نضج سياسي عنوانه صراع أحزاب في المغرب

كما هو معروف في علم السياسة، فإن تحقيق الأهداف يتطلب إجراءات تمهيدية وتكتيكا هادفا. والسياسي بلا تكتيك وأهداف لا يستطيع تحقيق مراده. وفي المغرب اليوم، البلد الأفريقي الذي برزت في ساحته السياسية زعامات شابة جديدة، يلاحظ المراقبون أنه توفق في تحقيق الانسجام التام بين مكوناته السياسية، إلا أن تلك المكونات، وفي مقدمتها الأحزاب السياسية التي بدت اليوم متصارعة في الوصول إلى قيادة الأغلبية الحكومية في أفق انتخابات 2021، خصوصا منها الخماسي الحزبي: التجمع الوطني للأحرار، حزب الاستقلال، العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة والاتحاد الاشتراكي. أما باقي الأحزاب فتكميلية توافقية.

لكن، كيف يتحقق لهذه الأحزاب مرادها المرتجى وحزب العدالة والتنمية ما زال “نهما” يطمح في الاستمرار بقيادته للحكومة؟ إنه ظن نرجسي. يبالغ العدالة والتنمية في ظنه أنه وحده القوي وسط الساحة السياسية المغربية، رغم ما يحدثه فيه زعيمه ورئيس حكومته السابق عبدالإله بن كيران، الذي يصفه المغاربة بصاحب “التقاعد المريح”.

وكمن يريد الإصلاح، أو التصحيح، خرج عبدالإله بن كيران منذ يومين، ليصب جام غضبه على رفيقه في النضال، سعدالدين العثماني، رئيس الحكومة الحالية، معاتبا إياه بشدة على التصويت بالقبول على مشروع القانون الإطار للتعليم، القانون الداعي إلى فرنسة لغة التعليم في المغرب. ما جعل العثماني يرد عليه عبر الصحافة المغربية قائلا إن “حزب العدالة والتنمية حزب مؤسسات وليس حزب أفراد”. وحذر العثماني رفيق دربه النضالي بن كيران، من خطورة عدم احترام القرارات التي تتخذها الأمانة العامة للحزب أو التمرد عليها.

ومن كثرة ضغط بن كيران على العثماني، رد الأخير بقوة عليه، خلال ندوة رؤساء الفرق المعارضة بمجالس الجهات ومجالس العمالات (المحافظات) والأقاليم والجماعات والغرف المهنية، بقوله إن “العدالة والتنمية مبني على مبادئ ومرجعية واضحة، وكان ولا يزال وسيبقى دائما وفيا لمبادئه وتوجهاته المسطرة في القوانين الداخلية”.

وأضاف قائلا إن “أولى هذه المبادئ هي الوطنية بمفهومها الشامل التي تجمع بين المرجعية الإسلامية والملكية الدستورية، أعضاء الحزب متشبثون بهذه المبادئ”.

غير أن بن كيران، وبطريقة ردوده المعهودة المثيرة للضحك لدى الرأي العام المغربي، ردّ على سعدالدين العثماني بقوله إن “التحالف الحقيقي أَسّي (يا سيد) العثماني ليس هو الذي لديك مع أخنوش ولشكر، بل التحالف الحقيقي هو بين أخنوش ولشكر والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية مع حزب الأصالة والمعاصرة وهؤلاء هم الذين صوتوا على رئيس برلمان من فريق لديه عشرون مقعدا ولسنا نحن”. في إشارة تأنيب على تصويت برلمانيي العدالة والتنمية على الاشتراكي الحبيب المالكي رئيسا للبرلمان.

هذه الصراعات التي تشهدها الساحة السياسية في المغرب بين حزبين قويين هما حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب العدالة والتنمية، إضافة إلى حزب الأصالة والمعاصرة الذي لا يزال منشغلا في ترتيب أموره الداخلية ولم يخرج بعد، استفاد منها حزب التجمع الوطني للأحرار واستثمرها زعيمه عزيز أخنوش، رجل المال والأعمال، الذي وإن التقى هو والعثماني في الانتماء إلى نفس المنطقة (كلاهما من منطقة سوس الأمازيغية)، فإنهما في المصالح السياسية لا يعرف أحدهما الآخر. ولأخنوش طموح يصل إلى حد الوصول بحزبه إلى قيادة الحكومة المقبلة في انتخابات 2021، وهذا ما يهابه سعدالدين العثماني، إلى درجة اليقين بحدوثه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: