فرنسا في مأزق بعودة الدواعش إلى أراضيها

يدور جدل داخلي في فرنسا حول وجاهة استعادة جهاديي فرنسا من عدمها وسط دعوات تتراوح بين محاكمتهم في فرنسا، التي يحملون جنسيتها، أو محاكمتهم لدى محاكم البلدان التي ارتكبوا جرائمهم فيها.

وعلى الرغم من أن المعضلة تتعلق بعدد من بلدان الاتحاد الأوروبي، إلا أن القرار في هذا الشأن بقي محليا مرتبطا بالظروف السياسية والقانونية لكل دولة، دون أي تدخل في هذا الشأن من المفوضية الأوروبية في بروكسل.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد دعا الدول الأوروبية إلى استعادة المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وينتمون إلى تنظيم داعش. ويهدف ترامب من ذلك إلى تخفيف العبء عن قوات سوريا الديمقراطية، قسد، التي تعتقل الآلاف من أسرى التنظيم في معتقلات أقيمت لهذا الغرض. واعتبر ترامب أن على الأوروبيين تحمل مسؤوليتهم في هذا الشأن وتحمل قسط التعامل مع ظاهرة مقاتلي التنظيم الإرهابي، بحيث يصار إلى محاكمتهم وتنفيذ العقاب بهم وفق قوانين البلدان التي ينتمون إليها.

وفي الجهة المقابلة يهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإعادة مقاتلي داعش إلى بلدانهم دون أي اتفاق، فيما أعلنت تركيا عن قيامها فعلا بتسليم عدد من هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصل.

ومازالت المنابر الأوروبية تتساءل حول ما يجب فعله بحوالي 450 مواطنا أوروبيا شاركوا في الأنشطة الإرهابية لداعش والمحتجزين حاليا في سجون “قسد” شرق الفرات في سوريا. ويدور النقاش حول خيارين. الأول، هو نقل هؤلاء إلى العراق وتفويض ذلك البلد أمر محاكمتهم وفق قوانينه. والخيار الثاني، هو القبول بإعادتهم إلى أوطانهم ومثولهم أمام المحاكم الأوروبية.

وفي ما يتعلق بالجهاديين الفرنسيين، فإن باريس تخشى من ردود أفعال الرأي العام الذي مازال تحت صدمة الهجمات الدموية التي تعرضت لها العاصمة ومدن فرنسية أخرى. وتميل الحكومة الفرنسية برئاسة إدوار فيليب للخيار العراقي، وكان وزير الخارجية جان إيف لودريان قد أوضح وجهة نظر بلاده في تصريح له في واشنطن في 14 نوفمبر الجاري في واشنطن، معتبرا أنه “يجب محاكمة الجهاديين الفرنسيين في محيط الجرائم التي ارتكبوها”.

غير أن مراقبين انتقدوا موقف باريس واعتبروه غير مسؤول، معتبرين أن المحاكم العراقية لا تملك صلاحية النظر في جرائم ارتكبت في سوريا مثلا، إضافة إلى أن رغبات باريس قد تتعارض مع رغبات بغداد في هذا الصدد، وأنه لا يجوز مقايضة هذا الأمر باتفاقات سياسية أو اقتصادية.

إدوارد فيليب: يجب محاكمة الجهاديين الفرنسيين بالقرب من الجرائم التي ارتكبوها

وتحاول فرنسا، التي يعتبر رعاياها الأكثر عددا بين الجهاديين من الدول الغربية، التفاوض مع بغداد على تنظيم محاكمات في العراق مقابل مساهمات فرنسية مالية.

وحتى الآن لم يصدر عن السلطة التنفيذية في فرنسا برئاسة إيمانويل ماكرون ما يوحي بأن باريس قد تستعيد 130 مقاتلا كانوا يقاتلون في صفوف داعش وفق القانون الفرنسي، كما أنه لا وجود لخطط لاستعادة 320 قاصرا فرنسيا من أبناء هؤلاء والموجودين في مخيمات النازحين.

ويدعو مراقبون إلى مراجعة السياسة الفرنسية ويعتبرون أنها لا تليق بدولة كبرى كفرنسا وبقيمها القانونية. ويضيف هؤلاء أن هذه السياسة غير عملية طالما الحكومة العراقية سبق أن استبعدت الأمر، وسبق لوزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم أن قال إن بلاده ليست أرضا للجهاديين.

ويلفت المراقبون إلى أن هذا الخيار بات متقادما هذه الأيام بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية الحالية في العراق والتي تهدد المنظومة السياسية العراقية برمتها. ويذكر المراقبون أن منظمات حقوق الإنسان في فرنسا وأوروبا لن تقبل بمحاكمة رعايا فرنسا في بلد يمارس عقوبة الإعدام.

وتقول مصادر فرنسية في شؤون الإرهاب إن المخاوف من هروب جماعي لمعتقلي داعش لدى الأكراد شرق الفرات قد تراجعت بعد الاتفاقات التي عقدت بين أنقرة وواشنطن وبين أنقرة وموسكو لضبط الوضع الميداني في المنطقة.

وتضيف أنه على الرغم من تهديدات تركيا بشن المزيد من العمليات العسكرية في تلك المنطقة، إلا أن روسيا والولايات المتحدة حريصتان على ضبط الوضع العسكري في تلك المناطق على نحو لا يؤدي إلى فوضى بشأن إدارة معتقلات الداعشيين هناك. ومع ذلك تحذر المصادر من أن الوضع الأمني مازال هشا وقابلا للانفجار، وأن فرار المقاتلين سيرفع احتمالات قيامهم بهجمات داخل أوروبا نفسها.

وتحذر مصادر دبلوماسية من مغبة سقوط هذه المعتقلات في يد القوات التابعة للنظام السوري. وتعتبر المصادر أن دمشق حينها ستكون في موقع أقوى لمقايضة مصير المقاتلين باستئناف فرنسا أو أي دولة أوروبية أخرى علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الرئيس بشار الأسد.

وبدأت في فرنسا ترتفع أصوات تدعو إلى عدم ترك مصير جهاديي

داعش الفرنسيين للعبث الميداني والسياسي في سوريا. ويقول القاضي ديفيد دي باس، منسق محكمة مكافحة الإرهاب في باريس “إن إعادتهم إلى الوطن هي قضية أمن وعدالة في الأجل الطويل”.

وتعتبر أصوات أخرى أنه لأسباب أمنية وجب السيطرة على حركة هؤلاء المقاتلين حتى لا تدفع فرنسا ثمن ذلك مستقبلا، وأن على الحكومة الفرنسية أن تتعامل مع الصعوبات المتعلقة بالأدلة أو تلك المتعلقة بالجانب العاطفي الغاضب داخل الرأي العام الداخلي.

وترى أوساط فرنسية قانونية أن العدالة تجاه عائلات ضحايا الهجمات، كما مصداقية الدول الغربية في دفاعها عن حقوق الإنسان، تتطلب طرح المسألة من فرنسا على كل أوروبا من هذا المنظار.

وتدعو هذه الأوساط باريس إلى عدم إخفاء الأمر “تحت السجادة”، وأن عدم مواجهة الأمر بقوة الدولة، سيحمل الماء إلى طاحونة التنظيمات الإرهابية الإسلامية التي لطالما شككت بدولة القانون واعتبرتها ادعاء منافقا.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: