تقرير رسمي في المغرب يتهم شبكات بعرض قاصرات للزواج مقابل المال

اتهم تقرير مغربي رسمي، الأربعاء، شبكات منظمة، بعرض فتيات قاصرات للزواج بأجانب، مقابل المال. وجاء ذلك في إطار عرض تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (حكومي)، حول ظاهرة “تزويج القاصرات”، خلال ندوة عقدت بالعاصمة الرباط.

كشف تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ومقره في العاصمة المغربية الرباط، الذي جاء تحت عنوان “ما العمل أمام استمرار تزويج الطفلات بالمغرب”، عن وجود “زواج بواسطة عقود مبرمة بين رجال يعيشون في الغالب خارج المغرب، وأولياء الفتيات القاصرات، مقابل الحصول على مبالغ مالية”.

وأكد التقرير أن “هناك شبكات لوسطاء يملكون لوائح حقيقية لفتيات جاهزات للعرض في السوق”.

واعتبر المجلس أن “هذا النوع من الزواج، يعرض الفتيات للاستغلال الجنسي، في إطار شبكات للدعارة والعمل القسري”.

وفي تصريح على هامش عرض التقرير، قال رضى الشامي، رئيس المجلس “للأسف لا تزال ظاهرة تزويج القاصرات منتشرة في المجتمع المغربي بشكل مقلق، ولا بد من القضاء عليها نهائيا”.

وأوصى المجلس في تقريره بـ”تسريع الجهود التي بدأت بالفعل والمتعلقة بالقضاء على تزويج الأطفال، والفتيات منهم خاصة”.

كما أوصى بـ”مراجعة مدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية)، باعتبارها غير منسجمة تماما مع المواثيق الدولية والدستور المغربي”.

وقال التقرير إن “مدونة الأسرة لا تنسجم انسجاما كليا مع الاتفاقيات الدولية والدستور”، معتبرا أن “القانون يعد شرطا لازما ولكنه غير كاف لوضع حد نهائي لممارسة تزويج القاصرات”.

ونبه إلى أن “القضاء على تزويج الأطفال يفرض نفسه باعتباره هدفا من أهداف التنمية المستدامة بحلول سنة 2030”، مشددا على أن “مكافحة تزويج القاصرات، وبالنظر إلى أبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فإنه لا بد من أن تمر بكل تأكيد، بتحسين الإطار التشريعي، فضلا عن إعداد سياسات عمومية ذات صلة تواجه خاصة ممارسات تزويج الأطفال خارج التوثيق الشرعي”.

وأشار إلى أن ”المشرع يعترف بعدم نضج الأطفال وحاجتهم إلى حماية خاصة، كما أنه يولي اهتماما لحمايتهم، بموجب القانون”، وتابع “غير أن المشكلة تتجلى في أن المشرع من خلال عدم التقييد بالمعايير التي حددها للزواج، قد أدى إلى خلق ارتباك وتعارض بين القوانين يضعفان الحماية القانونية للأطفال”.

كما أفاد بأن “غياب التجانس التشريعي، إضافة إلى إعطاء صلاحيات تقديرية واسعة للقضاة، يؤديان إلى صدور أحكام متباينة تهم حالات متشابهة، كما يشكلان مصدر تمييز وحيف في حق الأطفال والنساء”.

وحسب تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية)، خلال سنة 2018، فإن 1.7 بالمئة من النساء المغربيات المتزوجات، لم تتجاوز أعمارهن 15 سنة. وبلغ عدد الطلبات المتعلقة بالإذن بزواج القاصرات، التي وصلت وزارة العدل المغربية العام الماضي، 32 ألفا و104 آلاف طلب، مقابل 30 ألفا و312 طلبا خلال عام 2016.

واعتبر الشامي، خلال تقديم التقرير أن تزويج الأطفال “ظاهرة منتشرة في المغرب”، منبها إلى كونها عائقا أمام تطور المجتمع المغربي على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

وأوضح أن تقرير المجلس يهدف إلى معالجة الظاهرة وليس إلى الانتصار لجهة على حساب جهة أخرى، مشددا على ضرورة تعاون الجميع في سبيل تحقيق المصلحة الفضلى للطفل المغربي، مشيرا إلى أن الشريعة تتطور لاستيعاب تحولات المجتمع، داعيا إلى تعديل مدونة الأسرة.

مكافحة تزويج القاصرات، وبالنظر إلى أبعادها النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، لا بد من أن تمر بتحسين الإطار التشريعي

وطالب المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بمحاربة الممارسات الضارة بالطفل والحرص على حمايته، مع الاعتراف بالطابع الضار لتزويج الأطفال، على الرغم من أن البعض يرى في هذا الزواج وسيلة قد تجنب الانحراف وتمكن من المحافظة على المنظومة الأخلاقية.

كما دعا إلى توفير التربية والتعليم للأبناء والآباء، ومحاربة الفقر وتحسين الظروف السوسيو-اقتصادية، مع نمية الوعي لدى الأطفال بمسؤوليات الزواج وتبعاته، إلى جانب التمكين في حالة الضرر، من فسخ عقود زواج الطفلات بناء على طلب الزوجة القاصر أو ممثلها القانوني، وحصر تطبيق المادة 16 من المدونة على زواج البالغين.

وشدد المجلس على المنع الصريح، في مدونة الأسرة، لجميع أشكال التمييز ضد الأطفال، انسجاما مع المادة 19 من الدستور، وملاءمة أحكام مدونة الأسرة مع الدستور واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والاتفاقية الدولية لحقوق الطفل والاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص في وضعية إعاقة.

كما طالب بفسخ المواد 20-21-22 من مدونة الأسرة، إلى جانب المعاقبة الشديدة لكل أشكال الضغط على الطفل أو تضليله أو خداعه للحصول على موافقته على الزواج، وتوقيع اتفاقية المجلس الأوروبي للقضاء على العنف ضد النساء والعنف المنزلي، المسماة اتفاقية إسطنبول المبرمة سنة 2011 وتشير إلى الزواج القسري.

وحث التقرير على تطوير الوساطة الأسرية وتوفير عدالة ملائمة للقاصرين بما يحقق المصلحة الفضلى للطفل، مع تنفيذ سياسة أسرية، وتربوية، ومدنية، إلى جانب تربية جنسية بوسائل ملائمة للسياق المغربي، إضافة إلى سياسة طموحة تهم المساواة بين النساء والرجال.

وطالب بمكافحة التزويج بالعقود المعروفة بزواج “الكونطرا” والزواج المدبر، ومعاقبة الضالعين في مثل هذه العمليات، مع تقديم عرض سنوي أمام البرلمان من طرف القطاعات ذات الصلة عن وضعية تزويج الأطفال ومدى تقدم السياسات العمومية المتعلقة بهذا الشأن. كما كشف أن مثل هذا الزواج يقل في الصحراء، بينما ينتشر في المناطق الحضرية والقروية على حد سواء، مع تسجيل ارتفاع نسبي في الوسط القروي (55.9 بالمئة)، مسجلا أعلى نسب الانتشار في خمس جهات كبرى هي مراكش-آسفي، الدار البيضاء-سطات، الرباط -سلا-القنيطرة- فاس-مكناس، بني ملال-خنيفيرة.

وأوضح أن ظاهرة زواج الأطفال قديمة جدا وتنتشر في آسيا وأميركا وأوروبا وأستراليا، وهي لا تخص ديانة دون أخرى، مضيفا أن العدد السنوي لزواج الأطفال على الصعيد العالمي، يقدر بحوالي 14.2 مليون معظمهم من الفتيات. وأكد أن المغرب لا يتوفر على إحصائيات دقيقة حول زواج الأطفال ضحايا الاتجار بالبشر، أي ضحايا الزواج المسمى بـ“زواج الكونطرا”.

وسطاء يملكون لوائح لفتيات جاهزات للعرض في السوق

وخلص التقرير إلى أربع توصيات أساسية، أولاها، ضرورة اعتماد عبارة “تزويج الأطفال” بدلا من زواج القاصر أو الزواج المبكر، من أجل رفع كل أشكال الغموض المتصلة بالتأويلات والتصورات الفردية حول تحديد من هو طفل.

وثانيتها ”تسريع المسلسل الذي بدأ بالفعل والمتعلق بالقضاء على تزويج الأطفال، والطفلات خاصة، وذلك لصالح التنمية السوسيو-اقتصادية للبلاد”.

وثالثتها ”تشجيع النقاش العمومي وتطوير التفكير الجماعي المتعلق بمجموعة من القضايا الاجتماعية والثقافية المتصلة بالزواج، والحياة الجنسية، وتجريم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، وحول الإجهاض والاغتصاب والاعتداء الجنسي، وغيرها”.

ورابعتها ”اعتماد استراتيجية شمولية تهدف في المستقبل المنظور إلى القضاء على الممارسة المتعلقة بتزويج الأطفال ‘الشرعي وغير الموثق’”.

وفي سياق آخر أوصى المجلس بضمان حق الطفل في التسجيل بالحالة المدنية، دون أي تمييز بين الأطفال المولودين في إطار الزواج وخارج العلاقة الزوجية.

وشدد على ضرورة ملاءمة قانون إثبات النسب الشرعي وقانون النسب الطبيعي، والتضمين الصريح في مدونة الأسرة، بأن تحليل الحمض النووي هو عنصر علمي من عناصر إثبات الأبوة يتعين على القاضي الاستعانة به لإثبات النسب الأبوي للطفل في حال نكران الوالد للأبوة، وذلك حتى يتمكن جميع الأطفال من الولوج المتساوي إلى النسب دون أي تميز.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: