انحياز الإسلاميين الأصوليين إلى المحافظين: انتهازية تغلّب المصلحة

دعّم الإسلاميون الأصوليون في بريطانيا حزب المحافظين وصوتوا لبوريس جونسون، المعادي للمهاجرين والذي وصف النساء المسلمات اللواتي يرتدين الحجاب الكامل بـ”صناديق البريد”. قدم الأصليون بتصويتهم للمحافظين مصلحتهم لا فقط على مبادئهم بل أيضا على مصالح المسلمين والعرب، وعموم المهاجرين، الذين يواجهون حملة عنصرية متصاعدة في المملكة المتحدة.

بين القراءات اللافتة بالنسبة إلى العرب والمسلمين لنتائج انتخابات مجلس العموم البريطاني والفوز الذي حققه حزب المحافظين اليميني فيها هو ذلك السلوك الانتخابي للأصوليين المسلمين في بريطانيا.

صَوّت معظم هؤلاء للحزب ذي النزعة الشوفينية، بخلاف ما استقر عليه رأي العرب والمسلمين المعتدلين، الذين يتحسّسون مواقف الحزب الفائز حيال مجمل القضايا التي تهم شعوب العالم العربي والإسلامي.

ومعلوم أن الانتخابات الأخيرة كانت في أسبابها ونتائجها انتخابات الخروج من الاتحاد الأوروبي، وقد حُسمت لصالح القوى السياسية التي أصرت على الخروج. وهذا الخروج في أهم دوافعه، يترجم موقف اليمين البريطاني من الهجرة والمهاجرين، ومن ضمنهم المسلمون والعرب.

لذا فإن ظاهرة انحياز الأصوليين المسلمين إلى الحزب اليميني تستحق التمحيص، لاسيما وأن هؤلاء، في خيارهم، يتجاهلون حقائق مواقف اليمين البريطاني ليس من قضايا العرب والمسلمين وحسب، وإنما مواقفه المتأففة منهم ومن ثقافتهم حصرا.

وفي الحقيقة، لا تفسر الانتهازية وحدها مواقف هؤلاء الأصوليين، الذين تهون عندهم الأيديولوجيا مقابل الرعاية الاجتماعية التي تساعدهم على البقاء مستريحين اقتصاديا. ففي حسبتهم أن تدفق المهاجرين من سائر أنحاء القارة، إلى بريطانيا، من شأنه أن يخصم من رفاهية المواطن البريطاني، وفي هذه الحال هم يرون أنفسهم مواطنين بريطانيين، وليتهم يرون أنفسهم كذلك، عندما يستمرّون في الترويج لثقافة العنف التي تتهدد أمن سائر المواطنين البريطانيين. فهم يدركون أن الطرف الآخر يناصبهم العداء، وأن حزب المحافظين تحديدا مصاب – باعتراف العديد من قادته – بفكرة “الإسلاموفوبيا” المتجذرة فيه.

وقد اضطر هذا الحزب، أثناء الانتخابات الداخلية على رئاسته، إلى الدعوة علنا إلى التحقيق في هذه الظاهرة. ورحب المسلمون المنضوون في الحزب بذلك القرار. لكن بوريس جونسون نفسه، الذي أيده وصوت له العديد من الأصوليين، تعمد تمييع التحقيق لكي يقتصر على مسألة التحيز والأحكام المسبقة بشكل عام، دون التعمق في مسألة “الإسلاموفوبيا”.

وأقصى ما صرّح به لطمأنة المسلمين هو الدعوة إلى مشهد سياسي يخلو من العنصرية. والمسلمون بشكل عام – ما خلا قطاع عريض من الأصوليين الانتهازيين – يتذكرون أن هذا الرجل نفسه، هو الذي وصف ذات يوم ابتسامات الأطفال السود البريطانيين، بأنها “ابتسامات بطيخ”.

بل إن تيريزا ماي التي سلمته المنصب، لم تكن مستعدة لإدانة العنصرية أو التصدي لمن يروّجون لها، ودعت إلى عدم التصدي أو ردع العربات المزودة بمكبرات صوت، والتي تغشى أحياء المسلمين والأفارقة وتهتف “عودوا من حيث جئتم”.

وفي فترة ولايتها وتسلمها لوزارة الداخلية، وقعت فضيحة “ويندراش” التي تفجرت عندما تم ترحيل أشخاص من أصول أفريقية كاريبية، ظلما، وبعد أن عاشوا لأكثر من نصف قرن في بريطانيا. لكن حزب المحافظين حماها، ما جعل المسلمين العاديين على قناعة بأن “الإسلاموفوبيا” تستشري في الحزب الاستعماري العتيق، من رأسه إلى أخمص قدميه.

يعلل الأصوليون الانتهازيون الموقف الذي انحازوا فيه إلى هذا الحزب وصوتوا له بكونهم يريدون حث رئيس الوزراء الجديد على النظر بجدية في الأسباب الجوهرية لنشوء هذا الشكل من العنصرية والعداء للمسلمين، وعلى الإصغاء إلى ضحايا “الإسلاموفوبيا” داخل الحزب وخارجه، ورصد مدى انتشار هذه المشكلة التي تتهدد السلم الأهلية، دون الاكتفاء بإجراءات شكلية أو عابرة. بل قالوا إنهم يريدون أن يتبنى رئيس الحزب، منظومة إجراءات تأديبية رادعة وتدابير لإجراء تحقيقات مستقلة، وضمان فاعلية معالجة الشكاوى.

غير أن الأصوليين الانتهازيين، في هذا التعليل، يحاولون معالجة المشكلة بمنطق نتائجها لا بمنطق أسبابها، لذا فإنهم يتجاهلون الواجبات التي يتعين عليهم الاضطلاع بها، وأهمها إحداث تغييرات جوهرية في منهجية خطابهم وموضوعات تربيتهم للناشئة وحضهم على العنف ضد اللاعدو وعابري السبيل.

المسلمون المعتدلون في بريطانيا، يقولون إن جونسون الذي حاز الأغلبية ما زال يخلق إحساسا لدى تجمعات المسلمين بالخوف على مصيرهم. ويقول الملاكم المسلم الباكستاني الأصل هارون خان، وهو منتم إلى حزب المحافظين، “لقد دخلنا فترة الحملة الانتخابية مع مخاوف طويلة الأمد بشأن التعصب في سياستنا وحزبنا الحاكم”.

ربما يكون من أطرف المفارقات، أن إفرايم ميرفس، كبير الحاخامات اليهود في بريطانيا، كان أكثر استنارة من الأصوليين المسلمين في الدفاع عن المسلمين العاديين واليهود من رعايا حاخاميته.

من أطرف المفارقات، أن إفرايم ميرفس، كبير الحاخامات اليهود في بريطانيا، كان أكثر استنارة من الأصوليين المسلمين في الدفاع عن المسلمين العاديين

قال الرجل في تغريدة على صفحته “قد تكون الانتخابات قد انتهت، لكن المخاوف من عودة معاداة السامية لا تزال قائمة. فلا تزال ظاهرة كره الإسلام والعنصرية وأشكال التحامل الأخرى تصيب مجتمعاتنا، وبات من الأهمية بمكان أن نجمع البلد الآن، ونضمن أن أصوات الناس من جميع أنحاء المجتمع، تُسمع وتُحترم. يجب أن نركز على قيمنا المشتركة وأن نترك الكراهية والتحامل وراءنا”.

هنا، تتبدى جلية الفجوة بين خطاب الأصوليين المسلمين، وما فيه من رياء انتخابي لصالح حزب المحافظين وبوريس جونسون، وسلوكهم الثقافي الفعلي خلال فعالياتهم اليومية في المساجد والمراكز الاجتماعية، أي هذه الفجوة التي يحاول كبير الحاخامات اليهود ردمها ولو نظريا، فلم تجد المعالجة نفسها في خطاب الأصوليين المسلمين الذين نظروا لمشروع بوريس جونسون من زاوية واحدة انتهازية، تتعلق بحقوقهم من مفردات الحماية الاجتماعية والإعاشة، مع ضمان السلامة وعدم التعدي عليهم، على الرغم من مطابخ تحضير العنف والتعدي على الآخرين.

غير أن أقبح ما يمكن أن يسمعه المرء من أفواه هؤلاء، هو تبرّؤهم من وفود لاجئين آخرين. وفي هذه النقطة، يفعلون ما فعله الإسرائيليون “الحريديم” وهم انتهازيون بامتياز، ومفعمون بجموح عنفي ضد الفلسطينيين، ويركزون لحُسن الحظ على مستوى حياتهم وثقافتهم العنصرية، ويكرهون الروس ويرون فيهم تهديدا علمانيا لثقافتهم، ويجعلون الدولة التي شجعت على تدفق المهاجرين، تكره المهاجرين الجدد، وتؤسس للأسرلة المترفة. فالأصوليات تتشابه في جموحها وانتهازيتها، وهي التي تكذب وتؤجج الصراعات الاجتماعية وفي دواخلها ترعى العنف المجنون الذي يطال الأبرياء.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: