الجزائر تسترضي القبائل بالإفراج عن يسعد ربراب

أفرج القضاء الجزائري عن رجل الأعمال يسعد ربراب، المتهم في قضايا مخالفة تشريعات حركة رؤوس الأموال، لتطرح بذلك العديد من القراءات حول الخلفيات الحقيقية للقرار، لاسيما وأن الرجل يعتبر أحد الرموز المالية لواحد من الأجنحة القوية في السلطة الماضية وشخصية فاعلة في المشهد المتحرك بمنطقة القبائل.

وأصدرت محكمة سيدي امحمد بالعاصمة الجزائرية في الساعة الأولى من العام الجديد حكما بثمانية عشر سجنا منها ستة أشهر نافذة والباقية موقوفة النفاذ، في حق رجل المال وقطب الأعمال يسعد ربراب، وهو ما أفضى إلى الإفراج عنه صباح الأربعاء، بعدما قضى ثمانية أشهر في السجن المؤقت.

وعاشت أروقة محكمة سيدي امحمد يوما طويلا في آخر أنفاس العام الماضي، بسبب المرافعات الطويلة وحالة الترقب والانتظار التي أحاطت بمحاكمة رئيس أكبر مجموعة خاصة في الجزائر، بعدما تأجلت القضية لأسبوع كامل.

وكان يسعد ربراب، المالك لمجمع “سيفيتال”، قد واجه تهمة مخالفة تشريعات حركة رؤوس الأموال، بسبب ما وصف بـ”تضخيم الفواتير واستعمال التزوير والمزور في محررات رسمية”، عندما قام باستيراد معدات وتجهيزات ضخمة بغية إنجاز مصنع لإنتاج مياه عالية النقاوة تدخل في الصناعات الغذائية والصيدلانية والبيتروكيمياوية.

لا يزال الشارع القبائلي يمثل العصب الرئيسي في الحراك الشعبي المنتفض ضد السلطة وشهد تعبئة قوية خلال الأشهر الأخيرة

وهي التهمة التي نفتها إدارة المجمع في بيان أصدرته بحر هذا الأسبوع، وشددت فيه على “براءة المجمع ومالكه من التهم الموجهة إليه”، وأكدت أن المعاملة تمت وفق التشريعات الناظمة، وبأموال المجمع وليس بقروض بنكية، كما اتهمت “عصبة في النظام السابق بترتيب مؤامرة لتحطيم المجمع”، في إشارة إلى اللوبي المالي الموالي للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.

وكانت توقعات سابقة قد ذهبت إلى انتظار الإفراج القريب عن يسعد ربراب، بعد التطمينات التي تلقتها إدارة المجمع من طرف جهات حكومية لرفع الضغط عليها، ومساعدته على تنفيذ مشروعه الاستثماري، مما أفضى إلى اعتراف غير معلن من طرف السلطة بتجاوزات تكون قد ارتكبت في حق الرجل، وطرح إمكانية توظيف الحسابات السياسية في عملية التوقيف التي تعرض لها. وذهب مراقبون في الجزائر إلى أن نهاية سيناريو رجل الأعمال المذكور على هذا النحو، لا يمكن قراءتها بمعزل عن ترتيبات سياسية في هرم السلطة تكون قد اتخذت بين الطرفين، من أجل إنهاء حالة الاستقطاب الشديدة بين السلطة والمعارضة، سواء كانت في الشارع أو عبر اللوبيات النافذة.

ويطرح الإفراج عن الرجل المنحدر من منطقة القبائل إمكانية لعب السلطة على ورقة جديدة لطمأنة الشارع القبائلي المنتفض ضدها، عبر إطلاق سراح الرجل المعروف بنفوذه في المنطقة، وحتى تأثيره ولو جزئيا في الشارع المحلي، حيث استطاع تجنيد موالين له ظهروا في المسيرات الشعبية وفي حملة التعبئة لـ”الدفاع عن مجمع سيفيتال”، خاصة وأنه يشغل عدة آلاف من اليد العاملة في مصانعه واستثماراته.

كما يعتبر قربه من أحد أبرز أجنحة النظام السياسي السابق ورقة مهمة تكون قد توصلت إليها السلطة الحالية مع جناح مدير جهاز الاستخبارات السابق الجنرال المحبوس بتهمة التآمر على الجيش ومؤسسات الدولة محمد مدين (توفيق)، وهو مؤهل لأداء مهمة التقريب بين الطرفين المتحالفين ضد جناح الرئاسة سابقا، بقيادة سعيد بوتفليقة، المتهم هو الآخر بنفس التهم والمحكوم عليه بخمسة عشر عاما سجنا نافذا.

ولا يزال الشارع القبائلي يمثل العصب الرئيسي في الحراك الشعبي المنتفض ضد السلطة منذ شهر فبراير الماضي ويعرف تعبئة قوية خلال الأشهر الأخيرة بسبب حملة التشويه والتخوين التي شنتها عليه دوائر موالية للسلطة، خاصة في شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما اعتبر تهديدا حقيقيا للوحدة الوطنية، تجسد في المقاطعة القوية للانتخابات الرئاسية الأخيرة، إذ لم تتجاوز نسبة التصويت فيها الـ01 بالمئة.

المال مقابل الحرية

وهي المقاربة التي فشلت في تفكيك الحراك الشعبي، في ظل التلاحم غير المسبوق بين مختلف مكونات المجتمع الجزائري، مما يكون قد دفع السلطة إلى إدراك خطورة الورقة التي وظفتها، وتريد مغازلة هؤلاء بإطلاق سراح رجل الأعمال يسعد ربراب، رغم أن الأمر ينتظر أن يثير لغطا كبيرا خلال الأيام المقبلة، بسبب وجود العشرات من رجال الأعمال المحسوبين على نظام بوتفليقة في السجن منذ أشهر، ولو أن التهم ودرجة الإضرار بالاقتصاد الوطني تختلف كثيرا بينهم وبين يسعد ربراب.

وألمح محامون من فريق دفاع رجل الأعمال المسجون علي حداد إلى عدم ممانعة موكلهم في التنازل عن ممتلكاته وأمواله وعقاراته للدولة مقابل الحصول على الإفراج من السجن، مما يطرح إمكانية الذهاب إلى مقاربة “المال مقابل الحرية” المتداولة بقوة في محيط هؤلاء.

ويسعد ربراب (74 عاما) كان أسس في 1998 مجموعة سيفيتال التي تقول إنها توظف 18 ألف أجير في ثلاث قارات في قطاعات الصناعات الغذائية والأشغال العامة والتعدين والتوزيع والإلكترونيات والتجهيزات المنزلية.

وتملك سيفيتال يومية “ليبرتي” الناطقة بالفرنسية في الجزائر. واشترت في فرنسا مجموعة “برانت” للتجهيزات المنزلية ومصنع النوافذ أوكسو، كما تملك المجموعة مشروعا مهمّا لمصنع معالجة المياه في شمال شرق فرنسا.

وفيما ازدهرت أعمال ربراب خلال عهد بوتفليقة إلا أنه دعم التظاهرات التي أجبرت الرئيس على الاستقالة في أبريل.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: