الكراهية ضد المسلمين من المشاكل العويصة ببريطانيا

تواجه بريطانيا حاليا حزمة من التحديات، ويبدو تفشي مشاعر الرهاب والكراهية ضد المسلمين من بين أكثر المشكلات التي قد تفتك بوحدة المجتمع البريطاني، وهي الآفة التي تتمدد أكثر فأكثر بسبب صعود النزعة القومية التي تنتعش وتتغذى من الفوز الانتخابي للتيارات السياسية اليمينية.

لندن- رياح التغيير التي بدأت نسائمها تهب على بريطانيا في الفترة الحالية قد تعصف خاصة بالمسلمين هناك. ومن المتوقع أن يكون وراء بريكست ومشتقاته، من إعادة إحياء نزعات الانفصال والاستقلال عن التاج البريطاني، تحد في غاية الخطورة على الأمن القومي وتماسك المجتمع، يشمل تعبيد الطريق لصعود التيارات السياسية القومية والتصدعات التي يمكن أن تتسبب بها.

ويكفي إلقاء نظرة على المشهد الحالي وكيفية سير الأمور في المملكة المتحدة للحصول على رؤية استشرافية للمستقبل القريب، والذي تهيمن عليه حاليا مخاوف الجاليات المسلمة من تنامي مشاعر الكراهية.

وكان بيان المجلس الإسلامي البريطاني الذي يعدّ أكبر منظمة للحملات الإسلامية في المملكة المتحدة، قد ترجم صراحة تخوّف المسلمين البريطانيين من تبعات فوز حزب المحافظين الساحق في الانتخابات العامة على مستقبلهم، مشددا على أن هذه المخاوف ناتجة عن “التعصب طويل الأمد في سياستنا وحزبنا الحاكم”.

ويتزامن التحذير من كراهية المسلمين في الفترة القادمة مع تغريدة للبارونة سعيدة وارسي، التي ترأست في السابق حزب المحافظين، شددت فيها على ضرورة أن يبدأ الحزب في معالجة علاقته مع المسلمين البريطانيين، معتبرة أن التحقيق المستقل في رهاب الإسلام يعدّ خطوة أولى لا بد منها، وأن تكثيف المعركة للقضاء على العنصرية واجب.

وبعد صدور نتائج الانتخابات المبكرة في بريطانيا قال الأمين العام في المجلس الإسلامي البريطاني، هارون خان، إن “الخوف أصبح منتشرا بين الجماعات الإسلامية في جميع أنحاء البلاد بعد أن أصبح جونسون يقود الأغلبية”.

وتابع خان “دخلنا فترة الحملة الانتخابية مع مخاوف بسبب التعصب في سياستنا وحزبنا الحاكم. وأصبحنا قلقين من انتشار الإسلاموفوبيا داخل الحكومة”.

وكان قد أكد، في تصريحات سابقة، أن مشكلة الإسلاموفوبيا متجذرة ومتفشية داخل الحزب. وطالب آنذاك رئيس الوزراء بالقيادة من الوسط والتفاعل مع جميع مكونات المجتمع.

في ظل انتشار الإسلاموفوبيا بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ بريطانيا الحديث، يستبعد أن يتراجع عدد الهجمات التي تستهدف المسلمين وأماكن عبادتهم  أو تجمعاتهم

وأثناء إلقائه خطاب النصر، صباح الجمعة، وعد جونسون بأن حكومته الجديدة ستكون بمثابة دولة واحدة تعمل لصالح الجميع. لكن هذا التعهد لم يلمّع صورة رئيس الوزراء ولم يبعد عنه الانتقادات الشديدة على تشجيع انتشار العنصرية وتفشي مشاعر الكراهية ضد المسلمين والترهيب منهم، وهو الذي شبه، خلال حملته الانتخابية، النساء اللاتي يرتدين النقاب بـ”صناديق الرسائل”.

وتشير العديد من التقارير والإحصائيات إلى أن رئيس الوزراء وحزبه الفائز بالأغلبية في الانتخابات ساهما بشكل كبير في جعل كراهية المسلمين ظاهرة مقبولة اجتماعيا حيث أصبحت أكثر انتشارا من معاداة السامية في المجتمع البريطاني.

وتقول الإحصائيات إن الجرائم التي ارتكبها البريطانيون ضد المسلمين بلغ عددها ثلاثة أضعاف الجرائم المسلطة ضد اليهود (3530)، وهو ما يمثل نصف جرائم الكراهية ضد الجماعات الدينية في المملكة المتحدة تقريبا.

وعندما يتعلق الأمر بالمشاعر المعادية للمسلمين، يتوجه التركيز إلى المحافظين. فقد كتب رئيس الوزراء الحالي ذات مرة أن “الخوف من الإسلام يعد من ردود الفعل الطبيعية” وأصر على أن “الإسلام هو المشكلة”.

وفي الآونة الأخيرة، انتشرت أخبار تفيد بتعليق عضوية عدد من مسؤولي حزب المحافظين بسبب خطابهم الذي يتضمن في جوهره دلالة على نبذ المسلمين. لكن، لا يبدو أبناء الحزب مستعدين لمعالجة هذه العنصرية المتفشية بينهم.

ولا تقتصر هذه المشاعر على حزب المحافظين لكن كره المسلمين ينتشر في المجتمع البريطاني ككل. وزادت جرائم الكراهية ضد الأفراد المسلمين خلال الفترة الممتدة من 2016 إلى 2017 بنسبة 30 بالمئة.

وفي العام الموالي، أرسلت مظاريف موقّعة بـ”يوم معاقبة المسلمين” إلى أعضاء البرلمان المسلمين والأسر التي يتبنى أفرادها ديانة الإسلام في جميع أنحاء لندن. كما تعرضت المساجد للهجوم على الصعيد الوطني، ودهست شاحنة مجموعة من المارة الذين كانوا في مسجد في حي فينسبري بارك بشمال شرق لندن في يونيو 2017.

أرقام مثيرة للقلق

 سعيدة وارسي: يجب أن يبدأ حزب جونسون في معالجة علاقته مع المسلمين البريطانيين، والتحقيق في رهاب الإسلام خطوة أولى لا بد منها

في ظل انتشار الإسلاموفوبيا بطريقة لم يسبق لها مثيل في تاريخ بريطانيا الحديث، لا يتوقع المحللون للشأن البريطاني أن يتراجع عدد الهجمات التي تستهدف المسلمين وأماكن عبادتهم أو تجمعاتهم، بل يقدرون أن تزداد سوءا إثر فوز المحافظين في الانتخابات.

ويقول هؤلاء إن المشكلة اليوم أصبحت أكثر خطورة مما كانت عليه بعد هجمات 11 سبتمبر وتفجيرات القطارات والحافلات في لندن سنة 2005. فقبل وقت قصير من انتخابات 12 ديسمبر، نظمت “آي.سي.أم” استطلاع رأي شمل عددا من الناخبين وتطرّق إلى طبيعة مواقفهم من المسلمين.

واعترف 37 بالمئة من الناخبين المحافظين برؤية المسلمين من زاوية سلبية، وأكد 55 بالمئة منهم رغبتهم في رؤية عدد المسلمين الذين يدخلون بريطانيا ينخفض، فيما قال 62 بالمئة إنهم يوافقون على الرأي الذي يفيد بأن الإسلام يهدد أسلوب الحياة في بريطانيا.

ولا تعتبر هذه الأرقام مفاجئة، رغم أنها مثيرة للقلق، حيث تزايدت مزاعم انتشار معاداة المسلمين في حزب المحافظين لسنوات. ووجّهت العديد من الشكاوى بسبب سلوك أعضاء الحزب وطبيعة خطابهم الموجه نحو المسلمين.

وكانت وارسي قد أكدت، في العام 2018، أن على المحافظين التحقيق في مزاعم رهاب الإسلام. وقالت قبل سنوات بينما كانت في منصبها إن هذه الظاهرة أصبحت مقبولة على نطاق واسع.

ولم تكن وارسي مخطئة، إذ لم تكن الأرقام التي سجلت في أحدث استطلاع نظمته “آي.سي.أم” متعلقة بحزب المحافظين فحسب، بل بالجمهور البريطاني ككل. فبين الناخبين البريطانيين الداعمين لتيارات سياسية مختلفة، أفاد الاستطلاع بأن 26 بالمئة منهم ينظرون إلى المسلمين نظرة سلبية، وقال 41 بالمئة إنهم يدعمون انخفاض عدد المسلمين الذين يدخلون بريطانيا، ووافق 45 بالمئة على الرأي الذي يزعم أن الإسلام يهدد نمط الحياة البريطاني.

وغذى نشاط الجماعات الجهادية وخطابها المعادي للغرب والهجمات العديدة التي نفذها إسلاميون في مدن وعواصم عديدة من العالم شعور الخوف والكراهية ضد المسلمين.

ويقول الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومؤسسة كارنيجي للسلام الدولي هـ. أ. هيلر -في مقال نشره في مجلة “فورن بوليسي”- “كنت أجادل أحيانا بأن هؤلاء المتطرفين يشكلون تهديدا للمملكة المتحدة وللمجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم أين يبقى المسلمون أكبر ضحايا الإسلام المتطرف، حيث يقتل بعضهم ويدفع الباقي ثمن انتماءاتهم الدينية عند محاربة الجماعات الإسلامية المتطرفة”.

لكن الاستطلاع لم يستفسر عن نظرة البريطانيين للإسلاميين المتطرفين الخطيرين، بل سأل عن المسلمين كأفراد والإسلام كدين. ولم تقتصر معاداة المسلمين على أقلية صغيرة من البريطانيين، ولا حتى على حزب سياسي واحد، بل امتدت إلى نسبة تكاد تصل إلى نصف الناخبين. ولم يكن المتطرفون محور هذه الكراهية، بل كانوا المسلمين العاديين، وهو ما يعدّ مشكلة خطيرة في بريطانيا.

جاء انتشار رهاب الإسلام وقبوله في المجتمع الغربي نتيجة لثلاثة عوامل، تمثل أولها في تصريحات مختلف الشخصيات السياسية البارزة التي تعتمد خطابا يتضمن هذه المشاعر. فعلى سبيل المثال، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب “أعتقد أن الإسلام يكرهنا”. ولم يحدد أنه يتحدث عن المتطرفين بل عمّم نظرته لتشمل الإسلام ككل.

وهنا تجدر مقارنة تصريحات ترامب وردود فعله تجاه الإسلام والمسلمين بالطريقة التي استجاب بها الرئيس الأميركي الأسبق، جورج بوش، لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، حيث زار مسجدا ليؤكّد أن العدو لا يكمن في الإسلام كدين والمسلمين ككل.

وعندما تصدر التصريحات الدالة على الكراهية عن شخصيات قوية مثل ترامب، فإنها تنشر خطاب التعصب على نطاق أوسع، مما يخلق فرصة لظهور خطاب آخر يخلف ضررا أكبر على المستهدفين بطريقة يعتبرها المجتمع مقبولة.

ويكمن العامل الثاني في وجود شبكة تهدف إلى تصوير المسلمين من زاوية سلبية في الغرب. وحدد مركز التقدم الأميركي الذي يقع مقره في الولايات المتحدة، في تقريرين هامين بعنوان “مؤسسة الخوف” و”مؤسسة الخوف 2.0”، شبكات التأثير المختلفة التي تركز على نشر الروايات التي تزعم أن هدف المسلمين والإسلام يتمثّل في تدمير الحضارة الغربية من الداخل. وبطبيعة الحال، لم تختر هذه الأطراف هذا الطريق صدفة، فهي تتمتع بتمويلات مقابل دعم السياسيين الديماغوجيين في أميركا وأوروبا والعالم.

الجرائم التي ارتكبها البريطانيون ضد المسلمين بلغ عددها ثلاثة أضعاف الجرائم المسلطة ضد اليهود (3530)

ويتمثّل العامل الثالث في تعميم وجهات النظر المشبعة بالكراهية. ويأتي ذلك من أشخاص لا يعتبرون متطرفين. كما فسر الباحث توم كيباسي الشهر الماضي، عدم انتقاد الكثيرين في الإعلام البريطاني الإسلاموفوبيا بأنهم “يتفهّمونها”.

ولم يكن جل السياسيين والمثقفين والشخصيات الإعلامية على استعداد لمواجهة هذه القضية، بل كانوا راضين في أغلب الأحيان عن المشاركة في حوارات تدعم هذا الموضوع لتحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير.

ولا يعدّ التقليل من شأن هذا النوع من التهديد خيارا ينبغي أن نؤيده، حيث يؤثّر على التماسك الاجتماعي في مختلف الدول الغربية. وأدى انتشار فكرة مفادها أن اليهود في أوروبا يشكلون تهديدا في أوائل القرن العشرين في النهاية إلى الهولوكوست. وأدت شيطنة المسلمين البوسنيين إلى إبادة جماعية كانت الأولى من نوعها في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وفي سياق ما يمكن أن ينجر عن قبول هذه المشاعر من تداعيات خطيرة وخطوات مشينة، يأتي اختيار المؤلف النمساوي بيتر هاندكه الذي أنكر الإبادة الجماعية في البوسنة للفوز بجائزة نوبل للأدب ومصافحته الملك السويدي.

تداعيات خطرة

تحتاج أكثر الأقليات ضعفا إلى أن تحرص المجتمعات على حمايتها، لكن غالبا ما نلاحظ ميل المجتمعات المضطربة إلى إهمال هذه المسؤولية.

وهذا الاضطراب وانكسار وحدة المجتمع البريطاني يبدوان وشيكين في ظل تطورات الأحداث ونتائج الانتخابات التشريعية المبكرة، التي أتاحت عودة المطالبات بالانفصال.

والانتصار الساحق للمحافظين في الانتخابات ساهم في ارتفاع أسهم القوى القومية في أيرلندا الشمالية واسكتلندا، وبروز بوادر وأعراض قد تسفر في نهاية المطاف عن تفكك المملكة المتحدة وذلك بسبب ارتفاع الأصوات المنادية بالانفصال عن التاج البريطاني من قبل أيرلندا الشمالية واسكتلندا.

جاء انتشار رهاب الإسلام وقبوله في المجتمع الغربي نتيجة لثلاثة عوامل، تمثل أولها في تصريحات مختلف الشخصيات السياسية البارزة التي تعتمد خطابا يتضمن هذه المشاعر

وارتفع تمثيل الأيرلنديين القوميين في مجلس العموم البريطاني على حساب أولئك الوحدويين المتمسكين بالروابط مع لندن، كما مثل انتصار الحزب القومي الاسكتلندي فرصة ذهبية لرئيسة الوزراء نيكولا ستورجيون لتجدد مطالبتها باستفتاء للانفصال عن بريطانيا.

كان هجوما كرايستشيرش في نيوزيلندا في شهر مارس مدفوعين بالقوميين في البلقان، والذين أدى تعصبهم ومعاداتهم للإسلام إلى الإبادة الجماعية في البوسنة. لكن فريد أحمد، وهو أحد الناجين من الهجوم الذي شن على المسجد الذي قُتل فيه المصلون بما في ذلك زوجته،  أعلن أنه سامح القاتل. واستخلص درسا مفاده أن الشر يمكن أن يحدث في أي مكان وأن يصيب أي شخص بعد أن استهدف مدينة الحب والرحمة والحياة الروحية.

لم يعتقد أحد أن تحدث مثل هذه المذبحة في نيوزيلندا المتسامحة، لكنها وقعت. وفي المملكة المتحدة، حذرت أجهزة الأمن الجمهور مؤكدة أن اليمين المتطرف حاول (وفشل لحسن الحظ) في تنفيذ مذابحه الخاصة، حيث عمل على تكديس معدات لقصف مسجد وتخزينها. صيغت ثلث الخطط الإرهابية في المملكة المتحدة منذ مارس 2017 بين صفوف اليمينيين المتطرفين، وذلك وفقا للأجهزة الأمنية البريطانية. وكان هدفهم يتمثّل في المسلمين أكثر من أي طرف آخر.

ويقول هيلر “قبل أن تحدث نسخة بريطانية من مذبحة كرايستشيرش، سيتعين على جونسون بذل المزيد من الجهد للتصدي للكراهية التي تلوث السياسة البريطانية”.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: