نهاية جون بولتون على الطريقة الترامبية

بعد 17 شهرا من تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجون بولتون مستشارا للأمن القومي، طغت الخلافات بينهما حول مجموعة من القضايا مثل كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران، الأمر الذي انتهى إلى لحاق بولتون بركب المسؤولين الذين اختاروا مغادرة البيت الأبيض بسبب أسلوب ترامب.

عندما شكّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب حكومته الأولى تضمنت وجوها ذات خلفيات مهمة عكست إلى حد ما سياسة دونالد ترامب وعزمه على تنفيذ ما وعد به. لكن، لم تصمد هذه التشكيلة طويلا وبدأت العناصر المؤثرة تغادر سفينة ترامب. وأحدث الأسماء التي لم تستطع التأقلم مع سياسة “ترامب أولا”، مستشار الأمن القومي جون بولتون، وهو المستشار الثالث الذي يغادر منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض.

منذ البداية كان واضحا أن هناك اختلافا بين الرجلين، رغم التقائهما في فكرة رفض الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مع إيران. لكن تشدّد بولتون مرده خلفيته السياسية التقليدية، في حين تتغير مواقف ترامب حسب ظروف المرحلة. ولئن كان تمزيق الاتفاق النووي مع إيران أحد جوازات عبوره الرئيسية في الانتخابات الرئاسية سنة 2016 فإن سياسة العقوبات، مع إمكانية الحوار، هي شعاره في مرحلة الاستعداد لانتخابات 2020.

سبقت استقالة بولتون استقالات عديدة تساقطت على مكتب ترامب، في ظاهرة لم يشهدها البيت الأبيض من قبل. شملت الاستقالات عددا هاما من الموظفين المقربين من تراب ومستشاريه، على غرار ستيف بانون، مهندس حملته الانتخابية، وشون سبايسر، المتحدث باسم البيت الأبيض، ومارك كورالو المسؤول عن التنسيق الإعلامي للفريق القانوني لترامب حول قضية روسيا، ومايكل فلين بعد أقل من شهر على تعيينه مستشارا للأمن القومي للرئيس الأميركي، وغيرهم.

ولم تهدأ موجة الاستقالات في البيت الأبيض بل تصاعدت مع استقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون ونيكي هايلي، مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة، والتي تعتبر أحد أشرس المدافعين عن تصورات ترامب، في ما يتعلق بإيران وكوريا، لكن تختلف معه بالنسبة لروسيا. وكانت الاستقالة الأخرى المثيرة للجدل استقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس.

بعد الإعلان عن استقالة هايلي كان متوقعا أن يلحق بها ماتيس. كما كان متوقعا أن يلحق بالركب جون بولتون مع تنامي الخلافات بينه وبين ترامب حول فنزويلا وإيران وكوريا الشمالية وأخيرا أفغانستان.

ترامب أولا

Thumbnail

بمراجعة كل الاستقالات، مهما اختلفت المناصب والحقائب، يتضح خيط جامع لها وهو سياسة “ترامب أولا”. ألقت هذه السياسة التي طغت عليها التصرفات المزاجية بظلالها على الكثير من الملفات. فاستقالة ماتيس جاءت بعد يوم على قرار ترامب الصادم بالانسحاب من سوريا. ولم يستشر ترامب أقرب مساعديه ومعاونيه في البيت الأبيض قبل المضي قدما في اتخاذ قرار الانسحاب الحاسم.

وكان ماتيس أشار في خطاب إعلان استقالته، في ديسمبر 2018، إلى اختلافه مع سياسات ترامب معبرا عن اقتناعه بضرورة أن تحافظ الولايات المتحدة على تحالفاتها القوية وتظهر احترامها للحلفاء. وكان ترامب انسحب من عدد من الاتفاقيات الدولية منذ تولى منصبه في يناير 2017.

ولا تختلف دوافع بولتون، في عنوانها العريض، عن قرارات ترامب المفاجئة وسياسة الكيل بمكيالين، وتحديدا في الملف الإيراني. فعندما اختار ترامب بولتون، ليخلف الجنرال اتش آر ماكماستر الذي استقال أيضا، كان مزاجه التصعيدي ضد إيران واضحا.

ويعدّ بولتون من أشد المعارضين للاتفاق النووي. كما يقر بضرورة شن ضربة وقائية ضد كوريا الشمالية، وقطع العلاقات الأميركية مع الاتفاقيات والمنظمات الدولية التي اعتبرها ضعيفة ومتهاونة.

الرئيس النجم

بعد حوالي ثلاث سنوات من ولاية ترامب الأولى بدا واضحا أن الممثل السابق ورجل الأعمال المعروف والرئيس الأميركي الخامس والأربعين، يبحث عن البريق الإعلامي ويسعى إلى تحقيق إنجاز يخلده، حتى لو كان على حساب مصالح الولايات المتحدة أو مصالح حلفائها.

ولا يختلف ترامب في هذه النقطة عن سلفه باراك أوباما، الذي لطالما انتقد سياسته، خاصة في الملف الإيراني. طغت رغبة أوباما في أن يدخل التاريخ -على أنه الرئيس الذي حقق السلام مع أحد أبرز أعداء الولايات المتحدة، وهو إيران- على كل التحذيرات والوقائع التي تؤكد أن إيران لن تلتزم بالاتفاق النووي.

يسير ترامب في الاتجاه ذاته من حيث الرغبة في تحقيق إنجاز حتى لو كان السلام مع حركة طالبان، أو العودة إلى طاولة الحوار مع إيران، أو وضع يده في يد رئيس كوريا الشمالية، أو تكرار سيناريو تسليم العراق لإيران مع سوريا وروسيا.

في المقابل، ينتمي جون بولتون إلى فئة الصقور المتشددين وخريجي المدرسة التقليدية في السياسات الأميركية، والمتمسكة بعدم الحوار مع إيران والتشدد مع روسيا والكتلة الاشتراكية القديمة، ولا مجال للسلام مع بيونغ يانغ قبل تخليها عن السلاح النووي.

وكان بولتون -الذي كان أحد صقور إدارة جورج دبليو بوش، وأيد غزو العراق وعمل سفيرا للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة أين روج سياسة خارجية متشددة، بانتقاده الصريح للنظام الإيراني والتصريحات المنادية بتغييره بشكل جذريّ- متشددا حتى إزاء مبدأ ترامب “أميركا أولا”.

وفي الملف الإيراني، كان بولتون من أشد المعارضين للنظام في طهران، وكان يرى أن الحل يكمن في تغييره. لكن، ظل ترامب يتلاعب بالملف؛ يعلن توجيه ضربة عسكرية ضد إيران ثم يلغيها في الدقيقة الأخيرة، ويكتفي بفرض عقوبات على مسؤولين كبار في النظام الإيراني، منهم المرشد الأعلى ووزير الخارجية. انسحب من الاتفاق النووي ثم قال إن باب الحوار مفتوح. يقر بضرورة مواجهة محور الشر لكن لا يحدد سياسة احتواء واضحة. وفي الأخير وبدل أن يحدث ترامب انقساما في إيران -كما كان يقول- انقسمت الولايات المتحدة بشأن إيران.

وفي العام الماضي، دبر بولتون حملة داخل الإدارة ومع الحلفاء في الخارج لإقناع ترامب بإبقاء القوات الأميركية في سوريا للتصدي لبقايا تنظيم داعش والنفوذ الإيراني في المنطقة.

دعاة الحرب

Thumbnail

عقّبت إيران على استقالة بولتون بقولها إن الولايات المتحدة لن تنأى بنفسها عن “دعاة الحرب” بعد استقالة مستشار الأمن القومي، مشيرة إلى أنها متمسكة بطلبها رفع العقوبات قبل أي محادثات.

ويزيد رحيل بولتون فرص اتخاذ خطوات للشروع في مفاوضات بعد تصاعد التوتر منذ أكثر من عام. ونقلت وكالة “تسنيم” شبه الرسمية للأنباء في إيران عن الرئيس حسن روحاني قوله الأربعاء “ينبغي لأميركا أن تدرك أن… عليها أن تنأى بنفسها عن دعاة الحرب”. ولم يذكر بولتون بالاسم.

وفور رحيل بولتون، قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مساء الثلاثاء إن ترامب قد يلتقي بروحاني في اجتماع مقبل للأمم المتحدة “دون شروط مسبقة”.

وترفض إيران المحادثات دون رفع العقوبات أولا. وقالت الأربعاء إن رحيل بولتون لم يغير موقفها.

ونقلت وكالة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للأنباء نقلا عن مبعوث طهران لدى الأمم المتحدة مجيد تخت روانجي قوله “رحيل مستشار الأمن القومي جون بولتون من إدارة الرئيس دونالد ترامب لن يدفع إيران إلى إعادة النظر في الحوار مع الولايات المتحدة”.

وانتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الولايات المتحدة لفرضها عقوبات جديدة على بلاده على الرغم من رحيل بولتون. وكتب ظريف على تويتر يقول “بينما كان العالم… يتنفس الصعداء من الإطاحة برجل الفريق باء في البيت الأبيض، أعلنت (واشنطن) فرض المزيد من (عقوبات) الإرهاب الاقتصادي على طهران”.

وأضاف “التعطش إلى الحرب والضغوط القصوى ينبغي أن يزولا مع غياب أكبر داعية للحرب (بولتون)”. وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء عقوبات على “مجموعة واسعة من الإرهابيين وأنصارهم”، ومن بينهم الحرس الثوري الإيراني.

السلام مع طالبان

أبرز مغادري الإدارة الأميركية منذ تولي ترامب الرئاسة

كما يأتي ملف أفغانستان كأحد الأسباب التي تقف وراء استقالة بولتون. كان بولتون من المعارضين لاتفاق سلام ناشئ مع طالبان وانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان. وكانت صحيفة واشنطن بوست تحدثت قبل أيام قليلة من استقالة بولتون عن استبعاد مستشار الأمن القومي من الاجتماعات المتعلقة بأفغانستان.

ذكرت التقارير الأميركية أن الرجلين تحدثا على الهاتف ليلة الاثنين واحتدم الأمر بينهما كما كان يحدث عادة في المكتب البيضاوي. وبسبب الجدل حول أفغانستان، غضب ترامب من معارضة بولتون خطته المتعثرة لاستضافة قادة طالبان في كامب ديفيد من أجل التوسط في اتفاق سلام. ثم اختلف الرجلان في ما حدث بعد ذلك.

وذكرت الصحف الأميركية أن بولتون سلم صباح الثلاثاء رسالة من جملتين إلى مساعد ليحولها إلى ترامب. كتب فيها “أنا أستقيل”، وأضاف أن “تفعيل القرار يبدأ على الفور”.

لكن ترامب سرق الأضواء. وغرد بأنه “طرد مستشار الأمن القومي الثالث على التوالي وأنه أبلغ جون بولتون أن خدماته لم تعد مطلوبة في البيت الأبيض. لقد اختلفت بشدة مع العديد من اقتراحاته”، مضيفا بولتون إلى قائمة طويلة من المساعدين الذين تمت إقالتهم عبر تويتر.

تم الإعلان عن رحيل بولتون قبل 90 دقيقة من موعد عقده اجتماعى في البيت الأبيض مع بومبيو ووزير الخزانة، ستيفن منوشين، واللذين كان دائم الخلاف معهما. وقال بومبيو “كنا نختلف دائما مع السفير بولتون حول العديد من وجهات النظر”. تم تداول صورة الاجتماع والتي كانت تلخص الحالة المزاجية المحيطة بخروج بولتون، مع ظهور بومبيو ومنوشين وهما مبتسمان.

كان متوقعا أن يستقيل جون بولتون مع تنامي الخلافات بينه وبين  الرئيس ترامب

واعتبر زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ شوك شومر أن قرار دونالد ترامب هذا ليس سوى “المثال الأخير لطريقة حكمه من خلال الفوضى”.

في المقابل أشاد السيناتور الجمهوري رند بول بالإعلان عن إقالة بولتون. وقال في تغريدة “يملك الرئيس حدسا ممتازا في السياسة الخارجية وحول ضرورة إنهاء الحروب المستمرة”، مضيفا “يجب أن يقدم له المشورة من يشاركونه رؤيته”.

وقال روبرت ميلي رئيس مجموعة الأزمات الدولية “منذ البداية كان هناك صوتان يهمسان في أذن دونالد ترامب: صوت يوصي بالدبلوماسية ويحذر من النزاعات، وصوت يدفع إلى الصدام ويحذر من مخاطر الظهور ضعيفا”.

وتابع “برحيل بولتون خسر الصوت الثاني بلا شك أبرز المدافعين عنه. ويمكن أن يوجد ذلك فرصا دبلوماسية جديدة بشأن إيران وأفغانستان وكوريا الشمالية وفنزويلا. ونأمل أن يغتنم الرئيس ذلك”.

ومع أنه من المبكر القول إن القرار سيشكل منعطفا في السياسة الخارجية لترامب، فإن رحيل هذا السفير السابق المعروف بميله للحروب سيغير بلا شك من ديناميكية اتخاذ القرارات في البيت الأبيض.

من يخلف بولتون

قال السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، وهو من داعمي ترامب، إن الرئيس الأميركي عرض أمامه عدة أشخاص مرشحين لخلافة جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي. وأضاف: “أصبح الرئيس في وضع لم يعد يرغب فيه في قراءة بعض الأمور في الصحف”.

وقال غراهام إن ترامب عرض أمامه عدة أشخاص مرشحين لخلافة جون بولتون في منصب مستشار الأمن القومي وهم: كيث كيلوج، مستشار الأمن القومي لنائب الرئيس مايك بنس، وبرايان هوك، المستشار السياسي لوزير الخارجية مايك بومبيو، وريك واديل، مسؤول الأمن القومي السابق.

نقاط الخلاف بين ترامب وبولتون

  • أفغانستان

أعلن ترامب السبت في خطوة مفاجئة دعوة قادة من طالبان إلى مقر إقامته في كامب ديفيد للبحث في اتفاق يسمح بسحب الآلاف من الجنود الأميركيين من أفغانستان. لكن مثل هذه المباحثات غير مقبولة في نظر جون بولتون حتى وإن أعلن دونالد ترامب إلغاء اللقاء متذرعا بهجوم أدى إلى مقتل جندي أميركي.

  • إيران

أدت العلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة وإيران إلى زيادة التوترات بين ترامب وبولتون. ففي يونيو، وبعد أن قرر ترامب العدول عن أمر بشن هجوم عسكري على إيران بعد إسقاطها طائرة أميركية دون طيار، استاء بولتون. وهو أمر أكدته واشنطن بوست نقلا عن مسؤول أميركي مطلع.

  • كوريا الشمالية

وجون بولتون معروف أيضا بمواقفه المتشددة حيال كوريا الشمالية. وقبيل تعيينه كتب في صحيفة “وول ستريت جورنال” أن توجيه الولايات المتحدة ضربات وقائية في هذا البلد سيكون مشروعا. وإدانته للنظام الكوري الشمالي معروفة منذ زمن بعيد ووصفته بيونغ يانغ عندما كان في الخارجية الأميركية في 2003 بأنه “حثالة بشرية”. وكان بولتون وصف بدوره الزعيم الكوري الشمالي في حينها كيم جونغ إيل بأنه “طاغية مستبد”.

  • فنزويلا

وشجع جون بولتون أحد التحركات الدبلوماسية الأهم لدونالد ترامب لإخراج الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو من السلطة في بلد يشهد أزمة اقتصادية مستفحلة. لكن المستشار الأميركي وجد نفسه في نهاية المطاف مبعدا عن السلطة قبل الرئيس الفنزويلي الذي لا يزال يحظى بدعم الجيش بعد أكثر من ستة أشهر من إعلانه غير شرعي من قبل الولايات المتحدة وعدة دول أخرى.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: