عشرون سنة من حكم الملك محمد السادس: تحولات مستمرة

عرف المغرب خلال عقدين من حكم العاهل المغربي الملك محمد السادس تطورا مهما على عدة مستويات تهم المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية والحقوقية، مكنته من قطع مسافات معتبرة على طريق التطور إقليميا ودوليا.

تعوّد المغاربة والعاهل المغربي الملك محمد السادس على أن يقفوا، بمناسبة عيد العرش الذي يصادف يوم 30 يوليو، وقفة تأمل ومراجعة لسياسات ما مضى من السنوات، وتوجيه النقد لمن يحتاج والشكر لمن يستحق؛ هي كما قال الملك محمد السادس “وقفة تساؤل مع الذات، بكل صراحة وصدق وموضوعية حول ما طبع مسيرة المغرب من إيجابيات وسلبيات، للتوجه نحو المستقبل بكل ثقة وعزم وتفاؤل”.

لكن، وقفة هذه السنة تحمل في نفوس المغاربة إحساسا أعمق بالفخر بما تحقق على مدى السنوات العشرين الماضية، ضمن رهانات كان فيها، ومازال وسيبقى، المواطن المغربي هو رأس المال والمستفيد والمفيد في التغييرات الحاصلة والقادمة وفق سياسة ترى في التحديات الداخلية والإقليمية حافزا للتقدّم لا عائقا له.

يهنئ المغاربة الملك محمد السادس بالذكرى العشرين لجلوسه على العرش، وفي أعينهم نظرة شكر لما تحقق على مدى السنوات الماضية بما جعل المغرب قبلة للاستثمارات الأوروبية وقطبا سياحيا وصناعيا يستفيد من كل مناطقه من الشمال إلى الجنوب وفق خصوصية كل منطقة، وضمن توزيع يسعى أن يكون متوازنا.

انجازات ولكن…

يقول عمر عزيمان، مستشار العاهل المغربي، “على مدى العشرين سنة الماضية، تحقق الكثير من المنجزات المفيدة للبلد، لكن ثمار التنمية خلال العشرين سنة الماضية لم يستفد منها الجميع. مازلنا غير قادرين على خلق فرص عمل لشبابنا ولا تزال لدينا مناطق تعاني التهميش.. بوسع المغاربة أن يفخروا بما تحقق لكننا لا نستطيع تجاهل النواقص والاختلالات. لكي نواصل التقدم لا بد لنا من ضمان انسجام اجتماعي، هذا شرط أساسي”.

وإذا كانت قيمة الثروة الإجمالية للمغرب “تجاوزت الضعف ما بين 1999 و2013″، بحسب دراسة رسمية نشرت أواخر 2016، فإن المغرب لا يزال يواجه “العديد من التحديات التي يتعين رفعها لاسيما ما يتعلق بالبطالة في صفوف الشباب، والفوارق الاجتماعية والجهوية”، بحسب الدراسة التي أنجزت بتعليمات من الملك محمد السادس.

ويقول المنوني “تحققت عدة أشياء. على صعيد الإصلاحات الديمقراطية أنجز الأهم، لا يزال مطلوبا ترسيخ هذه المنجزات”.

ويؤكد المغاربة على ذلك مشيرين إلى أن الأرضية اليوم أكثر صلابة للمضي قدما نحو تحقيق ذلك، كما أن المساحة صارت أكثر نضجا ووعيا للتعامل مع الأولويات المطروحة وما تفرضه التحديات.

ويؤكد على ذلك الشباب، الذي يراهن عليه العاهل المغربي ليمسك الجانب الآخر من الدفة. ويؤكد ذلك الإدراك الإيجابي لمرامي الرسائل الملكية الداعية إلى المزيد من الإصلاح في المغرب، نوفل عامر، المنسق العام للرابطة المغربية للشباب من أجل التنمية والحداثة، قائلا إن المغرب اليوم، بقيادة الملك محمد السادس، يمشي بخطى ثابتة نحو مستقبل مزدهر للأجيال القادمة.

على مدى العشرين سنة الماضية، تحقق الكثير من المنجزات لكن ثمار التنمية لم يستفد منها الجميع

وبنبرة فخر، يقول الحاج سيمو، رئيس بلدية القصر الكبير، شمال المغرب، بينما كان يهيئ نفسه للسفر إلى مدينة تطوان لتقديم الولاء للعاهل المغربي ضمن مراسيم الحفل الرسمي الذي يقام بمناسبة عيد العرش كل سنة، إن المغرب اليوم له سمعة دولية محترمة، يجب الحفاظ عليها.

ويعدد نوفل عامر في حديثه  الكثير مما حققه المغرب خلال السنوات الماضية، من نتائج “قوية وإيجابية” في عدد من مجالات الاقتصاد والاجتماع والقانون والخدمات، غير أن الشباب، حسب رأيه “عينه كبيرة، يريد المزيد من الرعاية والخدمة”.

وبنفس الزخم يتحدث عبداللطيف المنوني (75 سنة)، الذي عين مستشارا للملك محمد السادس في 2011 وهو أستاذ في القانون الدستوري. وكان ترأس قبل ذلك لجنة مراجعة الدستور في سياق مطالب الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد، التي رفعتها حركة 20 فبراير النسخة المغربية “للربيع العربي” آنذاك.

ويقول المنوني “تحققت عدة أشياء. وعلى صعيد الإصلاحات الديمقراطية أنجز الأهم، لا يزال مطلوبا ترسيخ هذه المنجزات”. وتشير المتابعات الإعلامية الدولية إلى أن الخطوات التي سار بها المغرب على مدى العقدين الماضيين تؤكد أنه سيرسخ المزيد من الإنجازات.

وكتبت مجلة جون أفريك في افتتاحيتها أن “المغرب شهد ما بين  1999 و2019 تحولا تدريجيا لا رجعة فيه”، مضيفة أن “البلاد عرفت تحديثا وعصرنة على جميع المستويات الاقتصادية والإدارية والثقافية والمجتمعية وعلى صعيد البنيات التحتية”.

وضمن المجال الزمني الفاصل بين توليه العرش في يوليو 1999 وإتمامه العشرين سنة على رأس الحكم بالمغرب، أطلق الملك محمد السادس عددا من المشاريع الكبرى لتأهيل البنى التحتية وإصلاح الإدارة والمؤسسات. كما سنّ قواعد سياسة خارجية متطورة قوامها الانفتاح على عدد من الدول، وذلك خدمة لمصالحه الكبرى وعلى رأسها قضية الصحراء المغربية.

مفهوم جديد للسلطة

مواكبة التنمية البشرية والسهر على تطبيق مشاريعها
مواكبة التنمية البشرية والسهر على تطبيق مشاريعها

الحديث عن حصيلة العاهل المغربي الملك محمد السادس لمدة عشرين سنة، تقول عائشة الناصري عضو المجلس الأعلى للسلطة القضائية، هو حديث عن ثورة فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية أسس لها بمجرد توليه العرش، بناء على المفهوم الجديد للسلطة ولأدوار جديدة لرجل السلطة عن طريق خلق ثقافة تتمثل في أن رجل السلطة في خدمة الشعب والمواطن ودوره انتقل من تسلطي ومتشنج إلى متماه مع التحولات البنيوية التي يعرفها المجتمع المغربي.

وكان خطاب الملك محمد السادس في أكتوبر 1999 بمدينة الدار البيضاء بمثابة خارطة طريق لتأسيس مفهوم جديد للسلطة. ويقول خالد الشرقاوي السموني، مدير مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن هذا الخطاب شكّل قطيعة مع الأساليب القديمة ونهج أساليب جديدة تضمن حماية الحريات الفردية والجماعية وتصون حقوق المواطنين وتتيح الظروف المناسبة لترسيخ وتوطيد دولة الحق والقانون.

وتمثلت الفلسفة الجديدة لرجل الدولة في مواكبة التنمية البشرية والسهر على تطبيق مشاريعها، ليخرج من المفهوم الضيق إلى مفهوم جديد يتماشى مع ثقافة حقوق الإنسان وفلسفة الاستثمار في رأس المال البشري، وتطوير الإدارة، التي أساسها تقديم خدمات للمواطن وتسهيل المساطر والاستماع له ولشكاواه.

ويشير الشرقاوي السموني إلى أن العاهل المغربي كان الضامن للخيار الديمقراطي الوطني وجاعلا من نزاهة الانتخابات المدخل الأساسي لمصداقية المؤسسات التمثيلية، وأن تتحمل السلطات العمومية والأحزاب السياسية مسؤولياتها كاملة في توفير الضمانات القانونية والقضائية والإدارية لنزاهة الاقتراع وتخليق المسلسل الانتخابي.

وفي هذا الصدد، وبشهادة مراقبين مغاربة ودوليين نجح المغرب في تنظيم أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس في العام 2002، تميزت الانتخابات بالشفافية والنزاهة وفق المعايير الديمقراطية المعروفة، بتوفير شروط النزاهة والشفافية للعملية الانتخابية، وضمان حياد الإدارة.

ويشدد خالد الشرقاوي السموني على حرص الملك محمد السادس على أن يجعل من مشروع بناء مجتمع ديمقراطي وحداثي أولوية تتصدر اهتماماته، حيث جعل من تثبيت أركان الممارسة الديمقراطية وإرساء قواعدها وتدعيم آليات اشتغالها، في إطار دولة الحق والقانون، مطمحا ساميا ونبيلا يندرج في إطار منظومة إصلاحية ترتكز بالأساس على تحديث المؤسسات والهيئات السياسية ودمقرطتها وإصلاح المشهد السياسي الوطني وتأهيله بما يساير متطلبات العصر.

واليوم، كما قال عمر عزيمان، أصبح تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية في صدارة الأولويات. إنها ورشة ضخمة يستوجب إنجازها صياغة نموذج تنموي جديد يكون أكثر حرصا على ضرورة تحقيق العدالة الاجتماعية. كما يستوجب نهج سياسة مجالية جديدة ستساهم فيها الجهوية المتقدمة بقوة (توسيع صلاحيات الجهات المحلية).

ووضع الملك محمد السادس أسس تصور للنموذج التنموي الجديد المنشود ارتكز على ضرورة تسريع تفعيل الجهوية المتقدمة ونقل الاختصاصات والكفاءات البشرية المؤهلة والموارد المالية الكافية، فضلا عن العمل على إخراج نظام اللاتمركز الإداري، وملاءمة السياسات العمومية مع الخصوصيات المحلية.

 دولة الحق والقانون

Thumbnail

منذ توليه الحكم، آثر الملك محمد السادس أن يدشن عهده بإصلاحات مهيكلة لاستكمال دولة المؤسسات وتعزيز دورها في بناء دولة القانون. وكان دستور 2011 بمثابة الأرضية القانونية التي عززت دولة الحق والمؤسسات. وتشدد عائشة الناصري على أنه لا يمكن الحديث عن دولة القانون إذا لم يحدث هذا الارتقاء بالمؤسسات الوطنية في إطار الاتفاقيات الدولية في المجال الحقوقي.

ونجح المغرب في أن يتصالح مع ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حدثت عن طريق خلق هيئة الإنصاف والمصالحة، ضمن بادرة للتأسيس اعتبرها المتابعون ثورة في مفهوم حقوق الإنسان إذ كانت هناك جلسات استماع لضحايا الخروقات وخلق آلية لتعويض هؤلاء الضحايا، وتعتبر خطوة جبارة في المشهد الحقوقي.

ويؤكد وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، أن “الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تم القطع معها، وأصبحت بالنسبة للمغرب من الماضي”.

وعلى مستوى المؤسسات تمت إعادة تنظيم المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان في العام 2003 ليصبح متلائما مع مبادئ باريس ليصبح الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان. وهي تقع ضمن توجيهات الملك محمد السادس ليرقى بمؤسسات الدولة لمصاف الدول المتقدمة الديمقراطية، وتم الارتقاء بهذه المؤسسة في العام 2011 إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان، باختصاصات موسعة في مجال حماية حقوق الإنسان.

إن تأسيس دولة الحق تمثل أيضا، كما تؤكد عائشة الناصري، في استقلال السلطة القضائية. ولأول مرة في تاريخ الدولة المغربية يؤكد الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، والغاية هي سواسية المواطنين أمام القانون.

ويؤكد الشرقاوي السموني أن السنوات الماضية تميزت بتنمية شاملة، مضت خلالها المملكة نحو الحداثة وتعزيز دولة القانون بما وضعت لبنة مشروع مجتمعي ديمقراطي حداثي وتحقيق منجزات ملموسة في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية من أجل تجاوز التحديات وصناعة الترياق الذي سيحمي البلاد ويضمن استقرارها.

تدبير الحقل الديني

على المستوى الديني كانت العشرون سنة من حكم الملك محمد السادس بوصفه أميرا للمؤمنين، بمثابة ورش إصلاحية للحقل الديني، كونه يتبوأ هرم السلطة الدينية بكل تمفصلاتها تخوله الإشراف والتوجيه والتقرير في مجال تدبير الشأن الديني في المجتمع ومواجهة أي فاعل يريد الإضرار بهذا النموذج المغربي الذي يقوم عليه الأمن الروحي للمغاربة وتنمية تكوينهم الفكري والتربوي.

وحتى يتحقق الحياد اللازم في عمل المؤسسة الدينية بالمغرب تم منع الأئمة والقيمين الدينيين من الالتحاق بأي هيئة سياسية أو نقابية. وقد تمثلت رعاية الملك للحقل الديني وإصلاحه في «ميثاق العلماء» الذي يهدف إلى تحقيق تكوين وتأهيل علمي للأئمة والقيمين الدينيين.

وبروح إصلاحية وجه الملك محمد السادس العلماء إلى اتخاذ أسلوب متطور وفعال في ممارسة مهامهم التنويرية متجلية في القرب من المواطن المغربي والتفاعل مع احتياجاته الروحية، حيث أعلن فيه عن ميثاق العلماء في خطوة متقدمة تهدف إلى ربط التواصل الحقيقي التاريخي والديني والحضاري والاجتماعي بين العلماء والمجتمع.

وامتد الدور المغربي في مجال الإصلاح الديني إلى خارج الحدود وبالخصوص المجال الأفريقي الواسع، الذي يحيطه المغرب باهتمام خاص، قوامه التعاون جنوب جنوب والتأكيد على أن نهوض دول القارة لن يكون إلا بسواعد أبنائها وتعاون دولها لخلق نموذج مبتكر وأصيل للتنمية في أفريقيا، يقطع مع المقاربات والاقتراحات التي تأتي من الخارج والتي أثبتت عجزها في مسايرة التطور الذي تشهده عدة دول أفريقية. ودشنت هذه الرؤية التي أكّد عليها العاهل المغربي مرارا توجها جديدا في القارة السمراء، كان أبرزه عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي في 2017 بعد 30 سنة من الغياب.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: