الملك محمد السادس: تجديد النموذج التنموي مدخل لمرحلة جديدة للمغرب

وعد العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء الإثنين في خطاب إلى الأمة بمناسبة الذكرى الـ20 لجلوسه على العرش بـ”مرحلة جديدة” للحدّ من “التفاوتات الصارخة” في المملكة، متعهّداً خصوصاً إجراء تعديل حكومي “في أفق الدخول المقبل” بهدف “إغناء وتجديد مناصب المسؤولية”.

كما تحدث العاهل المغربي عن تغييرات في المناصب الحكومية وقال إنه “في هذا الإطار تكلف رئيس الحكومة بأن يرفع إلى نظرنا في أفق الدخول المقبل مقترحات  وتجديد مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية بكفاءات وطنية عالية المستوى وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق”.

كما أشار إلى أن “بعض القطاعات والمهن الحرة تحتاج إلى الانفتاح على الخبرات والكفاءات العالمية وعلى الاستثمار الخاص، الوطني والأجنبي”.

وأضاف أن رغبة بعض المؤسسات والشركات العالمية في الاستثمار والاستقرار في المغرب “تبعث على الارتياح للثقة التي يحظى بها المغرب” لكن “القيود التي تفرضها بعض القوانين الوطنية والخوف والتردد الذي يسيطر على عقلية بعض المسؤولين، كلها عوامل تجعل المغرب أحيانا، في وضعية انغلاق وتحفظ سلبي”.

وبعيد إلقاء العاهل المغربي خطابه من قصره في تطوان ، أعلنت وزارة العدل في بيان أنّه بمناسبة “عيد العرش” أصدر الملك عفواً ملكياً شمل 4764 مداناً، بينهم خصوصاً “مجموعة من معتقلي أحداث الحسيمة”، الحراك الذي هزّ منطقة الريف في شمال المملكة عامي 2016 و2017.

ولم يحدّد بيان الوزارة عدد المستفيدين من العفو من معتقلي أحداث الحسيمة، علماً بأنّ هذا التحرّك الاحتجاجي انتهى باعتقالات وصدور أحكام قاسية طالت مئات الأشخاص، بحسب منظمات حقوقية.

وفي خطابه قال الملك البالغ من العمر 55 عاماً إنّ “تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته، وإنّما هو مدخل للمرحلة الجديدة، التي نريد، بعون الله وتوفيقه، أن نقود المغرب لدخولها”.

ضخ دماء جديدة

اعتبر الملك محمد السادس أنّ “المرحلة الجديدة ستعرف، إن شاء الله، جيلاً جديداً من المشاريع. ولكنها ستتطلب أيضاً نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخّ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة”.

وفي خطابه رحّب محمد السادس الذي تولّى العرش في 1999 خلفاً لوالده الملك الراحل الحسن الثاني، بما أنجزته البلاد من “نقلة نوعية على مستوى البنيات التحتية” وما قطعته من “خطوات مشهودة، في مسار ترسيخ الحقوق والحريات، وتوطيد الممارسة الديمقراطية السليمة”.

غير أنّ الخطاب لفت إلى أنّ “ما يؤثّر على هذه الحصيلة الإيجابية، هو أن آثار هذا التقدّم وهذه المنجزات، لم تشمل، بما يكفي، مع الأسف، جميع فئات المجتمع المغربي”.

وأوضح أنّ “بعض المواطنين قد لا يلمسون مباشرة، تأثيرها في تحسين ظروف عيشهم، وتلبية حاجياتهم اليومية، خاصة في مجال الخدمات الاجتماعية الأساسية، والحد من الفوارق الاجتماعية، وتعزيز الطبقة الوسطى”.

أعلن الملك في خطابه أنّه بهدف معالجة هذه المشاكل “قرّرنا إحداث اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، التي سنقوم في الدخول المقبل، إن شاء الله، بتنصيبها”.

ودعا الملك محمد السادس “جميع المغاربة، للمساهمة الإيجابية فيها، بروح المواطنة الفاعلة؛ لأن النتائج التي نطمح إليها، والمشاريع والمبادرات، التي نقدم عليها، لها هدف واحد هو : تحسين ظروف عيش المواطنين”.

وذكر الملك محمد السادس “أن المرحلة الجديدة، التي نحن مقبلون عليها، حافلة أيضا بالعديد من التحديات والرهانات الداخلية والخارجية، التي يتعين كسبها؛ وفي مقدمتها:

  • أولا رهان توطيد الثقة والمكتسبات: لكونها أساس النجاح، وشرط تحقيق الطموح : ثقة المواطنين فيما بينهم، وفي المؤسسات الوطنية، التي تجمعهم، والإيمان في مستقبل أفضل.
  • ثانيا رهان عدم الانغلاق على الذات: خاصة في بعض ا لميادين، التي تحتاج للانفتاح على الخبرات والتجارب العالمية، باعتبار ذلك عماد التقدم الاقتصادي والتنمو ي، بما يتيحه من استفادة من فرص الرفع من تنافسية المقاولات والفاعلين المغاربة.
  • ثالثا رهان التسريع الاقتصادي والنجاعة المؤسسية: لبناء اقتصاد قوي وتنافسي، من خلال مواصلة تحفيز المبادرة الخاصة، وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج، وخلق المزيد من فرص الشغل.
  • رابعا رهان العدالة الاجتماعية والمجالية: لاستكمال بناء مغرب الأمل والمساواة للجميع . مغرب لامكان فيه للتفاوتات الصارخة، ولا للتصرفات المحبطة، ولا لمظاهر الريع، وإهدار الوقت والطاقات.

ودعا الملك محمد السادس في الخطاب ذاته، إلى “إجراء قطيعة نهائية مع هذه التصرفات والمظاهر السلبية، وإشاعة قيم العمل والمسؤولية، والاستحقاق وتكافؤ الفرص”.

تحديات أمنية وتنموية

من جهة ثانية جدد العاهل المغربي التأكيد على أن المسلك الوحيد للتسوية المنشودة لقضية إقليم الصحراء “لن يكون إلا ضمن السيادة المغربية الشاملة في إطار مبادرة الحكم الذاتي”.

وقال العاهل المغربي إن الاحتفال بعيد العرش “أبلغ لحظة لتأكيد تعلقنا الراسخ بمغربية صحرائنا ووحدتنا الوطنية والترابية وسيادتنا الكاملة على كل شبر من أرض مملكتنا”.
وأضاف محمد السادس أن “التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهنا لا يمكن لأي بلد أن يرفعها بمفرده”.
وأعرب عن اعتزازه بما حققه المغرب من مكاسب على الصعيد الأممي والإفريقي والأوروبي ودعا إلى “مواصلة التعبئة على كل المستويات لتعزيز هذه المكاسب والتصدي لمناورات الخصوم”.
واكد الملك محمد السادس على المغرب يبقى “ثابتا في انخراطه الصادق في المسار السياسي تحت المظلة الحصرية للأمم المتحدة”.
واضاف “من هذا المنطلق فإننا نؤكد مجددا التزامنا الصادق بنهج اليد الممدودة تجاه أشقائنا في الجزائر وفاء منا لروابط الأخوة والدين واللغة وحسن الجوار التي تجمع على الدوام شعبينا الشقيقين”.
وأضاف أن هذه الروابط تجسدت مؤخرا في مظاهر الحماس والتعاطف التي عبر عنها المغاربة “ملكا وشعبا بصدق وتلقائية دعما للمنتخب الجزائري خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة، ومشاطرتهم للشعب الجزائري مشاعر الفخر والاعتزاز بالتتويج المستحق بها، وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا”.
وأشار إلى أن الوعي والإيمان بوحدة المصير وبالرصيد التاريخي والحضاري المشترك هو الذي يجعلنا “نتطلع بأمل وتفاؤل للعمل على تحقيق طموحات شعوبنا المغاربية الشقيقة إلى الوحدة والتكامل والاندماج”.
وبدأ النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو حول إقليم الصحراء عام 1975 بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين توقفت عام 1991 بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة”.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها بينما تدعو بوليساريو إلى الانفصال وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي عشرات الآلاف من اللاجئين الصحراويين.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: