنية قبل شهرين في بولونيا، والتي نجحت في تعبئة ناخبي اليسار في هذه الانتخابات التي اتسمت بمشاركة كبيرة بلغت 67,67 بالمئة، مقابل 37 بالمئة في الاقتراع السابق الذي جرى في المنطقة في 2014.

وتضيف دي بلاسيو أن هذه الحركة لقنت الحزب الديموقراطي درساً مفاده أن “إدارة المنطقة جيداً كما فعل بوناتشيني لا تكفي، بل يجب إجادة التواصل، والاعتماد على الدعم الشعبي في الحكم”.

وتعتبر الباحثة أن حركة “سردين” التي تدرسها عن كثب “هي حركة أصيلة نشأت من معارضة سالفيني لكن باتت مركزاً للقضايا العابرة للوطنية، مثل حركة الجمعة من أجل المستقبل (للدفاع عن المناخ) وتستند إلى القيم الأوروبية”.

وأعلنت الحركة أنها حالياً “ستعود إلى الكواليس”، ربما حتى حلول استحقاق انتخابي بارز آخر.

وقوضت نتائج انتخابات ايميليا-رومانيا كذلك موقع الائتلاف الحاكم المؤلف من الحزب الديموقراطي وحركة الخمس نجوم. ويعود ذلك إلى هزيمة الحركة في الانتخابات مع حصولها على 10% فقط من الأصوات، فيما كانت حققت نسبة 32% خلال الانتخابات التشريعية عام 2018.

ويعتمد مستقبل الائتلاف بحسب خبراء على استراتيجية الحركة التي لم يعد لها رئيساً مع استقالة لويجي دي مايو، الذي لا يزال وزيراً للخارجية.

وتساءل ستيفانو فولي “في ظل تراجع حركة الخمس نجوم التي لا تزال قوية في البرلمان، ما الذي يعتزم الحزب الديموقراطي القيام به؟”.

ويشير إلى وجود ملفات قد تنتج صراعاً بين الطرفين، مثل مسألة تقادم المحاكمات، وإلغاء امتيازات تشييد الطرقات لعائلة بينيتون على خلفية قضية انهيار جسر جنوى.

وتعتبر إيميليانا دي بلاسيو أن مصير الائتلاف يعتمد على خيارات الخمس نجوم: “قد يختارون ترك الحكومة والتحول إلى المعارضة، أو يعيدون تجديد أنفسهم خلال انعقاد المجالس العامة للحركة في مارس المقبل.

بقلم حسناء مندريس

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: