إسرائيل تكتسح السوق العالمية دون ضوابط

“الحصان السيبراني” (سيبر هورس) مجسم لحصان طروادة مصنوع من الآلاف من أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة التي أصيبت بفيروسات نتيجة عمليات قرصنة وتجسس، معروض في مدخل جامعة تل أبيب

السلطات الإسرائيلية تتجاهل الانتقادات وتخفف قواعد تصدير تكنولوجيا التسلل الإلكتروني.

تتوقع دراسة أبحاث السوق الخاصة بأسلحة الحرب العسكرية السيبرانية أن تصعد هذه الأسلحة على قائمة المشتريات العسكرية الدولية، وكواحدة من أكثر القطاعات العسكرية ربحية بالتوازي مع الامتداد الإقليمي لهذه الصناعة. وتبرز إسرائيل كواحدة من أبرز رواد الصناعات العسكرية السيبرانية وهي تعمل على اكتساح السوق عبر مواجهة القواعد المفروضة على تصدير هذه الأسلحة ومعدات التسلل الإلكتروني وبيعها في الخارج.

  من الطائرات دون طيار إلى الأقمار الصناعية وأنظمة الدفاع الصاروخي إلى الحرب الإلكترونية، تقود إسرائيل العالم في مجال التكنولوجيا الجديدة، خاصة في المجال العسكري. وتعمل إسرائيل على تخفيف قواعد تصدير معدات التسلل الإلكتروني والمراقبة المعروفة باسم الأسلحة السيبرانية، رغم ما توجّهه لها منظمات حقوقية وجماعات مدافعة عن الخصوصية من اتهامات بأن بعض الحكومات تستغل تكنولوجياتها للتجسس على خصومها السياسيين وسحق المعارضة.

وقال مصدر وثيق الصلة بالقطاع السيبراني لوكالة رويترز إن تعديل القواعد من جانب وزارة الدفاع معناه أنه أصبح بوسع الشركات الآن الحصول على استثناءات لتراخيص التسويق من أجل بيع بعض المنتجات لدول بعينها.

وتُعد إسرائيل رائدة على المستوى العالمي في قطاع التكنولوجيا السيبرانية الخاص، حيث تملك على الأقل 300 شركة تغطي كافة المجالات بدءا من الأمن المصرفي ووصولا إلى الدفاع عن البنية التحتية الحيوية. وتفرض إسرائيل، شأنها شأن الدول الكبرى الأخرى المصدّرة للمعدات الدفاعية، غطاء شديدا من السرية على تفاصيل مبيعاتها من الأسلحة كما أن لوائحها التصديرية ليست معروفة على نطاق واسع لكن وزارة الدفاع أكدت ردا على استفسارات رويترز أن التعديلات سرت بالفعل قبل عام.

ويقول متخصصون إن التغيير يتيح إمكانية التعجيل بالموافقات اللازمة لبيع الأسلحة السيبرانية أو أدوات التجسس التي تستخدم للتسلل إلى الأجهزة الإلكترونية ومراقبة الاتصالات عبر الإنترنت.

وقالت وزارة الدفاع الإسرائيلية إن تغيير القواعد “تمّ لتسهيل الخدمة الفعّالة للصناعات الإسرائيلية وفي الوقت نفسه صيانة وحماية المعايير الدولية لضوابط الصادرات والإشراف عليها”.

وأضافت “أن استثناءات ترخيص التسويق لا تمنح إلا في ظروف معينة ترتبط بالموافقة الأمنية على المنتج وتقييم الدولة التي سيسوق لها هذا المنتج” وأنه لا يزال يتعين على الشركات امتلاك ترخيص التصدير.

وامتنعت الحكومة الإسرائيلية والشركات عن التعقيب على أي الدول المجاورة لإسرائيل من بين زبائن وسائل التجسس. وفي بادرة على احتمال إجراء الحكومة المزيد من التغييرات تعمل وزارة الاقتصاد، المسؤولة عن تعزيز النمو الاقتصادي والصادرات، على إنشاء شعبة تتخصص في صادرات التكنولوجيات السيبرانية ذات الخصائص الهجومية والدفاعية. وقالت متحدثة باسم الوزارة “هذا جزء من إصلاح يخصص في الأساس مزيدا من الموارد لوزارة الاقتصاد لهذا الموضوع المهم”.

سوق تجارية متنامية

يقول عمير بهوبت ويعقوب كاتز، مؤلفا كتاب “كيف أصبحت إسرائيل قوة عظمى في مجال التكنولوجيا العسكرية”، إن “إسرائيل من خلال وضعها على الخطوط الأمامية لكيفية خوض الحروب في القرن الحادي والعشرين، طورت في تجارتها من خلال طرح أسلحة جديدة وأعدّت تحديثا لأسلحة قديمة حتى تظل فعالة وذات صلة ومميتة في ساحة معركة دائمة التغير. وبينما تبدأ بلدان أخرى في الاستعداد لهذه التحديات، فإنها تتطلع إلى إسرائيل -وتحديدا أسلحتها- للحصول على إرشادات”. ويضيف الكاتبان “إسرائيل، في الواقع، مختبر لبقية العالم”.

وحتى عهد قريب كانت الأسلحة السيبرانية المتقدمة لا تستخدمها سوى أكثر وكالات التجسس الحكومية تقدما من الناحية التقنية مثل وكالات الولايات المتحدة وإسرائيل والصين وروسيا. غير أن سوقا تجارية نشطة ظهرت الآن لأدوات وخدمات التسلل الإلكترونية يلعب فيها خبراء حكوميون سابقون في المجال السيبراني من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى دورا كبيرا في هذه التجارة.

أدى ذلك إلى تسليط المزيد من الضوء على الكيفية التي يتم بها شراء هذه الأسلحة السيبرانية وبيعها ونشرها وتصرفات الحكومات في تنظيم حركة التجارة فيها. ومن بين الشركات الرائدة عالميا في السوق العالمي المتنامي للأسلحة السيبرانية شركات إسرائيلية من بينها مجموعة إن.أس.أو وفيرينت وشركة إلبيت سيستمز للتعاقدات الدفاعية. وتستغل برمجيات هذه الأسلحة ثغرات في الهواتف المحمولة وغيرها من المنتجات التكنولوجية للاطلاع على مستخدميها ومراقبتهم سرا.

وتقول بعض المنظمات الحقوقية والجماعات المدافعة عن الخصوصية إن الضوابط التي تفرضها إسرائيل على بيع الأسلحة السيبرانية غير كافية. وفي وقت سابق من العام الجاري قالت منظمة العفو الدولية إن على الحكومة أن تنتهج سياسة أكثر صرامة في ما يتعلق بتراخيص التصدير التي “أسفرت عن انتهاكات لحقوق الإنسان”.

وامتنعت الحكومة الإسرائيلية عن التعليق على هذه الاتهامات. لكن شركات إسرائيلية تقول إنها تلتزم بقواعد التصدير الحكومية وتتحقق من الزبائن لضمان استخدام الحكومات الأجنبية التكنولوجيا في أغراض مشروعة.

ولا يرى البروفسور إيزاك بن إسرائيل، الأستاذ بجامعة تل أبيب، وهو أبوالقطاع السيبراني الإسرائيلي ورئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية، أن هناك ما يمنع استخدام التكنولوجيا في إنشاء رابطة مع مختلف الدول ومنها تلك التي تتجنب العلاقات الرسمية مع إسرائيل.

قواعد أقل، نمو أكثر
بعض المنظمات الحقوقية والجماعات المدافعة عن الخصوصية تقول إن الضوابط التي تفرضها إسرائيل على بيع الأسلحة السيبرانية غير كافية
بعض المنظمات الحقوقية والجماعات المدافعة عن الخصوصية تقول إن الضوابط التي تفرضها إسرائيل على بيع الأسلحة السيبرانية غير كافية

قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مؤتمر سيبراني، في يونيو، إن ثمة مطالب بتنظيم القطاع بشكل أكبر مع تناميه. وأضاف “لكني أعتقد أن علينا أن نتقبل مخاطر فرض قواعد أقل من أجل زيادة النمو، وهي مخاطر كبيرة”.

وقال دانييل رايسنر، الشريك بمؤسسة هيرتزوج فوكس نيمان للاستشارات القانونية، الذي يمثل العديد من الشركات السيبرانية الإسرائيلية، إن إجراءات الاعتماد الإسرائيلية لتصدير الأسلحة السيبرانية أكثر صرامة منها في بعض الدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. وأضاف أن ذلك يجعل الصناعة الإسرائيلية في وضع غير موات بدرجة كبيرة مقارنة بدول أخرى. وقال إنه بمقتضى تغيير اللوائح يمكن تسريع عملية اعتماد المبيعات الآن بما يصل إلى أربعة أشهر وإن ذلك كانت له “فائدة هائلة”.

وأوضح أن حصول شركة جديدة على قرار اعتماد كان يمكن أن يستغرق في السابق ما يقرب من عام. وقال رون ديبرت، مدير معمل سيتيزن لاب بجامعة تورونتو، الذي يركز على التجسس الرقمي إنه “من المؤسف” أن تعمل إسرائيل على تخفيف لوائحها. وقال لرويترز في رسالة بالبريد الإلكتروني “أبحاثنا تبين أن ثمة أزمة في المجتمع المدني بسبب سوء استخدام أدوات التجسس التجارية”.

ودعا تقرير أصدرته الأمم المتحدة إلى فرض وقف مؤقت على بيع الأسلحة السيبرانية إلى أن تصبح ضوابط الالتزام بحقوق الإنسان سارية في إسرائيل ودول أخرى.

وعلى المستوى العالمي يغطي اتفاق لتصدير الأسلحة تشارك فيه 42 دولة ويعرف باسم (ترتيب واسينار) “برمجيات التسلل” ونظم مراقبة الإنترنت. وليست إسرائيل طرفا في الاتفاق لكنها تقول إن قواعدها متوافقة معه.

وانتقد ديفيد كاي، مقرر الأمم المتحدة الخاص لحرية التعبير، الضوابط الإسرائيلية ووصفها بأنها “تكتنفها السرية” ودعا إلى اشتراط إجراء مراجعة لحقوق الإنسان لكل مبيعات الأسلحة السيبرانية.

وكان معمل سيتيزن لاب قد ربط برنامج التسلل إلى الهواتف المحمولة من إنتاج شركة إن.أس.أو المعروف باسم بيجاسوس بفضائح تجسس في عدد من الدول. وتقول إن.أس.أو إن كل مبيعاتها تعتمدها الحكومة الإسرائيلية.

وقال رايسنر، العضو في لجنة للأخلاقيات بشركة إن.أس.أو، إن الشركة رفضت طوعا تعاقدات قيمتها 200 مليون دولار في الفترة من 2016 إلى 2018.

كما ربط معمل سيتيزن لاب برمجيات من إنتاج شركة إلبيت بحملة تجسس استهدفت معارضين إثيوبيين. ويشيرغاي فيليب غولدشتاين، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي، إلى أنه على الرغم من أن الفضاء السيبراني يعد مجالا ذا أهمية استراتيجية، إلا أن الأسلحة السيبرانية لم ترتبط بعد بأيديولوجيات الاستخدام المعلنة والتي تشبه تلك الموجودة في العصر النووي.

الحرب السيبرانية منطقة ذات إمكانيات هائلة

حددت الشركات الإسرائيلية الحرب الإلكترونية باعتبارها منطقة ذات إمكانات هائلة، سواء بالنسبة للحلول السيبرانية الهجومية أو الدفاعية.

● من المتوقع أن ينمو الطلب العالمي على النظم السيبرانية الهجومية بنسبة 39 في المئة بحلول العام 2027 إلى 9.7 مليار دولار وفق تقدير مجموعة ماركت فوركاست للأبحاث الدفاعية والتي حددت شركات في الولايات المتحدة وإسرائيل والاتحاد الأوروبي باعتبارها مهيمنة على هذه السوق.

● قدّرت قيمة صادرات إسرائيل السنوية من الأدوات الهجومية السيبرانية بمئات الملايين من الدولارات. ويمثل ذلك نسبة صغيرة من صادرات الأمن السيبراني الإسرائيلية البالغة سبعة مليارات دولار والتي تهيمن عليها تكنولوجيات دفاعية وتمثل ما يقرب من عشرة في المئة من السوق العالمية.

● اجتذبت الشركات السيبرانية الإسرائيلية استثمارات قدرها 539 مليون دولار في العام الجاري حتى الآن مقارنة بمبلغ 828 مليون دولار إجمالا في 2018 وفقا لبيان شركة تراكسن تكنولوجيز. ويشمل هذا الرقم الشقين الدفاعي والهجومي.

● صنفت جماعة برايفاسي إنترنشونال المدافعة عن الخصوصية والتي تتخذ من لندن مقرا لها إسرائيل ضمن أكبر خمس دول عالميا في تكنولوجيات المراقبة وقالت إن عدد شركاتها التي تبيع مثل هذه النظم يبلغ 27 شركة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: