“أنا وبناتي” كوميديا مغربية مقتبسة من لوركا

الكثير من المخرجين العرب اشتغلوا على نصوص غربية من خلال اقتباسها ومسرحتها في بيئتهم، وهذا المنحى قد ينتج عملا مميزا وقد يخفق في خلق ذاك التآلف بين البيئة الأصلية للنص والبيئة الجديدة، وهو ما يضع المخرجين في تحد كبير لتطويع الأعمال المقتبسة.

تصيح أديلا، الفتاة المراهقة قبل أن تحبس نفسها في غرفة مهجورة من المنزل في مسرحية “منزل برناردا ألبا” للشاعر الإسباني غارسيا لوركا لتواجه حتفها “إننا إذا لم نستطع مواجهة البحر، فأحسن شيء أن نوليه ظهورنا”.

مسرحية “أنا وبناتي” التي اقتبستها دنيا بوطازوت عن نص لوركا حاولت أن تقول ما قالته أديلا، ولكن بطريقة أخرى أكثر حداثية، وواقعية من دون أحداث صادمة.

فقد قرأت المخرجة دنيا بوطازوت مأساة العنوسة في المغرب والبلدان العربية بلغة مستمدة من واقع حال الأزمة التي تمر بها الفتيات في هذه البلدان، لتنقلها بمشاهد كوميدية عن مسرحية لوركا استقبلها الجمهور المغربي بحفاوة.

المسرحية مولتها وزارة الثقافة المغربية، وقدمتها فرقة “ماي بارت” المغربية على مسرح محمد الخامس بالرباط مؤخرا وعرضت بعد ذلك في العديد من المدن المغربية والأجنبية، وقد لاقت نجاحات وحضورا كبيرا في كل عرض.

مسرحية “أنا وبناتي” اقتبستها المخرجة عن نص لغارسيا لوركا، لكنها اختلفت عنه حيث انتقلت من الدراما إلى الكوميديا

مثل أدوارها، دنيا بوطازوت، نزهة بدر، مونية لميكمل، سيمو كاما، ونفذ الديكور طارق بوطازوت، الموسيقى سعيد ناجي، الإضاءة رشيد العري، الملابس مريم هند عبدالشافي، وغرافيزم خلاف الإدريسي.

مسرحية “أنا وبناتي” وضعتنا إزاء مواقف متشابكة بين أم وابنتيها، في مشاهد أغلبها كوميدي، ولا يوجد فيها إلا فيما ندر موقف ميلودرامي يعالج ظاهرة حقيقية تمر بها الفتيات كالعنوسة.

وقد عالج لوركا في المسرحية الأصلية “أنا وبناتي” ظاهرة الطغيان، الذي تعاني منه المرأة في ظل سلطة غاشمة، فالمسرحية تبدأ بقداس جنائزي ضخم، وقرع نواقيس الكنيسة، في قرية ببالدرّوبيو بالأندلس، لوفاة سيد البيت، مخلفا أرملته برناردا وخمس بنات. الأرملة برناردا في الستين من عمرها، وقد كانت عصبية المزاج، متسلطة. تحولت الحياة على ساكني المنزل إلى جحيم، فهي تحدد ثماني سنوات للحداد، وتمنع أي زائر من دخول منزلهن، وتمنع بناتها من زيارة أحد، وتأمر خادماتها بأن عليهن إن استطعن “منع الهواء من دخول منزلهن”.

أما الأرملة في مسرحية “أنا وبناتي” المقتبسة، فاسمها “حادة” أدت دورها زهرة بدر، وهي ما إن مات زوجها حتى قررت عدم تزويج ابنتيها إلا بعد أن تحظى هي بزوج. تسبب هذا الشرط الذي وضعته الأم، واعتبرته مناسبا لها في عنوسة ابنتيها. “حادة” دائمة الشعور بالحرمان، لأنها ترملت وهي لا تزال صغيرة السن، فهي لا تزال في نهاية الأربعينات من عمرها. مات زوجها الشيخ المتصابي، الذي تزوجها، وهي لا تزال مراهقة، بعد أن ضغط على أبيها الفقير، وأغرى أخاها الكبير بالمال.

مسرحية

وهذا ما تم له بالفعل وأنجبت منه ابنتين، الكبيرة تدعى”الباتول” أدت دورها دنيا بوطازوت، وهي شديدة المكر، لا تفوت فرصة للحصول على رجل، مرة بالدعاء إلى الله، وأخرى بمراقبة الطريق من نافذة المنزل عسى ولعل يمر قرب المنزل عابر سبيل فيراها.

الباتول تفتقد لعاطفة الحنان الأبوي، فقد كان أبوها الشيخ مشغولا بأمراضه وشيخوخته، فلم يولها العناية الكافية، لذلك نجدها تبحث عن رجل يعوضها الأب المفقود. وهي في صراع دائم مع أختها المراهقة “تودة”، أدت دورها مونية لميكمل، وهي فتاة حالمة تبحث عن شاب يحبها ويعطف عليها، ويعوضها الحنان الذي تفتقده من أمها، المشغولة بنفسها، والتي تمتلك حق الخروج من المنزل، والعودة إليه متى شاءت، وتحرم ذلك الحق على أبنتيها.

وتحلم الأم طوال الوقت بالحصول على زوج شاب، يعيد لها أفراح شبابها المفقودة مع زوجها كبير السن السابق. ويزداد الصراع بين الأختين من جهة، ومع أمهما من جهة أخرى بشكل علني عندما يظهر رجل أربعيني غامض في حياة الأسرة، هو زين العابدين بوخالة الملقب بـ”المامون”. أدى دوره سيمو كاما.

مسرحية

يأتي “المامون” بهدف وحيد، هو الحصول على جزء كبير، مما ورثته “حادة” وبنتاها، من أراض وأموال. فيعرض نفسه كزوج مأمول، لكل واحدة منهن، فتبدي له الكبيرة مواهبها، وتظهر له كيف ستجعل زوج المستقبل سعيدا، وغنيا. وتعده بأن تعطيه كل ما يؤول إليها من إرث أبيها، وتطلب من زوجها المستقبلي أن يكون ممتلئا بالرجولة. تقول له إنها تريد من زوجها أن يكون كأبيها شديدا قاسيا. فيبدأ “المامون” بحركة كوميدية في تغيير صوته إلى الخشونة، وهو يناديها باسمها، ليظهر لها خشونته، فتصرخ به أن يهدأ فيعود إلى طبيعته الناعمة.

أما الصغيرة “تودة” فتظهر له حنانها وطيبتها، وأنها لا تريد من زوج المستقبل سوى حنانه، وستمنحه كل حبها، وما ستملك من إرث، وتذكر له أنها لم تخرج إلى الشارع أبدا، ولم يرها رجل قبله. الأم بدورها تحاول أن تعبر له عن رغبتها في زواجه منها، وهي ترقص معه، وتغني، وتمكر له لتغريه بطلبها للزواج بكشفها له كم ترك لها زوجها المتوفى من الأملاك والأموال والذهب. وتظهر له، بحركات كوميدية، كم هي سمينة، وصحتها ممتازة، معتقدة أن الرجال لا يزالون يفضلون النساء الممتلئات كما في الستينات.

وتنتهي المسرحية بصدمة كبيرة للبنتين وأمهما، حينما يخبرهن “المامون” بأنه ابن الزوج المتوفى من امرأة أخرى، وقد تعمد أن يتصنع أمامهن بأنه شاب غريب ليعرف كم ترك أبوه من إرث، والآن بعد أن عرف منهن كم ترك أبوه من أملاك وأموال، فهو يريد حصته في إرث أبيه.

مسرحية

 

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: