المغرب في طريق السيادة الكاملة على حدوده البحرية

في خطوة تشريعية غير مسبوقة، صوت البرلمان المغربي، الاثنين، بالإجماع على مشروع قانون يرسم الحدود البحرية ليمتد إلى الصحراء، لتثبيت سيادته على المياه الإقليمية للصحراء المغربية، ولقطع الطريق أمام انتهاكات جبهة البوليساريو الانفصالية في الصحراء المغربية.

أعلن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عزم بلاده “بسط سيادتها على المجال البحري، ليمتد حتى أقصى الجنوب”، وليشمل مياه إقليم الصحراء، المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو الانفصالية، وذلك باتخاذ المملكة خطوة تشريعية وصفها المراقبون ب”التاريخية” و”غير المسبوقة”.

جاء ذلك خلال تقديم بوريطة مشروعي قانونين، مساء الاثنين، أمام أعضاء لجنة الخارجية والدفاع الوطني بمجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، تلاه تصويت بالإجماع للبرلمانيين على المشروعين.

وقال بوريطة إن “المشروعين يتعلقان بحدود المياه الإقليمية، وتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة على مسافة 200 ميل بحري، عرض الشواطئ المغربية، وهما مشروعان تاريخيان”. وأضاف بوريطة “سنبسط سيادتنا الكاملة على المجال البحري، لنؤكد بشكل واقعي أن قضية وحدتنا الترابية وسيادتنا على المجال البحري، محسومة بالقانون”.

وزاد بقوله “كان من الضروري تحديد الإطار القانوني للحدود البحرية للمغرب، وسيادة البلد تمتد من طنجة (شمال) إلى مدينة الكويرة (أقصى جنوب البلاد).. واليوم نعبر بشكل واضح، أن الصحراء في مغربها والمغرب في صحرائه”. وبعد مصادقة مجلس النواب على مشروعي القانونين سيُعرضان على مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان) للمصادقة عليهما، وبعدها يُنشران في الجريدة الرسمية ليدخلا حيز التنفيذ.

وأشار أستاذ العلاقات الدولية خالد شيات، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ” إلى أن “هذه الخطوة تدخل في الجانب السيادي للمملكة، خاصة أنها الأولى منذ استرجاع أقاليم الصحراء المغربية”.

وكان المغرب قد استعاد سيادته على كامل ترابه الوطني بعد انتهاء الاستعمار الإسباني للصحراء المغربية عام 1975، مؤكدا أن الصحراء جزء لا يتجزأ من التراب المغربي.

ومن المنتظر أن يثير هذا القرار ردود الفعل من موريتانيا وإسبانيا، إضافة إلى البوليساريو، لكن مراقبين يستبعدون ذلك في ظل إجماع دولي بسيادة المغرب على كامل أقاليمه.

وفي هذا الصدد اعتبر وزير الخارجية المغربي أن “إقرار التشريعين القانونيين الجديدين، عمل سيادي، لكنه لا يعني عدم انفتاح المغرب على النقاش مع إسبانيا وموريتانيا”.

ولفت صبري الحو المحامي والخبير في القانون الدولي، في تصريح لـ”أخبارنا الجالية ”، إلى أن قرار ترسيم الحدود تم بعد حسم الأمم المتحدة في كل النزاعات العارضة المثارة من قبل إسبانيا خاصة، “ولم يستبعد التوافق مع الجانب الإسباني للحسم في نقاط الخلاف، ما مهد للمغرب اتخاذه هذا القرار”.

وعملت إسبانيا على سن قانون تقوم بموجبه بتوسيع مياهها الإقليمية إلى ما يفوق 200 ميل بحري، لتشمل بذلك مياه الأقاليم الصحراوية، وقد اعترض المغرب على هذه الخطوة بالاحتكام إلى لجنة حدود الجرف القاري التابعة للأمم المتحدة، حيث راسل هذه اللجنة في مارس 2015، رافضا أي محاولة أحادية الجانب لترسيم الجرف القاري.

وهذه الاعتراضات المتبادلة تم الحسم فيها بالتراضي والتوافق بين الجانبين وقد تم اتخاذ القرار المغربي بعد ذلك، حسب ما ذهب إليه صبري الحو.

وأوضح الحو أن “المياه الإقليمية تحدد عن طريق الاتفاقيات الدولية، ولا يمكن لأي دولة اتخاذ قرار من جانب واحد، وهو ما يجعل القرار والمبادرة المغربية متطابقين مع القانون الدولي”.

وكانت الحكومة قد صادقت قبل سنتين على ثلاثة نصوص قانونية، تتضمن إجراء تعديلات جذرية على التشريعات المغربية المتعلقة بالمجالات البحرية الخاضعة لسيادة المملكة، أهمها إدخال المياه المقابلة لسواحل الصحراء ضمن المنظومة القانونية المغربية.

واعتماد هذا الترسيم في هذا الوقت بالذات، كما يرى الخبير المغربي، صبري الحو، ينم عن حصول تأييد واسع وقناعة جماعية لدى المجتمع الدولي بوجاهة الموقف المغربي وتفوقه أيضا وحصوله على تقدم ملحوظ.

النصوص التشريعية الجديدة تمكن المغرب من تحديد مجالاته البحرية بشكل أكثر دقة وملاءمة لمقتضيات القانون الدولي

وتقول الحكومة المغربية إن إدراج المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء المغربية بشكل صريح في المنظومة القانونية الوطنية، جاء لتثبيت الولاية القانونية للمملكة عليها، وسد الباب أمام كل الادعاءات المشككة في أنها لا تدخل في نطاق السيادة المغربية.

وستمكن النصوص التشريعية الجديدة المغرب من تحديد مجالاته البحرية بشكل أكثر دقة وملاءمة لمقتضيات القانون الدولي للبحار، في أفق تقديم الملف النهائي لتمديد الجرف القاري من 200 كلم إلى قرابة 350 كلم.

وتنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي صادق عليها المغرب على أنه في حال وجود دولتين جارتين، فإنه لا يمكن لأي منهما توسيع منطقتها الاقتصادية الحصرية أو جرفها القاري بشكل أحادي الجانب، إذ ينبغي على البلدين التوصل إلى اتفاق ثنائي حول تحديد المنطقة الإقليمية الحصرية، وفي حال فشلهما في التوصل إلى ذلك يتوجب عليهما التوصل إلى حل مؤقت، وفي حال فشلا في هذا الأمر فإن عليهما اللجوء إلى التحكيم الدولي.

وتوقع خالد شيات أن” تنشأ المنازعات في هذا الشأن بين المغرب مع كل من إسبانيا وموريتانيا، وأن يتم حلها ثنائيا أو عن طريق القضاء الدولي”.

وقد أدرجت الحكومة المغربية المجالات البحرية قبالة سواحل الصحراء في المنظومة القانونية الوطنية، ما يعني ترسيم الحدود البحرية لسواحل الصحراء، وهو ما يدحض كل الادعاءات المشككة في أن هذه الحدود البحرية لا تدخل في نطاق السيادة المغربية.

ويرى مراقبون أن الهدف من هذه الخطوة التشريعية هو قطع الطريق أمام محاولات جبهة البوليساريو اللجوء إلى المحاكم الدولية للطعن بخصوص منتجات الأقاليم الجنوبية، مضيفين أن هذا القانون يعتبر تحصينا لحقوق المملكة في استغلال وتصدير ثرواتها بالمنطقة.

وتلتزم الرباط في تحركها بالمواثيق الدولية والقانون الدولي والإنساني في مواجهة انتهاكات البوليساريو من دون التفريط في ثوابتها الوطنية.

ويستنتج صبري الحو أن “هذا الترسيم في حد ذاته يعطي طابع التأكيد والضمان على مستوى تحديد طبيعة الحل النهائي لنزاع الصحراء، الذي تأكد أنه لن يكون إلا سياسيا وفي إطار وحدة وسيادة المغرب”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: