الرباط تعيد ترتيب الأولويات في برامج التنمية الشاملة

أعطى العاهل المغربي الملك محمد السادس زخما جديدا لاقتصاد بلاده بقرار استبدال النموذج التنموي القديم بآخر أكثر شمولية يهدف إلى تحفيز كافة القطاعات الحيوية وإذابة الفوارق الاجتماعية بين المناطق وفق استراتيجية ستقوم بتنفيذها لجنة خاصة تحت إشرافه المباشر.

استقبلت الأوساط الاقتصادية قرارات العاهل المغربي الملك محمد السادس المتعلقة بتغيير النموذج التنموي القديم بكثير من التفاؤل كونه يؤسس لمرحلة أكثر انفتاحا لتعزيز بناء الاقتصاد على أسس مستدامة.

واعتبر الخبير محمد ياوحي أن الخطوة تأتي بعد عجز الحكومات المتعاقبة عن إنجاز مشاريع وازنة ذات مصداقية تمكن من حل الإشكالية الاقتصادية والمجتمعية التي تعيشها الدولة.

وتراهن الرباط على الخطوة لتحريك نشاط القطاعات الاستراتيجية وتقليص الفوارق الاجتماعية بين سكان البلاد البالغ عددهم 35 مليون نسمة.

ولدى العاهل المغربي قناعة بأن تجديد النموذج التنموي ليس غاية في حد ذاته، وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة التي يريد أن يقود إليها بلاده، وقوامها “المسؤولية والإقلاع الشامل”.

وأمر في خطاب بمناسبة الذكرى العشرين لجلوسه على العرش الاثنين بتشكيل لجنة لوضع نموذج جديد للتنمية بعد أن أقر بفشل النموذج السابق.

عبداللطيف الجواهري: نموذج التنمية غير كاف لتلبية المطالب الاجتماعية المتزايدة
عبداللطيف الجواهري: نموذج التنمية غير كاف لتلبية المطالب الاجتماعية المتزايدة

وأوضح أن اللجنة لن تكون بمثابة حكومة ثانية، أو مؤسسة رسمية موازية، وإنما هي هيئة استشارية ومهمتها محددة في الزمن.

وستأخذ اللجنة بعين الاعتبار التوجهات الكبرى للإصلاحات التي تم أو سيتم اعتمادها في قطاعات كالزراعة والاستثمار والنظام الضريبي والتعليم والصحة، وأن تقدم اقتراحات بشأن تطويرها.

ويرى ياوحي أنه بحكم تخصص خبراء اللجنة وتجردهم وحيادهم ستمكن من اقتراح نموذج تنموي وطني منسجم ومندمج يرمي إلى تحقيق المصلحة العليا للمغاربة دون خندقة الاقتصاد في خدمة أجندات خاصة لفئة معينة.

ويؤكد بنك المغرب المركزي أنه حتى تعود البلاد إلى مسار نمو مطرد، كما حصل خلال العشرية الأولى من هذا القرن، لا بد أن تمضي السلطات في الإصلاحات مع الرفع من مستوى فاعليتها ومراعاة أفضل لتقلبات وتطورات المحيط الدولي.

وقال محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري خلال عرض التقرير السنوي للبنك للعام الماضي أمام الملك محمد السادس إن أداء اقتصاد البلاد “لا يزال غير كاف للاستجابة للمطالب الاجتماعية المتزايدة”.

ولا يزال المغاربة يترقبون جني ثمار الإصلاحات من خلال توفير فرص العمل وتطوير خدمات الصحة والتعليم وغيرها من الأمور الخدماتية‎ الأخرى.

ويعي الملك محمد السادس أن هناك تحديات ورهانات داخلية وخارجية كثيرة يجب على بلاده مواجهتها في المرحلة المقبلة لتعزيز معدلات النمو.

وتتلخص التحديات في تمتين الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، إلى جانب الانفتاح على التجارب والخبرات العالمية لزيادة تنافسية الشركات العاملة في كافة القطاعات.

وبالإضافة إلى ذلك، العمل على تحفيز المبادرات الخاصة وإنشاء الشركات الناشئة وإطلاق برامج جديدة من الاستثمار المنتج والسعي إلى توفير المزيد من فرص العمل للشباب مع الرهان على تحقيق العدالة الاجتماعية.

وحقق المغرب في العقدين الماضيين تطورا مهما على عدة مستويات وأطلق عدة مشاريع الكبرى، منها افتتاح ميناء طنجة المتوسط في عام 2007 وتوسيعه في 2019.

وارتفعت الطاقة الاستيعابية للميناء الذي يعد الأكبر في حوض المتوسط إلى ثلاثة أضعاف، ويرتبط هذا الميناء بنحو 186 ميناء في 77 بلدا.

محمد ياوحي: تغيير النموذج التنموي سيعمل على حل المشاكل العالقة
محمد ياوحي: تغيير النموذج التنموي سيعمل على حل المشاكل العالقة

ودشن الملك محمد السادس عدة مشاريع كبرى لتأهيل البنى التحتية، وافتتح في 2016 محطة نور للطاقة الشمسية في وارزازات.

كما افتتح نهاية العام الماضي خطا للقطار فائق السرعة يربط طنجة شمالا بالعاصمة الاقتصادية للمغرب الدار البيضاء غربا، وكذلك بناء شبكة واسعة من الطرق السريعة تربط بين 70 بالمئة من مدن البلاد.

وباتت الرباط بفضل تلك المشاريع قبلة لشركات عالمية للاستثمار في قطاعات على رأسها صناعة السيارات وقطاع غيار الطائرات.

وبالرجوع الى حصيلة السنوات العشرين الأخيرة اعتبر اقتصاديون أنه بالفعل، رغم السلبيات المرتبطة بالفساد الإداري فقد تمكن المغرب من مضاعفة ناتجه الإجمالي من 41.6 مليار دولار عام 1999 إلى 121.4 مليار في النصف الأول من العام الجاري ليصبح بذلك القوة الاقتصادية الخامسة في أفريقيا.

ويقول ياوحي إن الورشات الكبرى التي دشنها الملك والبنية التحتية الضخمة التي رأت النور في عهده ساهمتا في احتلال المغرب الصدارة عربيًّا وأفريقيّا في استقطاب الشركات العالمية الكبرى.

والعائق الحقيقي أمام المستثمرين يتجسد، حسب الخبير، في تواجد لوبيات تغلغلت في مراكز صنع القرار وتحافظ على مصالحها عن طريق عرقلة المنافسة الخارجية وأشكال مختلفة من الحمائية التي تمكنها من الهيمنة على السوق المحلية.

وأشار ياوحي إلى أن الشركات المحلية عليها أن تواكب المؤسسات الدولية وأن تحاول الدخول معها في شراكات وأن تدمج أنشطتها مع أنشطة علامات تجارية مشهورة حتى تستفيد من خبرتها ومن انتقال التكنولوجيا لتوطين الصناعة محليا.

وبدأ المغرب في الربع الأول من العام الماضي تنفيذ تعويم جزئي لسعر صرف عملته المحلية عبر تحويل التحكم في أسعار الصرف إلى العرض والطلب، مع الإبقاء على تدخلات للبنك المركزي عند الحاجة.

وقال الجواهري إن “السنة الأولى من عملية الانتقال التدريجي إلى نظام صرف أكثر مرونة، مرت في ظروف جيدة”.

وحث صندوق النقد الدولي الرباط على الإسراع في تنفيذ الإصلاحات لتفادي مخاطر قد تؤثر على مستويات النمو لهذا العام، رغم إشادته بالخطوات المتعلقة بتعويم الدرهم تدريجيا.

وقال في وقت سابق هذا الشهر إن “نمو اقتصاد المغرب يواجه مخاطر محلية وخارجية كبيرة”.

واعتبر الصندوق أن آفاق الاقتصاد المغربي لا تزال مواتية على المدى المتوسط، وتوقع أن يصل النمو إلى نحو 4.5 بالمئة بحلول 2024.

ونهاية الأسبوع الماضي، توقعت الحكومة أن يرتفع النمو إلى 3.7 بالمئة في 2020، مقابل 2.9 بالمئة هذا العام..

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: