الثقافة والفن جسران لخلق روابط تفاهم بين الإسبان والعرب

العلاقة بين العالم العربي وأوروبا يشوبها اختلاف في وجهات النظر بين الطرفين لذلك تقوم اللقاءات الثنائية والمنتديات بدور مهم من أجل الوصول إلى النقاط المشتركة

أقام بيت الإعلام العربي في قرطبة منتدى “المغرب العربي والشرق الأوسط وأوروبا: التفاهم بين الثقافات. العلاقات والتحديات”، لتسليط الضوء على أهمية الارتباط والتفاعل بين ضفتي المتوسط، مستعرضا وجهات نظر مختلفة لقضايا الأمن والدفاع، والاقتصاد والتجارة، إضافة إلى قضية التعاون السياسي والدبلوماسي، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

 أكد خافيير روسون، الخبير في الحركات والمجتمعات الإسلامية في إسبانيا وأوروبا، الحاجة إلى منبر للمعلومات والتعبير عن الرأي ليكون جسر التفاهم بين أوروبا والثقافة العربية، والوصول إلى حوار بين ضفتي المتوسط، مشيرا إلى وجود العديد من القضايا التي تقرب الضفتين. وجاء حديث روسون خلال افتتاح منتدى “المغرب العربي والشرق الأوسط وأوروبا: التفاهم بين الثقافات. العلاقات والتحديات”، الأسبوع الماضي، الذي نظمته مؤسسة بيت الإعلام العربي في قرطبة.

واعتبر روسون، رئيس تحرير مجلة “أوراق” AWRAQ (مجلة التحليل والتفكير في العالم العربي والإسلامي المعاصر)، أن العلاقة بين العالم العربي وأوروبا -وخصوصا إسبانيا- يشوبها اختلاف في وجهات النظر بين الطرفين، وهنا يأتي دور اللقاءات الثنائية والمنتديات من أجل التحاور والوصول إلى التفاهم والنقاط المشتركة.

ولم يحدد جانبا أو قضية مهمة فقط يمكن أن يلتقي من خلالها العالمان العربي والأوروبي، بل أشار إلى وجود خطط عمل وجوانب متعددة للوصول إلى نقاط التقاء بين الثقافات والحضارات. وقال إنها “في النهاية تصب في خانة معرفة الآخر، وهذا ‘الآخر’ بالنسبة إلينا هو اللغة العربية، بينما بالنسبة إليهم (العالم العربي) هو الغرب أو الأوربيون”.

وتابع، “لقد أدركنا أن الثقافة والتعليم هما من أفضل الأدوات للتواصل بين بعضنا البعض. ويعد تعزيز وفهم القضايا الثقافية والمشاركات الفنية من أفضل الوسائل لزرع بذرة التعايش والحوار الحضاري الضروري”.

وقال إنه “لا يكفي فقط الجلوس إلى الطاولة للمناقشة، بل نحتاج في الكثير من الأحيان إلى النزاع للوصول إلى نقاط الالتقاء، وهذا ما يحدث حاليًا. فمن الضروري التحدث بين ضفتي المتوسط لأن هناك العديد من القضايا التي تقربنا ونتقاسمها دون أن نعرفها”.

وأضاف أن “المسألة الأساسية هي أننا نمتلك ثقافة متوسطية. ويمكن أن نكون أقرب إلى العالم العربي مقارنة بأجزاء أخرى من الغرب. ربما ليس في القيم السياسية أو الديمقراطية، ولكن من الناحية الثقافية المكون الاجتماعي والإنساني يوحدنا، وعلينا أن نعمل الكثير لتعزيز النقاط المشتركة”.

وشدد على أن “عالم الثقافة والفن هو واحد من أفضل الجسور لخلق روابط التفاهم والتواصل في هذا الصدد، إضافة إلى العامل التاريخي والتراثي الذي يجمعنا، مما يجعلنا نقترب من القراءة الصحيحة لماضينا وما نريد الوصول إليه في الحاضر والمستقبل”.

خافيير فرنانديز أريباس: نحن نتأثر مباشرة بما يحدث في البلدان المغاربية والشرق الأوسط، ومن الضروري توضيح ما وراء الصور النمطية
خافيير فرنانديز أريباس: نحن نتأثر مباشرة بما يحدث في البلدان المغاربية والشرق الأوسط، ومن الضروري توضيح ما وراء الصور النمطية

ونوه روسون، بمدينة قرطبة “لمكانتها الواضحة كجسر للتفاهم والالتقاء بين ضفتي البحر المتوسط”، حيث كانت مركزا للثقافات والحضارات المختلفة، مثل الرومان والمسلمين واليهود والمسيحيين.

وأوضح أن مؤسسة البيت العربي في مدريد وقرطبة تعمل على بناء التفاهم منذ 12 عامًا بين أوروبا والعالم العربي، وفق الطرق الموضوعية للتقريب بين العالم العربي وإسبانيا في مختلف القطاعات.

وتولى خافيير فرنانديز أريباس، مدير مجلة أتالايار، إدارة اللقاءات خلال المنتدى، وأكد أن اختيار مدينة قرطبة لاحتضان المنتدى واللقاءات كان مهما “لتوضيح الأفكار”.

وقال إنه “في بعض الأحيان” لا نتوقف عن البحث والتعمق في حوادث سابقة لفهم ما يحدث في البلدان القريبة جدًا. نحن نتأثر بشكل مباشر بما يحدث في البلدان المغاربية والشرق الأوسط، وأنه من وجهة نظر وسائل الإعلام من الضروري توضيح الوضع في هذه المناطق إلى ما وراء الصور النمطية. فقد شهد شمال أفريقيا كما المغرب “تطورا مذهلا”، ربما باستثناء حالة ليبيا.

وأشار إلى أن هذا المنتدى يهدف إلى تقديم “صورة عامة بشأن العلاقات بين إسبانيا وأوروبا مع المغرب العربي والشرق الأوسط، دون إغفال أميركا اللاتينية”. كما أن ظل أميركا اللاتينية يزداد مع وجود شركات تصل إلى المغرب العربي وتعمل كحلقة وصل مهمة للغاية.

وطرح فرنانديز أريباس القضية الاقتصادية والتجارية كجانب مهم للاهتمام به، إضافة إلى قضايا الهجرة والأمن، مستخدما تعبير “الحديقة الخلفية” في الساحل، للإشارة إلى استفادة الجماعات الإرهابية من الهجرة غير النظامية للأشخاص، الذين يغادرون أفريقيا عبر “طريق رهيب” للحصول على ما بين 5000 و8000 يورو للشخص الواحد، تذهب مباشرة إلى جيوب الجماعات الإرهابية.

وأكد فرنانديز أن “التواصل بين الثقافات أمر ضروري”. ونوه بدور مجلة  أتالايار “Atalayar” في سد الفجوة التواصلية بين العالمين العربي والإسباني، والتي لا تغطيها وسائل الإعلام التقليدية.

وحمل المنتدى الذي عقد الأسبوع الماضي رسالة رئيسية تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية الارتباط والتفاعل بين شواطئ البحر المتوسط، من وجهات نظر مختلفة؛ من الأمن والدفاع، والاقتصاد والتجارة، إلى التعاون السياسي والدبلوماسي، ومكافحة الهجرة غير الشرعية.

وضم المنتدى خبراء بارزين في السياسة والاقتصاد والمجالات الاستراتيجية للمصالح المتبادلة بين إسبانيا وأوروبا من جهة، وبين شمال أفريقيا والشرق الأوسط من جهة أخرى.

وتحدث نورالدين مواتي، الخبير في التعاون المؤسساتي، خلال كلمته في المنتدى، عن الدور الهام الذي تلعبه إسبانيا في التعاون الإنمائي في أفريقيا. وقال “إن وجود إسبانيا في قارتين، في أوروبا وأفريقيا، هو سبب اهتمامها الكبير بما يحدث في شمال أفريقيا”.

وأكد أن المغرب تحول في السنوات الأخيرة إلى بلد متوسط ​​الدخل، وأن الاقتصاد فيه ينمو ويعمل بشكل جيد رغم وجود العديد من مشاكل عدم المساواة والفقر التي تحتاج إلى حل.

وخلص إلى القول “الآن يتم توجيه أموال التعاون لتحسين الحوكمة والمؤسسات ولكن الاستثمارات ضرورية أيضًا”، في إشارة إلى ضرورة دعم إسبانيا وأوروبا للمغرب في مجال الاستثمار الذي يصب في صالح الطرفين.

وأضاف مواتي أنه من الضروري قيام الدول الأوروبية بدور أكثر إيجابية في أفريقيا، مشيرا إلى أن التعاون الإنمائي غير المركزي الذي قامت به بعض البلديات الإسبانية كان إيجابيا للغاية وسمح بتمويل العديد من المشاريع الاستثمارية.

مؤسسة البيت العربي في مدريد وقرطبة تعمل على بناء التفاهم منذ 12 عامًا بين أوروبا والعالم العربي، وفق الطرق الموضوعية للتقريب بين العالم العربي وإسبانيا في مختلف القطاعات

وأشار إلى وجود أزمات أثرت على وجهة الأموال المخصصة لتطوير مبادرات التعاون الدولي، موضحا أن إسبانيا تعتبر قوة متوسطة وممثلة مهمة للغاية في مجال التعاون الدولي، ولكن في عام 2017 تم توجيه جزء كبير من الأموال إلى تركيا بهدف احتواء أزمة تدفق اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا.

وركز المنتدى أيضا على تحليل الأحداث الرئيسية التي تدعم العلاقة بين المغرب العربي والشرق الأوسط وأوروبا، والوصول إلى نقطة الالتقاء، وتم الاهتمام بالعنصر التاريخي، المتعلق بالأندلس والتراث، كأحد العوامل المؤثرة في إنشاء جسور التفاهم.

ورأى ماريو ريغاو، مدير النهج العالمي ورئيس جمعية الصداقة الإسبانية الجزائرية، أن منطقة شمال أفريقيا تمثل فرصة رائعة للشركات الإسبانية. وهي سوق قريبة ومتنوعة تمتلك العديد من الخيارات المتاحة للاستثمار فيها. لكنه استطرد بالقول إن الوصول إليها والاستقرار فيها ليسا أمرا سهلاً كما يتصور بعض رواد الأعمال الإسبان.

واعتبر ريغاو أن الصعوبة الأولى التي تواجهها الشركات الراغبة في العبور إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط ​​هي الافتقار إلى وحدة المغرب العربي.

وأشار إلى ما طرح في عام 1989 قائلا إنه يتعين على بلدان شمال أفريقيا تنفيذ تكامل اقتصادي مماثل لتكامل الاتحاد الأوروبي، وتابع أنه “في تسعينات القرن الماضي كان هناك دعم لهذا المشروع، لكن آخر اجتماع عقد لتنفيذ هذه المبادرة عُقد في عام 2005، ومنذ ذلك الحين لم يتحقق أي تقدم”.

وذكر أنه في هذا الوقت تقيم بلدان المغرب العربي علاقات تجارية مع فرنسا وإسبانيا وإيطاليا أكثر بكثير من إقامة علاقات تجارية مع جيرانها. وهناك قوى أخرى تدعم علاقاتها التجارية مع البرازيل أو الصين أو كوريا الجنوبية أو هولندا أو تركيا أو المملكة المتحدة.

الحاجة إلى منبر للمعلومات والتعبير عن الرأي ليكون جسر التفاهم بين أوروبا والثقافة العربية
الحاجة إلى منبر للمعلومات والتعبير عن الرأي ليكون جسر التفاهم بين أوروبا والثقافة العربية

وأوضح ريغاو، المختص في مساعدة رواد الأعمال الإسبان على الاستقرار في الجزائر، أن “المغرب العربي يتكون من عدة بلدان مختلفة تمامًا عن بعضها البعض. وعلى الشركات أن تعرف خصوصيات كل دولة وكل سوق إذا كانت ترغب في الاستثمار في هذا المجال”.

وقال “يجب أن تعرف جيدًا تشريع البلد الذي يتكون من عدد كبير من اللوائح، وإيجاد شركاء محليين موثوق بهم، وهذا أمر مهم بشكل خاص للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة”.

وتابع أن المجموعات الاقتصادية الإسبانية -وخاصة تلك التي ليست كبيرة جدًا- ارتكبت أخطاء في الكثير من المرات بسبب نفاد صبرها ولأنها تعتقد أن كل شيء سهل.

ونوه بالصورة الجيدة التي تتمتع بها إسبانيا في الجزائر والتسهيلات التي قد يعنيها ذلك لرجال الأعمال الإسبان الذين يرغبون في القيام بأعمال تجارية في الجزائر. لكنه أكد “رغم هذا، لا تزال العديد من الشركات تفضل الاستقرار في المغرب وليس في الجزائر”.

وأشاد أيضا بالجهود التي بذلها معهد سرفانتس لتوسيع نطاق اللغة الإسبانية في المغرب العربي. وخلص إلى أنه “من خلال هذه السياسة، فإن الهدف هو أن تكون الإسبانية بوابة للسوق الجزائرية”.
يذكر أن البيت العربي أسس في يوليو 2006 وله مقران في مدريد وقرطبة، وساهمت وزارة الخارجية الإسبانية وحكومتا إقليم مدريد وأندلسيا في إنشائه، أما المبادرة الحقيقية فكانت من السفير الليبي آنذاك نوري بيت المال باعتباره عميد السفراء العرب.

ويقيم البيت العربي منذ تأسيسه نشاطات دائمة ومتنوعة مثل تعليم اللغة العربية ودروس الخط العربي وورشات الأعمال اليدوية، إضافة إلى حلقات وندوات ثقافية.

ويعود البيت العربي في قرطبة إلى القرن الرابع عشر، لكن الجزء الأكبر من البناء الحالي يعود إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ويقع في المنطقة الجنوبية من الجزء التاريخي لقرطبة، وقريب من مسجد قرطبة، وداخل المنطقة التي صنفتها اليونسكو تراثاً إنسانياً.

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: