شبح التراجع عن إصلاح نظام التقاعد يربك حسابات ماكرون

يتواصل التصعيد في فرنسا بين قادة حركة الاحتجاج وحكومة إدوارد فيليب في وقت يبدو فيه أن الخيارات باتت واضحة بالنسبة للرئيس إيمانويل ماكرون الذي قد تُعجل هذه الموجة من الاحتجاجات الأضخم منذ سنوات بسقوط برامجه الهادفة لتحسين وضع فرنسا الاقتصادي وإعادة تبوّئها مراتب أولى ضمن القوى العالمية، لاسيما عند الحديث عن إمكانية خضوع السلطات والتنازل عن الخطوات الإصلاحية التي تُعنى بنظام التقاعد.

سجّلت وسائل النقل العام في فرنسا الثلاثاء اضطرابات في اليوم السادس من الإضراب ضد تعديل نظام التقاعد، الذي سيشهد اختبارا جديدا للقوة في الشارع، ذلك أن التظاهرات تزامنت مع عشية إعلان الحكومة الفرنسية عن مشروعها النهائي.

وسيترتّب على سكان المنطقة الباريسية المعنيين الرئيسيين بإضراب العاملين في وسائل النقل منذ الخميس، التحلي بالصبر.

ولا تزال تسعة خطوط مترو مغلقة بشكل كامل في باريس ولا يجري تسيير إلا ربع الحافلات خصوصا بسبب إقفال المضربين مداخل ومخارج مواقفها.

ويُتوقع أن يتم اتخاذ إجراءات تصعيدية قبل انتهاء الإضراب الذي انطلق الخميس الماضي.

وبات التراجع عن الخطوات الإصلاحية التي تسعى السلطات الفرنسية إلى فرضها يثير توجس ماكرون الذي فاز بالرئاسة إثر حملة انتخابية وعد فيها بإجراء تحول في فرنسا وبإعادتها إلى مكانتها الرائدة على الساحة الدولية.

والواضح أنه لا يمكن تحقيق الهدف المنشود لدى ماكرون إلا بإجراءات موجعة بحق بعض الفئات وهو ما ترفضه الأوساط النقابية التي وضعت قدرته على تنفيذ مشروعه على المحك.

المتوقع أن تضرب فرنسا موعدا جديدا مع التعبئة الشعبية للتصدي للإصلاحات بحسب الكونفيدرالية العامة للعمل

وقال تييري بابيك من نقابة العاملين في الشركة المشغلة لمترو الأنفاق في باريس “الأسبوع ميت”.

وقالت الشركة الوطنية للسكك الحديد التي تسيّر 20 بالمئة من القطارات الفائقة السرعة، إن الأمر سيكون “صعبا حتى نهاية الأسبوع”.

وروت ماري سيسيل دوران وهي موظفة في مكتب وتقطن في ضاحية بوردو جنوب غرب البلاد “ركبت حافلة للقدوم إلى العمل بدلا من القطار، كما فعلت في الأيام السابقة، وتستغرق الرحلة الآن 30 دقيقة إضافية”.

وفي محطة قطارات سان شارل في مدينة مارساي جنوب شرق فرنسا، يدعم سليم وهو مدير متجر، الحركة الاحتجاجية رغم تراجع أرباحه.

وتأمل النقابات في القيام بعرض قوة جديد في الشوارع، بعد أول يوم تعبئة في الخامس من ديسمبر الذي تظاهر خلاله 800 ألف شخص في جميع أنحاء فرنسا بحسب وزارة الداخلية، بينما قدرت الكونفيدرالية العامة للعمل عدد المتظاهرين بـ1.5 مليون.

وقال الأمين العام لنقابة “القوى العاملة” إيف فيريه “أعرف أن التعبئة ستكون قوية، حتى أنها ستكون أقوى من الـ800 ألف الأسبوع الماضي”.

ووفق قول الرئيس الفرنسي، التحدي بالنسبة لمعارضي الإصلاح هو إرغام الحكومة على التخلي عن وضع “النظام الشامل” للتقاعد الذي يُفترض أن يحلّ محلّ أنظمة التقاعد الـ42 المعمول بها حاليا وإنشاء نظام “أكثر إنصافا”. ويخشى المعارضون الإجحاف بحق المتقاعدين.

ورأى فريديريك سيف من الكونفيدرالية الديمقراطية للعمل، النقابة الوحيدة المؤيدة للنظام الشامل، أن الإعلان الرئيسي سيكون اليوم مع عرض رئيس الوزراء إدوارد فيليب تفاصيل المشروع، الأمر الذي ينتظره الجميع. وسيتحدث فيليب في منتصف النهار.

تصاعد وتيرة العنف

وكتبت صحيفة “ليزيكو” الثلاثاء أنها علمت أن رئيس الحكومة سيقدم تنازلا عبر تأخير الإصلاح ليشمل الجيل المولود عام 1973 أو حتى 1975.

واجتمع مساء الثلاثاء ماكرون في القصر الرئاسي بالوزراء المعنيين بالإصلاحات وقادة الأكثرية لوضع آخر اللمسات على المشروع.

وبحسب الكونفيدرالية العامة للعمل ونقابة “القوى العاملة”، من المتوقع أن تضرب فرنسا موعدا جديدا مع التعبئة الشعبية الخميس للتصدي للإصلاحات.

وكثف محتجو السترات الصفراء الضغوط على ماكرون الذي يواجه اختبارا حقيقيا لتبيان تمكنه من الصمود بوجه الحركات الاجتماعية و العمالية الرافضة لخططه الإصلاحية.

وتزداد الضغوط أكثر عندما يتعلق الأمر بتأييد شعبي لحركة الاحتجاج، حيث أظهر استطلاع للرأي شارك فيه 1001 شخص في نهاية الأسبوع، أن 53 بالمئة من الفرنسيين “يدعمون” أو “يتعاطفون” مع حركة الاحتجاج.

ويعد الإضراب الذي شهدته فرنسا أكبر إضراب منذ الاضطرابات التي شهدتها البلاد في العام 1995 والتي أفضت في نهاية المطاف إلى تغيير السلطات آنذاك من خططها الإصلاحية.

وتضع هذه الاحتجاجات شعبية الرئيس الذي لم يتجاوز بعد عامين ونصف العام من توليه الرئاسة على المحك.

وتنص الإصلاحات الذي تعتزم حكومة إدوارد فيليب فرضها على إنهاء كل الأنظمة الخاصة التي يستفيد منها بعض الموظفين والعاملين في الشركات العامة الكبرى وقلة من القطاعات المهنية الأخرى على غرار البحارة وموظفي أوبرا باريس، وفرض نظام عام للتقاعد يعتمد على النقاط.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: