من يثق بأخبار وسائل التواصل الاجتماعي

تعود إلى الواجهة بين الحين والآخر قضية الدور الذي تقوم به منصات التواصل الاجتماعي في نشر الأخبار.

في واقع الأمر أن هذه المنصات صارت تعيد نشر ما نسبته 80 بالمئة مما تنشره وسائل الإعلام المختلفة في أنحاء العالم.

الحرية المتاحة للمستخدمين هي التي أتاحت تعاظم هذه الظاهرة حتى صارت منصات التواصل الاجتماعي ما يشبه غابة كثيفة اختلط فيها كل شيء اختلاطا عجيبا. فلقد أتاح التدفق المستمر للأخبار والمرونة والسهولة والمجانية في النشر عبر منصات التواصل إمكانية بث الأخبار الكاذبة والمضللة في وسط الأخبار الحقيقية.

تلك في واقع الأمر ظاهرة وليست مجرد إشكالية تتعلق بنشر بضعة أخبار، بل إن منصات التواصل الاجتماعي العالمية الكبرى وجدت نفسها في دائرة الاتهام بأن لها دورا مباشرا في التضليل الإعلامي.

التصديق بالأخبار مع أنها خليط غير متجانس لما هو حقيقي وما هو مضلل ومزيف هي الظاهرة الأكثر أهمية في هذا المجال.

في هذا المجال ولإدراك مديات التضليل البعيدة، خلصت دراسة أجرتها مؤسسة فريدوم هاوس المستقلة والمعنية بالحريات إلى أن الانتخابات في 18 دولة تأثرت نتيجة معلومات مضللة روجتها الحملات الانتخابية على الإنترنت.

وتشخص الدراسة كمّا هائلا من الرسائل والإعلانات والأخبار التي كانت تنشر في منصات التواصل الاجتماعي باتجاه تضليل الرأي العام.

لكن الأمر لا يقتصر على ذلك بل بالسؤال الحيوي والمباشر والأساس وهو: هل هنالك من جمهور لتلك الأخبار المضللة أو بمعنى آخر هل هنالك من يصدق بأخبار وسائل التواصل الاجتماعي ويثق بها في العالم العربي؟

وللإجابة على هذا السؤال وبشكل عملي ومباشر لا بد من التوقف عند دراسة مسحية مشتركة كان قد أجراها الباروميتر العربي بالتعاون مع مؤسسة ‘بي.بي.سي’ البريطانية، وأوضحت الدراسة  أن الكثير من الشباب في الدول العربية يثقون بالمعلومات التي يتلقونها عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

وشمل الاستطلاع، الذي أجرته الشبكة لصالح ‘بي.بي.سي عربي’ في أواخر عام 2018 وربيع عام 2019، أكثر من 25 ألف شخص في عشر دول هي مصر، المغرب، لبنان، العراق، السودان، اليمن، الجزائر، تونس، ليبيا، الأردن والأراضي الفلسطينية.

وأشار الاستطلاع إلى أن أكثر من نصف مستخدمي الإنترنت في تلك الدول يرون مواقع التواصل الاجتماعي محلا للثقة كمصدر أخبار.

وبحسب نتائج الدراسة الاستطلاعية تصل نسبة من يمنحون كامل الثقة في ما ينشر عبر منصات التواصل الاجتماعي من أخبار ومعلومات إلى قرابة 77 بالمئة في بعض البلاد العربية وهم بالطبع غالبيتهم من جيل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و29 عاما.

وكان من نتائج هذه الدراسة الاستطلاعية أيضا أن موقع فيسبوك هو أكثر منصات التواصل الاجتماعي استخداما لدى شباب الدول التي شملتها الدراسة الاستطلاعية.

وتتعدى نسبة مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي حاجز الـ90 بالمئة من بين العينة التي تم استطلاعها لتصل إلى ما نسبته 99 بالمئة من بين العينة.

هذه الحصيلة سواء في ما يتعلق بالنسب المرتفعة للشباب الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي بكثافة أو للثقة التي يمنحونها لما يصلهم من أخبار عبر تلك المنصات تثير إشكالية وتساؤلات.

إذ يبدو أن مجمل التقارير والدراسات والضجة الإعلامية التي رافقت إدانة منصات التواصل الاجتماعي ومن بينها فيسبوك في كونها حاضنة مؤكدة للتضليل الإعلامي، لم تؤثر قط على هذا الجمهور العريض المندفع بكل قوة للمضي في صلته العميقة بهذه المنصات والثقة شبه المطلقة بها.

وفي ظل ذلك سوف يكون من مخرجات دراسات كهذه، أن جيلا متناغما مع منصات التواصل الاجتماعي ومصدقا بكل ما تبثه له سوف يكون وسيلة مهمة لإنعاش سوق الأخبار المزيفة والكاذبة وللمضي في عملية التضليل الإعلامي.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: