وصم ترامب للإسلام بالتطرّف يرفع منسوب اللاتسامح

قامت رؤية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمحاربة التطرف منذ البداية على حصره بما أسماه بـ”التشدد الإسلامي”، دون أن يقدم تعريفا دقيقا للأمر، وهو وصف إطلاقي انطوى على الكثير من التحيز والوصم السلبي للمسلمين يشكل رافعة أساسية لانتشار خطاب العنف والكراهية ويهدّد الحريات الدينية.

 يعمد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في رؤيته للقضاء على ظاهرة التشدد إلى الحديث عن “الإسلام المتطرف”، دون أن يقدم تعريفا دقيقا لما يعتبره إسلاما متشددا، وهو ما فتح الباب واسعا أمام من سيشمله هذا المصطلح من دول وجماعات، وما سيترتب عليه من تداعيات.

وشكل هذا الخطاب لازمة لصيقة بخطبه منذ تقديم ترشحه للانتخابات الرئاسية، حيث تعهد خلال حملته الانتخابية بإنهاء “التهديد الذي يمثله الإسلام المتطرف”.

وذكر في الخطاب الذي ألقاه في يونغزتاون، أوهايو، في أغسطس 2016، أن هزيمة الإسلاميين ستتطلب معركة ضد أفكارهم الأساسية، وأنه “يجب علينا أيضًا التحدث بقوة ضد أيديولوجيا الكراهية التي توفر أرضًا خصبة لتنمية العنف والإرهاب”.

ويتعامل ترامب وفريقه اليميني من أمثال سيباستيان غوركا وجون بولتون مع الإسلام بوصفه أيديولوجيات سياسية خطيرة تشكل تهديدات أمنية لمجتمعهم المحلي ولأميركا، لا كدين يحث على السلام والمحبة يتبعه أكثر من مليار مسلم في العالم. وهي رؤية تهدد الحريات الدينية والتسامح في المجتمع الأميركي، وتمثل خطرا نظرا لإمكانية توظيفها ضد أتباع أي دين آخر.

وبالعودة إلى التاريخ الأميركي، ظهر هذا الادعاء ضد مجموعات أخرى. ففي القرن التاسع عشر، استاء الأهلانيون من تدفق المهاجرين الكاثوليك. وكان العداء المناهض للكاثوليك قويا لدرجة أنه أدى إلى عنف جماعي في أكثر من مناسبة.

كما هو الحال مع الادعاءات المناهضة للمسلمين اليوم، ادعى القوميون الأميركيون أن الكنيسة الكاثوليكية كانت كيانا أجنبيا حاملا لميول سلطوية، وصُوّرت الكنيسة الكاثوليكية على أنها غير متوافقة مع الديمقراطية الأميركية مما شكك في ولاء المواطنين الكاثوليك. وحتى مع ترشّح جون كينيدي للرئاسة في سنة 1960، ادعى بعض الأميركيين البارزين أن الفاتيكان سيمارس نفوذا سياسيا ضارا إذا فاز هذا الكاثوليكي في السباق نحو البيت الأبيض.

وقبل عدة عقود من حملة كينيدي، وزّع هنري فورد “بروتوكولات حكماء صهيون”، وهي عبارة عن روايات معادية للسامية وتدعي عرض تفاصيل اجتماعات كبار اليهود الذين يسعون للسيطرة على الصحافة والاقتصادات العالمية.

وفي نفس السياق، واجه المورمون اضطهادات كبيرة في الولايات المتحدة. ففي سنة 1838، أصدر حاكم ميزوري، ليلبورن بوغز، أمرا بطردهم وإبادتهم مؤكّدا أنهم “أعداء يجب طردهم من الدولة إذا لزم الأمر”. وفي سنة 1883، واجهوا ما أسماه الكثيرون سلفا “حظر السفر”. في تلك الفترة، طلب الرئيس غروفر كليفلاند من الكونغرس البحث عن طريقة لمنع قبول المورمون القادمين إلى البلاد.

المسلمون في أميركا ضحايا أيديولوجيا الكراهية

في كل حالة من هذه الحالات، شهد المجتمع الديني المهمش ما يسميه المؤرخ تيموثي سنايدر من جامعة ييل بـ”إزالة الجنسية”. ويعني هذا “أن تنظر إلى جيرانك وتعرّفهم كأعضاء من مجتمع عالمي أكبر يتمتع جميع أعضائه بنفس الآراء عوضا عن رؤيتهم كأشخاص يحملون نفس جنسيتك”.

اليوم، أصبح المسلمون هم المجرّدون من الجنسية بسبب بعض قوانين البلاد ونظرتها العامة لحقوق المسلمين. وفي حين يعدّ أبناء هذه الديانة أحدث الضحايا، تؤثر الهجمات على حقوقهم على جميع الأميركيين.

مرة أخرى، يبرز التاريخ هذه النقطة، فعندما تؤدي العداوة ضد مجموعة معينة إلى سن قوانين تستهدفهم، يمكن أن تؤثر تلك القوانين على مجموعة أخرى في فترة لاحقة.

على سبيل المثال، بلغ عداء الكاثوليك ذروته في القرن التاسع عشر مع تشكيل حزب سياسي يدعى “حزب لا أدري”، الذي سعى إلى نوع من الطهارة السياسية ودافع عن القوانين التي تحظر تقديم المساعدات العامة إلى بعض المدارس وتمنع معلمي المدارس الحكومية من ارتداء الزي الديني.

استهدفت قوانين مكافحة الزي الراهبات الكاثوليكيات، وسعت للحد من تأثير هذا الدين على الحياة العامة الأميركية. في حين كانت هذه القوانين متجذرة في العداء الموجّه للكاثوليك، إلا أنها تؤثر على المنتمين إلى بعض الديانات الأخرى اليوم.

ويؤدي التنازل عن الحق في تنظيم ممارسة الشعائر الإسلامية للحكومة، إلى خلق طريق نحو مستقبل تقيد فيه حرية جميع الأميركيين في نهاية المطاف.

على سبيل المثال، إذا قررت المحاكم والهيئات التشريعية قبول الادعاء بأن الإسلام ليس دينا ولا يتمتع المسلمون بحرية دينية، فسيمكنها قبول الادعاءات المتعلقة بكل جماعة دينية أخرى قد تخشاها الأغلبية أو تكرهها.

إذا بدأت المحاكم تحليل العقيدة الإسلامية لتحديد الأجزاء المقبولة، كما يريد بعض الأفراد البارزين، فإنها ستفتح الباب أمام المحاكم التي تحلل معتقدات كل جماعة دينية أخرى أيضا.

لا يعني هذا أن جميع الأعمال الدينية محمية، إذ يجب تقييد تلك التي تشكل مخاطر جسيمة على الحياة والسلامة والأمن القومي والمصالح الحكومية الأخرى لأسباب يراها القانون قاهرة. لكن، يبقى ما سعى إليه ناشطو القرن التاسع عشر عندما أرادوا إبقاء الراهبات خارج المدارس العامة، وما سعى إليه مجلس الشيوخ الأميركي عندما دقق في السيناتور سموت، من القضايا الأوسع التي لا تحمل علاقة بالبراغماتية وحماية المصالح، بل بالخوف والكراهية مما سيدفع إلى انتهاك حقوق جميع الأميركيين.

دفعت سياسة الخلط بالإدارة الأميركية إلى التعامل مع المنظمات والجمعيات داخل الولايات المتحدة بشكل موحد، وكأنه لا اختلاف بينها، مما رشح كفة الجمعيات والمنظمات المتصلة بجماعات الإسلام السياسي لتتمتع بدعم كبير.

وفي وقت سابق من هذا العام، قامت مؤسسة “منتدى الشرق الأوسط” البحثية الأميركية بمراجعة ملايين الدولارات من المنح التي تم إدراجها بواسطة موقع “يو.أس.أي سبيندينغ دوت غوف” الحكومي. وكشفت أن أموال دافعي الضرائب الممنوحة للمنظمات التي تتأثر أو يسيطر عليها نشطاء إسلاميون متشددون قد تضاعفت ثلاث مرات من 4 ملايين دولار إلى 13.5 مليون دولار. وفي ظل إدارة أوباما، بلغ متوسط ​​المبلغ الممنوح للمنظمات المرتبطة بالإسلام 1.7 مليون دولار فقط كل عام.

ورغم التمويل الهائل الذي تلقته المنظمات الإسلامية فإنه تم تهميش الجماعات الإسلامية الإصلاحية والمعتدلة إلى حد كبير. فمنذ عام 2017، وجدت مؤسسة “منتدى الشرق الأوسط” أن 15 بالمئة فقط من المنح الفيدرالية للمنظمات الإسلامية المحلية تُمنح للجماعات الإسلامية التي تخلو من النفوذ الإسلامي.

وفي حديثها إلى مؤسسة “منتدى الشرق الأوسط”، قالت الكاتبة والناشطة الإصلاحية البارزة، شيرين قدوسي، إن أميركا تحتاج إلى توجيه رسالة مضادة قوية ضد الإسلاميين من داخل العالم الإسلامي نفسه. هذه الرسالة المضادة تتمثل في الإصلاح الإسلامي، وكثير منا موجودون بالفعل في أميركا الشمالية على الخطوط الأمامية في الحرب الأيديولوجية. ومنذ تولي ترامب الرئاسة، صعد الإسلاميون الأميركيون إلى السلطة السياسية وكسبوا السرد الثقافي المرتبط بجهد أكبر لتقويض السيادة الأميركية.

ومن البديهي أنه لا يكفي مجرد هزيمة الإسلاميين المتشددين كأشخاص أو كيانات بوضعهم في السجن أو تجفيف مصادر تمويلهم؛ بل يجب القضاء على الأيديولوجيا، ونحن نفعل ذلك من خلال تمكين المفكرين المسلمين الأحرار من جيلنا.

وتُوجه الإدارة الأميركية إشارات قليلة إلى التطرف الداخلي المرتبط بالإنترنت تعبر عن نية غامضة لتشكيل “شراكات” مع المسلمين الأميركيين، التي لم تحددهم أبداً، وهي ضرورة نظرا للتنوع الهائل بين الإسلام الأميركي والإسلاموية. وفي هذا الصدد، تبدو عقيدة ترامب في مكافحة الإرهاب مختلفة قليلاً عن استراتيجيات مكافحة الإرهاب التي سبقتها.

اليوم، أصبح المسلمون مهددون بسبب بعض قوانين البلاد ونظرتها العامة لحقوقهم. وهي مسألة ستؤثر على حقوق جميع الأميركيين

وبالنظر إلى الجرأة التي تتصف بها الإدارة الحالية، يأمل الكثير من الأميركيين في وجود إمكانية للتغيير في مجالات السياسة التي من المؤكد أنها ستبتعد عنها الإدارات الأخرى. ومع ذلك، يبدو أن مسألة التطرف الداخلي هي المجال الوحيد الذي كانت فيه الإدارة الحالية حذرة بشكل ملحوظ على الرغم من أنها تخضع لبعض خطابات ترامب الأكثر حماسة.

قد يكون هذا بسبب الانقسامات الأيديولوجية في البيت الأبيض. ويعتبر رحيل جون بولتون الأخير هو مثال حي على ذلك. أو ربما تسبب الغضب الإعلامي حول “صعود” التمييز الأبيض المزعوم في أن الإدارة الأميركية تتجنب التركيز على الإسلام المتطرف.

القليل من المراقبين ينظرون إلى الأهوال الأخيرة للعنف اليميني المتطرف -والتي لم تزدد بشكل كبير في الأعوام الثلاثين الماضية- ويدعون أن المتفوقين البيض يهددون أي شيء من حولهم.

ورغم تجرّؤ ترامب على ذكر اسم التهديد الذي واصلت إدارة أوباما إنكار وجوده. لكن إلى جانب التغيير المرحب به في خطابه، كان هناك نقص ثابت في العمل من جانب الإدارة. لا توجد لجنة للإسلام المتطرف؛ كما أن المسلمين الإصلاحيين لم يتم تعيينهم في مناصب استشارية أو ترقيتهم بطرق أخرى؛ وتبقى شبكات الدعم للإسلام المتطرف قائمة؛ وتستمر المنظمات الإسلامية الرائدة في التمتع بتأييد الحكومة ورعايتها. وهو ما جعل الإسلاموية تزدهر في الولايات المتحدة، ما يحتم على المسؤولين الأميركيين أن ينهوا كل الدعم الفيدرالي لمثل هذه الجماعات، وأن يدافعوا عن الإصلاحيين من المسلمين المعتدلين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: