التلاميذ فريسة سهلة لمروجي المخدرات في المغرب

لا توفر الأجهزة الحكومية في المغرب جهودها من أجل محاربة تعاطي القصر للمخدرات في ظل انتشار هذه الظاهرة بين تلاميذ المدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية بحسب ما كشف عنه تقرير العام الحالي الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المتخصص في قضايا المخدرات والجرائم إلى جانب ما رصدته الهيئات المغربية المعنية بمتابعة إدمان المخدرات والوقاية منها.

لم تعد المؤسسات التعليمية بالمغرب في منأى عن مروجي المخدرات حيث أصبح كل تلميذ وطالب مشروع زبون لدى هؤلاء، ما يشكل تهديدا حقيقيا للمجتمع ومعاناة كبيرة لأسر التلاميذ.

ورصدت أخبارنا الجالية  هذه الظاهرة من زاوية اجتماعية وتربوية، حيث إن مجموعة من تلاميذ المؤسسات الإعدادية والثانوية برروا تعاطيهم للمخدرات بتردّي أوضاعهم الأسرية من شجار علني بين الأم والأب لأسباب متعددة، واعتبر آخرون أنها نزوة وبإمكانهم التوقف عن تعاطيهم المخدر متى أرادوا ذلك.

وفي هذا الصدد، كشف مكتب الأمم المتحدة المتخصص في قضايا المخدرات والجرائم، في تقريره لسنة 2019 حول المخدرات، عن مدى انتشار تعاطي مخدري الكوكايين والكراك (مشتق كيمياوي من مادة الكوكايين) داخل المؤسسات الثانوية بالمغرب، وذلك في صفوف الذكور والإناث على حدّ سواء.

ورصدت “أخبارنا الجالية ” أن التلاميذ الذين يتعاطون المخدرات ليسوا بالضرورة من طبقات دنيا في المجتمع بل هناك من ينحدرون من عائلات ميسورة ومنهم من يعمل والداه أو أحدهما في مجال التربية والتعليم سواء في سلك مدراء المؤسسات التربوية أو الأساتذة أو المشرفين العامين.

أرقام مكتب الأمم المتحدة لقضايا المخدرات تبين أن تعاطي المواد المخدرة ليس مقتصرا على التلاميذ الذكور فقط بل الإناث أيضا

ونظرا لحساسية الموضوع يفتقر الكثير من التلاميذ الجرأة للكشف عن الأسباب الحقيقية لتعاطيهم المخدرات.

يقول التلميذ حسن، البالغ من العمر 17 سنة ، إنه انزلق إلى هذا المستنقع قبل أربع سنوات بعدما رافق عددا من الأصدقاء وشاركهم في جلساتهم.

واكتشف حسن مع مرور الوقت أن أصدقاءه لم يكتفوا بتدخين السجائر فقط بل تجاوزوها إلى لفافات الحشيش. وقال “في البداية امتنعت عن مجاراتهم لكن إلحاحهم علي وضعفي أمامهم جعلاني أنخرط في التدخين معهم”.

وأوضح أن والديه لم يلاحظا أي تغيير على حالته المزاجية لانشغالهم بأعمالهم، وتابع قائلا “وهو ما جعلني أنغمس في هذا العالم دون رادع عائلي أو وازع أخلاقي”.

وتصل نسبة تعاطي مخدر الكوكايين في صفوف تلاميذ المؤسسات الثانوية، حسب مكتب الأمم المتحدة المتخصص في قضايا المخدرات والجرائم، إلى 1.2 بالمئة بالنسبة للذكور و0.4 بالمئة بالنسبة للإناث، ليصل بذلك معدل التلاميذ المتعاطين لهذا المخدر إلى 0.8 بالمئة. فيما وصلت نسبة تعاطي تلاميذ المستوى الثانوي لمخدر “الكراك” إلى 1.0 بالمئة بالنسبة للذكور و0.2 بالمئة بالنسبة للإناث.

المخدرات في المغرب

وكما تبين الإحصائيات، فلم يعد تعاطي المخدرات بأنواعها الخفيفة أو الثقيلة مقتصرا على التلاميذ الذكور بل تعداه إلى الإناث.

ولا تعتبر سلوى (16 سنة) نفسها مدمنة حيث تقول إنها تتعاطى المخدر فقط عندما تكون في سهرة مع أصدقائها. وتؤكد أن إحدى صديقاتها هي من تتكفل بمهمة تأمين المخدرات من أحد معارفها.

وترويج المخدرات على مستوى المؤسسات التعليمية يتم عن طريق مجموعات يترأسها شخص يتكفل بجلب المواد المخدرة من بينها مخدر “الشيرا” وحبوب الهلوسة وفي أحيان أخرى الكوكايين.

ويستفيد هذا الشخص في نشاطه من علاقاته المتميزة مع المروجين لهذه المواد وكذلك من ثقة التلاميذ في أنه لن يخذلهم ولن يشتكي بهم وفي المقابل يقومون هم بتوسيع دائرة أصدقائهم داخل مؤسستهم وخارجها بهدف استقطابهم وإدماجهم في مجموعتهم.

وأماكن الترويج عادة ما تكون قرب البعض من الثانويات والإعداديات بفاس والدار البيضاء وطنجة وغيرها من المدن المغربية الصغيرة والمتوسطة، ومنها قاعات ألعاب ومقاه وحدائق عامة ومنازل الأصدقاء.

وأنشأ المغرب هيئة متخصصة في رصد تطور تعاطي المخدرات والمشكلات الصحية الناتجة عنها، بالإضافة إلى توفير المعلومات المفيدة التي تساعد في اتخاذ القرارات في مجال مكافحة المخدرات والإدمان.

ويعتبر المرصد المغربي للمخدرات والإدمان آلية مناسبة لتطوير المعرفة بالوضع في ما يتعلق باستخدام المواد المخدرة والإدمان وعوامله الأساسية.

المخدرات في المغرب

وكشف التقرير الأممي أن المغرب أبلغ في العام 2017 عن ضبط 40 مليون وحدة من مخدر “الترامادول”.

كما ضبطت السلطات الأمنية المغربية أكبر نسبة من مخدر الكوكايين في أفريقيا خلال السنة ذاتها، بمجموع 2.6 طن، وصلت 90 بالمئة منها عن طريق البحر. كما حجز المغرب 1.6 طن في عام 2016، أما في العام التالي فقد تم حجز2.8 طن.

ولفت تقرير المرصد الوطني للمخدرات والإدمان إلى أن نصف عدد تلاميذ الثانويات يعتبرون التعاطي للمخدرات أمرا عاديا. ووفق نفس المصدر، تلقى تلميذ من أصل ثلاثة بالمستوى الثانوي عرضا لتناول مخدر قرب المؤسسة التعليمية. ويعد تعاطي مهدئات “البنزوديازيبين” خارج الإطار الطبي ممارسة ترتبط بتلاميذ الثانويات.

وينتقد باحثون غياب المراكز الصحية للعلاج من الإدمان والمؤهلة لاستقبال القاصرين الذين يتعاطون المخدرات، مشيرين إلى أن المراكز المتواجدة غير مؤهلة لاستقبال هذه الفئة التي تعرف ارتفاعا كبيرا خلال السنوات الأخيرة.

واعتبر مصطفى الغشاوي، رئيس “جمعية حسنونة لمساندة متعاطي المخدرات”، أنه ومن خلال دراسة أعدتها الجمعية تبين أن القاصرين الذين يتعاطون المخدرات يرفضون ويخافون العلاج في المراكز الصحية التي تستقبل المتعاطين البالغين.

وقال رئيس “جمعية حسنونة لمساندة متعاطي المخدرات” إن تلميذا واحدا من كل خمسة تلاميذ استعمل السيجارة، وإن تلميذا من أصل عشرة سبق وأن استخدم القنب الهندي، وإن أغلب هؤلاء تتوفر فيهم جل العوامل التي يمكن أن تحولهم إلى مدمنين على المخدرات.

المخدرات في المغرب

من جهتها، أكدت فوزية بوالزيتون، مديرة “جمعية حسنونة لمساندة متعاطي المخدرات”، أن “هناك جيوشا من القاصرين الذين يلتحقون بعالم الإدمان لا نجد ما نقدمه لهم”.

وأوضحت “الجمعية لا تجد مكانا توجههم له خاصة في ما يتعلق بأطفال الشوارع”.

وأضافت أن هناك أطفالا في سن التاسعة والعاشرة من العمر يتعاطون مخدر الهيروين والسيلسيون والمواد المخدرة الأخرى، الأمر الذي يدفع بالمجتمع المدني إلى دق ناقوس الخطر. ولهذا شدد خبراء المرصد الوطني للمخدرات والإدمان على ضرورة بلورة برنامج وطني للوقاية يتسم بالتنوع والملاءمة الثقافية، خاصة بالنسبة للشباب وبقية الفئات الهشة.

كما يؤكدون على ضرورة إصدار تشريعات لمنع بيع التبغ والمخدرات قرب المؤسسات التربوية وإحداث خلايا للاستشارة والمساعدة النفسية داخل المؤسسات التعليمية والجامعية.

ودشن المغرب عددا من مراكز طب الإدمان في كل من الدار البيضاء وفاس والناظور وطنجة ووجدة والرباط ومراكش وتطوان وأغادير.

وتعد تلك المراكز آلية ناجعة لتشخيص الإدمان والعلاج منه والتوعية بخطورة هذه الظاهرة إلى جانب الوقاية منها، كما توفر هذه المراكز المرافقة النفسية والاجتماعية التي يحتاجها المدمنون ومنهم تلاميذ وطلبة في إطار البرنامج الوطني لمحاربة سلوكيات الإدمان الذي تنفذه مؤسسة محمد الخامس للتضامن منذ العام 2010.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: