المغرب في عيون غير مغربية

إن الكتابة عن المغرب لا تكون مجدية إن لم تبدأ من أول نشأة المملكة المغربية، لتصل إلى عهد الملك الحالي، محمد السادس، الذي تسلم عرشه في 23 يوليو 1999، بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني رحمه الله. وهي لذلك مهمة شاقة لا يقدم عليها سوى الكتاب المغاربة الذين هم أعرف بالمخفي والمكشوف من تاريخ هذه الوطن العريق. ففيه يختلط الحاضر بالماضي، والتاريخ بالجغرافيا، والسياسة بالاقتصاد، والدين بالعلمانية، والخلافة الإسلامية بالديمقراطية والحداثة.

وعلى الكاتب غير المغربي الذي يختار المغامرة ومنافسة الباحثين والكتاب والمؤرخين أبناء هذا الوطن وهذا المجتمع أن يكون على قدر كبير جدا من الكفاءة التحليلية والتنقيبية، وعلى مخزون أكبر من الموضوعية والصدق والصبر ودقة الملاحظة وعمق النظرة، من أجل استخراج الحقائق والوقائع الجديدة المضافة، ليكون كتابه جديدا لم يسبقه إليه أحد ممن كتب عن المغرب، قديما وحديثا، مغاربة وعربا وأجانب.

أما المفاجأة الحقيقية فهي أن كاتبا كبيرا بحجم خيرالله خيرالله قد  اختار هذه المهمة الشاقة، وأصدر كتابا مهما وجريئا ومثيرا عن المغرب بعنوان “محمد السادس، عشرون عاما ملكا” وضع يده فيه على أكثر من عصب حساس، جاعلا منه خزانة معلومات وأسرار وآراء أنقذته من أن يكون واحدا من المداحين وعاظ السلاطين، بل جعلت منه شاهدا أمينا وذكيا منصفا على مسيرة ملك عربي تتمنى شعوب عربية عديدة أن يكون لها قائد من نوعه يجيد فن القيادة والزعامة وصناعة الأوطان وشعوبها.

والذي عرف المملكة المغربية في عهودها السابقة، وبالأخص في الثمانينات والتسعينات، ويعرفه اليوم يدرك أن خيرالله خيرالله كان مصيبا في حديثه عن المشاريع الكبرى التي ميزت عهد الملك محمد السادس، خصوصا عن علاقته الفريدة بمواطنه المغربي، وخصوصا في فترة ما سمي بالربيع العربي وما بعدها، والكيفية التي قاد بها السفينة المغربية زمن العواصف والزلازل والانتفاضات، وفي سنوات سطوة الفكر الديني السلفي المتطرف، ليوصلها إلى شاطئ الأمان، ويضعها على بوابة العصر الحديث، بمنجزاته وتعقيداته وتحدياته التي لا ترحم.

وقياسا بحكام عرب آخرين يمكن إدراك الفرق بين حاكم أحمق قاتل وفاسد حوَّل وطنه إلى خرابة، وشعبه إلى مهاجرين ومهجرين وشحاذين وقتلى تحت الأنقاض، وبين ملك عاقل يتنازل عن كثير من حقوقه وصلاحياته لشعبه، ويرضى بإناطة السلطة التنفيذية بالحزب الديني الذي اختاره شعبه في انتخاب حر، ويظل هو وشعبُه في مقاعد الرقابة والرعاية والتوجيه، لضبط المسيرة بعقلانية لم تعرفها دول الربيع العربي الأخرى، جعلت من الدولة المغربية نموذجا لوطن السلام والطمأنينة والاعتدال والديمقراطية المنضبطة التي يحكمها القانون وطبيعة الفرد المغربي المعروف بالوسطية والاعتدال.

والأجدر بقراءة كتاب خيرالله خيرالله هم جميع العراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين، بشكل خاص، ليصبح لهم الوصفة النافعة لوأد التطرف والفساد والخيانة وقهر إرادة الشعوب، ولكي يعلمهم شريعة احترام الإنسان وحريته وكرامته ولقمة عيشه وحقه في العدالة والأمن والسلام.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: